موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[ مطلب في بيان عدم فتح باب العلم باللّه إذا كان بالقلب لمحة لغيره من أسرة عالم الملك والملكوت ]

وأما باب العلم باللّه من حيث المشاهدة فلا يفتح وفي القلب لمحة للعالم بأسره الملك والملكوت.

واعلم أن هذه الأمور الوضعية إذا سلك عليها الإنسان وقام بها

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واعلم أن القوم اصطلحوا على أن يسموا كل ما أمكن دركه بأحد الحواس، بل كل الأجسام ولوازمها بعالم الشهادة والخلق والملك، وكل ما لم يمكن دركه بأحدها بعالم الغيب والملكوت والأمر، وقد يسمون المجموع بعالم الشهادة، لأنه مشهود الحق، وقد يخصون هذا الاسم بما يشهده بصر كل أحد وسمعه وقواه، فهو شهادة بالنسبة إليه، وقد يطلقون اسم الغيب على مرتبة الجمع فقط، والملكوت على المجردات فقط وعلى النفوس المدبرة فقط.

مطلب في بيان عدم فتح باب العلم باللّه إذا كان بالقلب لمحة لغيره من أسرة عالم الملك والملكوت ( وأما باب العلم باللّه من حيث المشاهدة ) لا من حيث الفكر ( فلا يفتح وفي القلب لمحة للعالم بأسره الملك والملكوت ) وهذا يدلك على أن مراد الشيخ رضي اللّه تعالى عنه بالملك والملكوت ههنا ليس إلا المجردات والماديات، وإنما قلنا لا من حيث الفكر، لأن العلم باللّه من حيث الفكر لا بد فيه من ملاحظة العالم، وإلا ليس بفكر.

وأما المشاهدات فليست كذلك، لأن المشاهدة لا تكون إلا إذا تجلى الحق لقلب عبده، وذلك لا يصح ما دام في القلب غير الحق بوجه من الوجوه، لأن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر، والمشاهدة توجب الفناء بالمشهود عن كل ما عداه، وإلا فليست بمشاهدة، وكيف يتيسر لك العلم باللّه من حيث المشاهدة وفي قلبك غيره، ولا يصح ملاحظة غيره إلا إذا غبت عن شهوده في ذلك الغير، وهذا هو عين الجهل به، فلا تكن من الجاهلين، والحمد للّه رب العالمين.

( واعلم أن هذه الأمور ) الإلهية النبوية أعني الشرائع ( الوضعية ) التي وضعها الله بواسطة رسله صلوات اللّه عليهم لتكميل عباده وإرشادهم إلى جنابه ( إذا سلك عليها الإنسان ) المكلف بها لأنها الصراط المستقيم، والمنهج القويم، والحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( وقام بها ) وبحقوقها الظاهرة والباطنة على ما فصل ودون في كتب الفقه والأخلاق والمعاملات مثل كتاب

"***"

ولم تكن له همة بأمر وراءها إلا الجنة خاصة فذلك هو العابد صاحب الماء والمحراب كما أن الهمة لو تعلقت بما وراء العبادات من غير استعداد لها لم يكشف له شيء ولا نفعت همته بل صاحبها أشبه شيء بمريض سقطت قواه بالكلية وعنده الإرادة والهمة للحركة والآلة متعطلة فهل يصل بهمته إلى مطلوبه فلا بد من الاستعداد على الكمال بالهمة وغيرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الإحياء «1» ( ولم تكن له همة ) واردة متعلقة ( بأمر وراءها ) يعني الأمور الوضعية مثل العلم باللّه وصفاته وأفعاله ومشاهدته والقرب منه والفناء فيه وتجليه ( إلا ) طلب ( الجنة ) والنجاة من النار ( خاصة فذلك هو العابد صاحب الماء والمحراب ) الذي لا وجهة له إلا رعاية الأعمال والأقوال والأحوال الظاهرة ولا إرادة له في سر سواها إلا النجاة من النار والفوز بالجنة المحسوسة فقط، فلا تنتج له عبادته ثمرة في الدنيا، كما تنتج لمن شاركه فيما هو فيه وزاد عليه برعاية الأمور الباطنة، ما دون في كتب أهل الحقائق، وذكرنا بعض ذلك في الشرح، هذا وإنما تنتج له في الآخرة ما أمله، فالأعمال الظاهرة على ما قررناه من غير الهمة والإرادة المتعلقة بالأمور المعنوية لا تنتج من أحوال القوم مثل الإلهام والمشاهدة والفناء والسكر والصحو وأخواتها شيئا ( كما أن الهمة لو تعلقت بما وراء العبادات ) مما ذكرنا من الأحوال والمشاهدة ( من غير استعداد لها ) بالأعمال الظاهرة كما هو دأب العابد صاحب الماء والمحراب ( لم يكشف له ) عن ( شيء ) مما ذكرنا أنه يطلع عليه السالك في هذا الكتاب ( ولا نفعت همته ) المتعلقة بحصوله لأنها علة ناقصة، والعلة التامة لذلك بعد قضاء اللّه وقدره مجموع الأعمال والأقوال والأحوال الظاهرة، والهمة المتعلقة بالمطالب الروحانية ( بل صاحبها ) أي صاحب الهمة بلا عمل ( أشبه شيء بمريض سقطت قواه بالكلية ) التي هي بمثابة الأعمال الظاهرة ( وعنده الإرادة والهمة للحركة والآلة متعطلة ) لغلبة المرض ( فهل بد ) لمن يريد الوصول إلى حضرة الحق ونيل المطالب المعنوية واللحوق بالملأ الأعلى ( من الاستعداد ) بالظاهر والباطن ( على الكمال ) ولا يصح الاستعداد على الكمال إلا ( بالهمة ) التي هي كمال باطنه ( وغيرها ) من العبادات الظاهرة التي هي كمال ظاهره كما هو ديدن العباد لأن الوصول إلى اللّه كما علمت غير مرة إنما هو بالتحقق

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) الإحياء: كتاب «إحياء علوم الدين» لحجة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي.

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!