موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[ مطلب في بيان الوراثة المطلقة ]

غير أن الأولياء من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم الجامع لمقامات الأنبياء،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الحديث وجميع ما عداه من الآخذين لا يأخذون ما يأخذونه إلا بواسطة، وهم متفاوتون في الأخذ، فمنهم من يأخذ عنه بلا واسطة وهم الأنبياء والرسل بأجمعهم، والكمل من ورثته من التابعين من أمته وجميع صحبه رضوان اللّه وصلواته عليهم أجمعين. ومنهم من يأخذ عنه بالواسطة وهم ما عدا هؤلاء، وهؤلاء يتفاوت أخذهم بحسب تفاوت الوسائط في الشرف والقدر، وعلى الوجه الثاني ما أخذ من أخذ إلا عن اللّه لا عن غيره، وهو الأخذ عن الوجه الخاص فقط لغير محمد صلى اللّه عليه وسلم، وعنه مع الأخذ برفع الوسائط لمحمد صلى اللّه عليه وسلم، لأن الوجه الخاص لا يكون إلا في الأسباب، ولهذا لما رقى الشيخ رضي اللّه تعالى عنه منبر الخلافة والوراثة الكبرى المحمدية الختمية الكمالية بسط له على المنبر كم ثوب أبيض حتى لا يباشر الموضع الذي باشره صلى اللّه عليه وسلم من غير حائل فافهم ترشد.

مطلب في بيان الوراثة المطلقة ( غير أن الأولياء من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ) الذي هو مقدم الجماعة كما علمت وأمير ديوان العالم وسيد ولد آدم ( الجامع لمقامات الأنبياء ) بمقامه الختمي الكلي الجمعي الإحاطي، كما أنه الجامع لأرواحهم بروحه الكلي وحقائقهم بحقيقته الكلية، وأجسامهم بجسمه الكلي. فالمقامات والأرواح والحقائق والأجسام بأجمعها تفصيل حقيقته وجسمه وروحه ومقامه، لأن حقيقة كل نبي وروحه ومقامه وجسمه مجموع حقائق أمته وأرواحهم وأجسامهم ومقاماتهم قال اللّه تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً [ النّحل: الآية 120 ] يعني جماعة وإلى جمع مقام كل نبي مقامات أمته أشار الشيخ رضي اللّه تعالى عنه بقوله: حكمة قتل الأنبياء من أجل موسى عليه السلام لتعود إليه بالإمداد حياة كل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى، وما ثم جهل فلا بد أن يعود حياته على موسى أعني حياة المقتول من أجله، وهي حياة طاهرة على الفطرة، ثم لم تدنسها الأغراض النفسية بل هي على فطرة بلى، فكان موسى مجموع حياة من قتل على أنه هو، فكل ما كان مهيأ لذلك المقتول مما كان استعداد روحه له كان لموسى عليه السلام، فإن قلت ما نقلته من كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه لا يدل إلا على حصول ذلك لموسى عليه السلام فقط لقوله: يعيده. وهذا اختصاص إلهي بموسى ولم يكن لأحد قبله قلت: المشار إليه بقوله: وهذا هو حصول كمالات من قتل لموسى لا نفس استعداد روحه لذلك الحصول، وغرضي من إيراد كلام الشيخ

"***"

قد يرث الواحد منهم موسى عليه السلام، ولكن النور المحمدي لا النور الموسوي، فيكون حاله من حال محمد صلى اللّه عليه وسلم، وحال موسى منه.

وربما يظهر من ولي عند موته ملاحظة موسى، فيتخيل العامي أو من لا معرفة له أنه قد تهوّد أو تنصّر، لكونه يذكر هؤلاء الأنبياء عند موته، وإنما ذلك من قوة المعرفة الحاصلة له بمقامه ومن قوة الاتّصاف به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

رضي اللّه تعالى عنه إثبات هذا الاستعداد فافهم. وإذا علمت هذا علمت أن نسبة محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى سائر الأنبياء كنسبة الأنبياء عليهم السلام إلى أممهم فكما أن كل نبي مجموع أمته كذلك محمد صلى اللّه عليه وسلم هو مجموع الأنبياء، فالأنبياء كالأجزاء الأولى، وأممهم مثل الأجزاء الثواني، وعلماء أمة محمد في صف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهم مثل الأجزاء الأول لأنهم كأنبياء بني إسرائيل. وإذا علمت هذا علمت أو أولياء أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ( قد يرث الواحد منهم موسى عليه السلام، ولكن ) من حيث اندرج النور الموسوي في ( النور المحمدي ) حقيقة ومقاما وروحا وجسما اندراج نور الكواكب في نور الشمس ( لا ) من حيث إن ( النور الموسوي ) ممتاز عن النور المحمدي بحسب الظهور الزماني القاضي بتميز الشرائع لاختلافها باختلافه وعلى هذا ( فيكون حاله ) أي حال الذي يرث موسى المكتسب ( من ) مطلق ( حال محمد صلى اللّه عليه وسلم ) ويكون من أمته ( وحال موسى منه ) أي من حال محمد صلى اللّه عليه وسلم.

( وربما يظهر من ولي ) من الأولياء الذين هم غير ورثة محمد صلى اللّه عليه وسلم ( عند موته ملاحظة ) صورة ( موسى عليه السلام ) إن كان من ورثته وعيسى عليه السلام إن كان من ورثته بذكره لموسى عليه السلام أو عيسى ( فيتخيل العامي أو من لا معرفة له ) بطريق الورثة من أهل اللّه مثل بعض الصوفية والعباد والزهاد والفقهاء وأرباب الحديث والكلام ( أنه قد تهوّد أو تنصّر لكونه يذكر هؤلاء الأنبياء عند موته، وإنما ذلك من قوة المعرفة الحاصلة له بمقامه ومن قوة الاتّصاف به ) أي بمقامه قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: إن أهل اللّه تعالى إذا حضرتهم الوفاة فلا بد لهم من مشاهدة اثنى عشر صورة كلها أو بعضها لا بد من ذلك هن صورة العمل، وصورة العلم، وصورة الاعتقاد، وصورة المقام، وصورة الرسول وصورة الملك، وصورة اسم من أسماء الأفعال، وصورة اسم من أسماء الصفات، وصورة اسم من أسماء النعوت، وصورة اسم من أسماء التشبيه، وصورة اسم من أسماء التنزيه، وصورة اسم من أسماء الذات، وكان الأولى أن تكون هذه كلها أعني السور بالسين، فإنها منازل إلا أنها لما تجسدت المعاني

"***"

إلا القطب فإنه على قدم محمد صلى اللّه عليه وسلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وظهرت بالأشكال والمقادير، لذلك تصورت صورا بالصاد إذا كان الشهود بالبصر، في أول مرتبة من مراتب البرزخ، الذي هو علم الخيال الصحيح، الذي لا يدخله ريب ولا مين، ما هو الخيال الذي هو القوة التي للإنسان في مقدم دماغه بل هو الخيال الخارج، وهي حضرة مستقلة وجودية صحيحة ذات صور جسدية تلبسها المعاني والأرواح.

وقال رضي اللّه تعالى عنه: ومنهم يعني من الأولياء من يتجلى له عند الاحتضار رسوله الذي ورثه إذ كان العلماء ورثة الأنبياء فيرى عيسى عليه السلام عند احتضاره أو موسى أو محمدا أو أي نبي كان على جميعهم الصلاة والسلام، فمنهم من ينطق باسم ذلك النبي الذي ورثه عندما يأتيه فرحا به لأن الرسل كلهم سعداء فيقول عند الاحتضار: عيسى أو يسميه المسيح كما سماه اللّه تعالى وهو الأغلب فيسمع الحاضرون هذا الولي يتلفظ بمثل هذه الكلمة فيسيؤون الظن به وينسبونه إلى أنه تنصر عند الموت وأنه سلب عنه الإسلام، ومن يسمي موسى أو بعض أنبياء بني إسرائيل فينسب إلى اليهودية وهو من أكبر السعداء عند اللّه تعالى،

فإن هذا المشهد لا تعرفه العامة بل يعرفه أهل اللّه تعالى من أرباب الكشوف، وإن كان ذلك الأمر الذي هو فيه اكتسبه من دين محمد عليه الصلاة والسلام، ولكن ما ورث منه هذا الشخص إلا أمرا مشتركا كان لنبي قبله وهو قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [ الأنعام: الآية 90 ]

فلما كانت الصورة مشتركة جلى الحق له صاحب تلك الصورة في النبي الذي كانت له تلك الصفة التي شاركه فيها محمد عليه الصلاة والسلام مثل قوله: «أقم الصلاة لذكرى» ولذلك يتميز ذلك الشخص بظهور من ورثه من الأنبياء عن من ورث غيره، فلو تجلى في صورة محمدية عليه الصلاة والسلام التبس عليه بالشخص الذي ورث محمدا عليه السلام فيما اختص به دون غيره من الرسل. انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

واعلم أن هذا الحال سار في جميع الأولياء الذين يرثون سائر الأنبياء.

مطلب في بيان القطب ( إلا القطب ) الغوث ( فإنه ) لا تتجلى له عند احتضاره إلا صورة محمد صلى اللّه عليه وسلم لأنه على قلب محمد أي على قدمه، وستعلم معنى ذلك إن شاء اللّه وكلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه في هذا المحل نص في أن القطب على قلب محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقد صرح في مواضع بخلافه.

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مطلب في بيان من يأخذ عن اللّه، ومن يأخذ عن الروحانية ( واعلم أن كل وليّ للّه فإنه يأخذ كل ما يأخذه ) عن اللّه بلا واسطة بحسب الظاهر وعن اللّه ( بواسطة روحانية نبيّه الذي هو على شريعته، ومن ذلك المقام ) أي مقام الأخذ عن اللّه بواسطة الرسول ( يشهد ) الولي الحق فالولي لا يشهد الحق إلا بعين نبيه،

ونبيه يشهد الحق بعينه أي بعين الحق من حيث إنه هويته ( فمنهم ) أي الأولياء ( من يعرف ذلك ) أي أنه لا يأخذ عن اللّه إلا بواسطة روحانية نبيه وهم الكمل من الورثة ( ومنهم من لا يعرفه، ويقول: قال لي اللّه، وليس ) القائل له ( غير تلك الروحانية ) التي هي روحانية نبيّه. ( وهنا أسرار لطيفة تضيق هذه الأوراق عنها لما أردناه من التقريب والاختصار ) ونحن نورد نبذة منها إن شاء اللّه تعالى.

اعلم أن اللّه سبحانه وتعالى أوجد الأشياء على نحوين، فمن الواحد تقول: ما أوجدها إلا عند الأسباب لمشاهدتك صدور بعضها عن بعض، لأن اللّه تعالى أول ما خلق حقيقة محمد صلى اللّه عليه وسلم بلا واسطة، ثم خلق بها العقل الأول، وبه النفس وبها الطبيعة وهكذا إلى آخر التعينات، وخلق حواء وآدم والنبيين منهما ومن بعضهم، وهكذا سائر المخلوقات.

ومن الآخر تقول: بل خلق الجميع بلا واسطة، لأن الأسباب لها جهة من حيث هي، وهي بها مفتقرة محتاجة، لا فعل لها ولا أثر ولا قدرة، وهي من هذه الجهة معدومة، ولها وجه من حيث باريها وهو الوجه الخاص الذي للحق في كل موجود،

وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [ القصص: الآية 88 ] يعني به هذا الوجه، وفعل الأسباب وتأثيرها من هذا الوجه لا غير، وهو ليس لها بوجه من الوجوه، لأنه لو كان لها لكان عندها ولو كان عندها لهلك لقوله: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ [ النّحل: الآية 96 ]

وقد صح أن كل وجه هالك إلا وجهه وهو قوله: وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [ النّحل: الآية 96 ]

وعلى الوجه الأول لا يأخذ عن اللّه بلا واسطة إلا رسولنا صلى اللّه عليه وسلم لأنه سيد العبيد والعبد المقرب الذي يدخل الخلوة الخاصة بالملك، وهو قوله: «لي مع الله وقت» «1»

. . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) أورده العجلوني في كشف الخفاء، حديث رقم ( 2015 ) طبعة دار الكتب العلمية.

"***"

ولقد لقينا رجالا على قلب عيسى عليه السلام، منهم أول شيخ لقيته، ورجالا على قلب موسى عليه السلام، وآخرين على قلب إبراهيم، وغيرهم عليهم السلام. ولا يعرف هذا إلا أصحابنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال: «لو كان موسى حيّا لما وسعه إلا أن يتبعني» «1». وقال: «أنا سيد ولد آدم» «2» وأخبر أن جميع الأنبياء تحت لوائه يوم القيامة» وأمثال ذلك مما يدل على أنه صلى اللّه عليه وسلم إمام الأئمة، ومقدم الجماعة، ومبدأ الكلمات، ومنبع العلوم، ومطلع الأنوار، ومخزن الأسرار في عالم الأرواح قبل وجوده العنصري وعنده وبعده، وستعلم ذلك عن قريب إن شاء اللّه.

( ولقد لقينا رجالا على قلب عيسى عليه السلام، منهم أول شيخ لقيته، ورجالا على قلب موسى عليه السلام، وآخرين على قلب إبراهيم، وغيرهم عليهم السلام، ولا يعرف هذا ) أي لا يعرف أن القطب على قلب محمد صلى اللّه عليه وسلم، وأن باقي الجماعة على قلب باقي الأنبياء، وأن صورهم تتجلى لهم عند الموت كما قررناه ( إلا أصحابنا ) الكمل من الورثة أصحاب الحقائق والكشف التام، وأما غيرهم فلا يعرف ذلك على الوجه الذي قررناه.

قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: اعلم أن من رحمة اللّه تعالى بخلقه أن جعل على كل قدم نبي وليّا وارثا له، فما زاد فلا بد أن يكون في كل عصر مائة ألف ولي وأربعة وعشرون ألف ولي على عدد الأنبياء ويزيدون ولا ينقصون، فإن زادوا قسم اللّه تعالى علم ذلك النبي على من ورثه، فإن العلوم المنزلة على قلوب الأنبياء عليهم السلام لا ترتفع من الدنيا، وليس لها إلا قلوب الرجال فتقسم عليهم بحسب عددهم، فلا بد أن يكون في الأمة من الأولياء على عدد الأنبياء وأكثر من ذلك، روينا عن الخضر عليه السلام أنه قال: ما من يوم حدثت فيه نفسي أنه ما بقي ولي

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) يشير إلى قول النبي صلى اللّه عليه وسلم عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فإنكم إما أن تصدّقوا بباطل، أو تكذبوا بحق فإنه لو كان موسى حيّا بين أظهركم، ما حلّ له إلى أن يتبعني». رواه أحمد في المسند، حديث رقم ( 14642 )، طبعة ار الكتب العلمية.

( 2 ) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبيّنا على جميع الخلائق حديث رقم ( 3 - 2278 ) ونصه: عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر. وأول شافع وأول مشفّع». ورواه غيره.

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!