موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[ مطلب في بيان من ورد عليه وارد الوقت فمنهم من وارده قريب ومنهم من وارده بعيد ]

وإذا ورد عليه وارد الوقت يقبله، وليحذر من التعشق به ويحفظه فإنه يحتاج إليه إذا ربي فإن أكثر الشيوخ إنما أتى عليهم في التربية لما فرطوا في حفظ ما ذكرناه وزهدوا فيه ويطول الوقت ويقصر بحسب حضور صاحبه فمنهم من وقته ساعة ويوم وجمعة وشهر وسنة ومرة واحدة في عمره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فالواجب على السالك أن يراعي أنفاسه ( ويجتهد أن يكون وقته نفسه ) والوقت عبارة عن حالك في زمن الحال لا تعلق له بالماضي ولا بالمستقبل، فهو موجود بين معدومين، وإذا كان وقتك عين حالك كنت أنت ابن وقتك، وكان لوقتك الحكم عليك، لأنه الموجود وأنت المعدوم وهو الثابت وأنت الموهوم، فإن كان حالك الطاعة ومشاهدة العبودية على كل حال فأنت من المتمكنين، وإن كان خلاف ذلك فأنت من المتلونين، وعلى الأول وقتك القرب، وعلى الثاني وقتك البعد، وعلى أي وجه فلا بد للوقت أن يمنحك وارداته، فمن وقته القرب وارداته من حضرة القرب، ومن وقته البعد فوارداته من حضرة البعد، فمن حزن على الماضي وأشغل وقت الحال به فهو من المبعودين، لأنه فوت ما يطلبه الحال بما لا يعود فهو في عين العدم، وهكذا حال من اشتغل بالمستقبل.

مطلب في بيان من ورد عليه وارد الوقت فمنهم من وارده قريب ومنهم من وارده بعيد ( و ) على هذا فالواجب على من يريد مراعاة أنفاسه أنه ( إذا ورد عليه وارد الوقت ) أي وقت كان ( يقبله ) أي في قلبه ( وليحذر من التعشق به ) أي بوارد الوقت، فإنه إن فعل ذلك كان من أهل البعد لما يلزم له منه من الفوت الذي ذكرناه ( و ) ينبغي له أن ( يحفظه ) ولا ينساه ولكن لا يشغل وقته به ( فإنه يحتاج إليه إذا ) وصل إلى مقام الإرشاد والشيخوخة و ( ربى ) المريدين الذين يرد عليهم مثل ما ورد عليه، لحكم قلوبهم ونفوسهم عليهم، وللمة الملك والشيطان، بل للأصبعين بل لليدين والقدمين والدارين بل للاسمين الهادي والمضل والمظهرين ؛ محمد صلى اللّه عليه وسلم، وإبليس لعنة اللّه عليه ( فإن أكثر الشيوخ إنما أتى عليهم ) وأخطأوا ( في التربية لما فرطوا في حفظ ما ذكرناه ) من واردات الوقت ( وزهدوا فيه ) لشدة توجههم إلى اللّه وإعراضهم عن غيره لغلبة حبه عليهم وفي نسخة زهدا كليّا ( ويطول الوقت ) المضاف إلى المراقبين بأنفاسهم ( ويقصر بحسب ) دوام ( حضور صاحبه ) مع أنفاسه ومعاملتها بما تستحقه وعدمه ( فمنهم ) أي فمن الحاضرين مع أنفاسهم ( من وقته ساعة )، وهو أشدهم حضورا وأكملهم مراقبة

"***"

ومن الناس من لا وقت له، فإنه من حافظ على الأنفاس فالساعات في حكمه إلى ما فوق ذلك، ومن كان وقته حضور الساعات فاتته الأنفاس، ومن كان وقته الأيام فاتته الساعات، ومن كان وقته الجمع فاتته الأيام، ومن كان وقته السنين فاتته الشهور، ومن كان وقته عمره فاتته السنون، ومن لم يكن له عمر لم يكن له وقت وخسر آخرته، ولم تتعدّ همّته البهيمية، وعلو الشخص يدل على وقته وضيقه وقلة علومه، والذي لا وقت له إنما حرم لأجل علة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ورعاية لأنفاسه ( ويوم ) وهو من أرباب الغفلة ( وجمعة وشهر وسنة ومرة واحدة في العمر ) وإن أخذت الوقت عبارة عن البعد، فآخرهم أكملهم، وإلا فهو كما قلنا فافهم.

( ومن الناس من لا وقت له ) وهو أكمل الجماعة وسيدها إن كان الوقت البعد، وإلا فهو أشقاها، وفي نسخة بعد قوله بحسب حضور صاحبه ( فإنه ) هذا دليل لطول الوقت ولقصره بالنسبة إلى الحاضرين ( من حافظ على الأنفاس ) بمراقبة الأنفاس وعدم تفويتها ( فالساعات في حكمه ) لأنه لا حاكم عليه إلا نفسه الذي هو وقته لأنه لا يغفل عنه ويفعل بمقتضاه ( إلى ما فوق ذلك ) من الأيام والجمع والشهور والأعوام والقرون والأعمار، وهو رأس أهل المراقبة وسيد ديوان المحاسبة ( ومن كان وقته حضور الساعات ) فوقته ساعة وهو الحاكم عليه و ( فاتته الأنفاس ) لأنها تمر به ولا يشعر بها فلا حكم لها عليه ( ومن كان وقته الأيام فاتته الساعات ) لهذا الذي قلناه ( ومن كان وقته الجمع فاتته الأيام، ومن كان وقته السنين فاتته الشهور، ومن كان وقته عمره ) فقد ( فاتته السنون، ومن لم يكن له عمر لم يكن له وقت ) وقوله فيمن لا وقت له ( وخسر آخرته، ولم تتعدّ همّته البهيمة ) يدل على أن المراد بالوقت القرب، وكيف لا وقد فرع عليه قوله: فإن باب الملكوت إلى آخره.

هذا آخر هذه النسخة وهي كالشرح لقوله:

( وعلو الشخص يدل على وقته وضيقه ) وفي نسخة وضيق وقته ( وقلة علومه ) فإن من كان وقته ساعة كان أكمل أرباب الأوقات، ولا وقت أضيق من ساعة، ويليه من كان وقته الأيام وهكذا الأمر في الباقي، وإنما كانت علومه قليلة لأنه لا نظر له إلى الأكوان، وإنما نظره إلى الحق وهو واحد في نفسه فقط، والعلوم إنما تكثر بالنظر إلى الأكوان، وتقل بالنظر إلى المكون، وقد مر تقرير هذا في داخل الشرح ( والذي لا وقت له ) وهو الذي لا عمر له ( إنما حرم ) سعادة الوقت والولوج في عالم الملكوت ( لأجل علة ) وفي نسخه بحكم بهيميته عليه، وذلك عين العلة وهي عدم الشعور

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!