موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[ مطلب في بيان من وصل إلى عين الحقيقة وامتحقت همّته ]

فإذا وصل إلى عين الحقيقة وامتحقت همّته وليس لوصول البقية حدّ فيقول الواصل لا ينبغي إلا هكذا وإنما للدهش الذي يقع به عند رفع الحجاب فإن العلم الذي يحصل له عند المشاهدة يلقى عنده التوجه إلى ما هو فوق ما ظهر في حقه لا فيما ظهر فإن الظاهر وإن كان واحد العين فإن الوجوه منه غير متناهية وهي آثاره فينا، فلا يزال العالم متعطشا دائما أبدا والرغب والرهب يتعلق به دائما أبدا، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وصلّى اللّه على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم، والحمد للّه ربّ العالمين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بالعبودية، وليس التحقق بها إلا القيام بمقتضى الصورة الإلهية كما بيناه في رسالة «السبحات» والصورة ظاهرة وباطنة لأن العالم غيب وشهادة، والأعمال الظاهرة ظل اسمه الظاهر، والباطنة ظل اسمه الباطن، وبمجموع الاسمين يحصل الكمال فافهم فإن في هذه الأحرف بحار العلم.

مطلب في بيان من وصل إلى عين الحقيقة وامتحقت همّته ( فإذا ) تحلى السالك بالاستعداد كما بيناه ( وصل إلى عين الحقيقة ) وذلك عين التحقق بالصورة ( وامتحقت همّته ) أي إرادته في إرادة الحق فعلم إذ ذاك أن إرادته فرع إرادة الحق

وهو قوله تعالى: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [ الإنسان: الآية 30 ] فلو لا ما أراد اللّه وصوله إليه ما هم هو بذلك ونظائر هذا في القرآن أكثر من أن تحصى، فمن ذلك قوله تعالى: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [ التّوبة: الآية 118 ]

ثم قوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [ المائدة: الآية 54 ] لأن الحقيقة سلب آثار أوصافك عنك بأوصافه بأنه الفاعل بك فيك منك لا أنت ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها [ هود: الآية 56 ] .

فامتحاق الهمة عين تحقق الإنسان بالصورة، لأن صفاته حينئذ عين صفات الحق فافهم، واعلم أن السير إلى اللّه متناه لأنه عبارة عن قطع المسافة الوهمية التي هي عين العالم، وأما السير في اللّه وهو العلم به من حيث الصفات فلا نهاية له لأن صفاته تعالى غير متناهية، فالوصول إلى اللّه له حد

( وليس لوصول البقية حدّ ) وعلى هذا ( فيقول ) الواصل بلسان ( الواصل ) أي حصل له من وجوه الحق أعني أسماءه ( لا ينبغي ) أن يكون الحق في حد ذاته ( إلا هكذا ) أي كما حصل له فيقيده وهو سبحانه لا يتقيد ولا ينحصر أو لا ينبغي أن يكون على هذا الوجه الذي حصل وهو الأظهر ( وإنما ) يقول ذلك ( للدهش الذي يقع به عند رفع الحجاب ) وإلا فالكل وجوه الحق

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التي هي عينه ( فإن العلم الذي يحصل له عند المشاهدة يلقى عنده التوجه إلى ما هو فوق ما ظهر في حقه ) أي إلى ما هو فوق ما ظهر في حقه بحسب استعداده لأن العلم له السعة التي لا يقابلها ضيق، فكلما تجلى على عبده بتجل يعده لتجل آخر، وهكذا إلى ما لا يتناهى، فلا الري يتصور في حق المحقق الكامل، ولا التناهي والغاية يتصور في المتجلي،

وإلى هذا أشار الشيخ رضي اللّه تعالى عنه بقوله:

لو أن ما لا يتناهى وجوده وفرض تناهيه ودخل في قلب العارف ما أحس بذلك لأن الظهور فيه ( لا فيما ظهر فإن الظاهر وإن كان واحد العين فإن الوجوه منه غير متناهية وهي ) عين ( آثاره فينا ) لأن صفاته ما صحت له إلا بنا، فنحن أعطيناه الصفات، وهو أعطانا الوجود، وإذا كان الوصول إلى البقية لا حد له، لأن كل مشاهدة توجب التوجه إلى ما هو أعلى منها، وهكذا إلى غير نهاية ( فلا يزال العالم ) بكسر اللام وهو ظاهر، أو بفتحها وذلك لا يصح إلا من حيث أن الممكنات ما تحركت من العدم إلى الوجود إلا للكمال، فافهم

( متعطشا ) في كل مشاهدة تحصل له إلى مشاهدة هي فوقها، وهكذا يكون حاله ( دائما أبدا والرغب ) في حصول ما تعطش له ( والرهب ) من فواته وعدم الوصول إليه ( يتعلق به دائما أبدا ولمثل ) هذا فليعمل العاملون،

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،

والحمد للّه ربّ العالمين.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!