موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[ مطلب في دعوة الخلق والنبوة والولاية ]

وإذا دعوا الخلق إلى اللّه تعالى، فمنهم من يدعوهم من باب الفناء في حقيقة العبودية وهو قوله تعالى: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

في حده بالقائلين بنقصه وقالت طائفة: بل التلوين هو علامة على صاحبه بأنه متحقق محقق كامل إلهي وهو الذي ارتضيه وهو مذهبي وبه أقول وعلى قدر تمكنه في التلوين يكون كماله، وبهذا نحدّ التمكين، نقول: التمكين في التلوين هو التمكين، فمن لم يتمكن له يتلون الأمر عنده.

ولهذا قالت هذه الطائفة فيه بزيادة لو سكتت عنها كانت أولى إذ ليس للتقييد بها تلك الفائدة وهو قولها: لأن في التلوين إظهار قدرة القادر فيكشف منه العبد الغيرية، وهذه الزيادة إجمالية تدل على ما ذهبنا إليه. والتلوين نعت إلهي وكل نعت إلهي كمال إذ لا يتصور في ذلك الجناب نقص أصلا بوجه ولا نسبة، ولا تكمل المقامات والأمور إلا أن يكون من النعوت الإلهية، فإن الكمال للّه على الإطلاق وهو قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ( 29 ) [ الرحمن: الآية 29 ] وليس التلوين غير هذا فيدخل في مذهبنا مذهب الجماعة فإنه أعم وأكبر إحاطة ولا يدخل مذهبنا في مذهبهم.

اعلم أنه من علم أن الاتساع الإلهي لا يقتضي أن يكرر شيئا في الوجود علم أن التلوين هو الصحيح في الكون، فإنه دليل على سعة الإلهية فمن لم يقف في نفسه ولا غيره على اختلاف آثار الحق فيه في كل نفس فلا معرفة له باللّه وما هو من أهل هذا المقام، وهو من أهل الجهل بالله وبنفسه وبالعالم، فليبك على نفسه فقد خسر حياته، وما أورثهم هذا الجهل إلا التشابه، فإن العارف قد يخفى بحيث لا يشعر به فلا أقل أن يعلم أن ثم ما لا يشعر به فيكون عالما بأنه متلون في نفسه لا يعرف فيما تلون ولا ما ورد عليه قال تعالى: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [ البقرة: الآية 25 ] أي:

يشبه بعضه بعضا، فيتخيل أن الثاني عين الأول وليس كذلك بل هو مثله، والفارق بين المثلين في الأشياء يعسر إدراكه بالمشاهدة إلا على من شاهد الحق، أو تحقق بمشاهدة الحرباء فلا دليل من الحيوانات على نعت الحق بكل يوم هو في شأن أولى من الحرباء، فما في العالم صفة ولا حال تبقى زمانين ولا صورة تظهر مرتين، والعلم يصحب الأول والآخر فهو الأول والآخر والظاهر والباطن فلون ووحّد الهوية في الكثرة، انتهى كلام الشيخ رضي اللّه عنه.

مطلب في دعوة الخلق والنبوة والولاية ( و ) اعلم أن الراسخين ( إذ دعوا الخلق إلى اللّه تعالى، فمنهم من يدعوهم من باب الفناء في حقيقة العبودية وهو ) أي الفناء ( قوله تعالى: وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ

"***"

شَيْئاً [ مريم: الآية 9 ] ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة العبودية، وهو الذلة والافتقار وما يقتضيه مقام العبودية. ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الأخلاق الرحمانية. ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الأخلاق القهرية. ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الأخلاق الإلهية، وهو أرفع باب يدعى منه الخلق وأجله.

واعلم أن النبوة والولاية يشتركان في ثلاثة أشياء: الواحد في العلم من غير تعليم كسبي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شَيْئاً )، وقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ( 1 ) [ الإنسان: الآية 1 ] أي قد أتى. واعلم أن العبودة: هي الوصف الذاتي للعبد، وهو عين الافتقار أعني الإمكان، والعبودية: هي عدم الغفلة عن مشاهدة العبودة ودوام ملاحظتها في كل حال ومقام وتجلي ومكاشفة ومشاهدة ومنزلة. والعبادة: هي الجري على ما تقتضيه العبودة. والفناء في العبودة: عبارة عن عدم مشاهدة الربوبية والتوجه للسوى بوجه من الوجوه ( ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة العبودية ) وهو أنزل من الأول ( و ) ملاحظة العبودية ( هو ) مشاهدة ( الذلة والافتقار وما يقتضيه مقام العبودية ) من الاحتياج وعدم الغنى ( ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الأخلاق ) الجمالية اللطيفة ( الرحمانية ) مثل الشفقة والرحمة والرأفة والعفو والصفح والجود والعفة وأمثالها وإلى التخلق بها ( ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الأخلاق ) الجلالية ( القهرية ) مثل الغضب للّه والغيرة للّه والتكبر على أعداء اللّه وأمثالها وإلى التخلق بها ( ومنهم من يدعوهم من باب ملاحظة الأخلاق الإلهية ) كلها سواء كانت جلالية أو جمالية ( وهو أرفع باب يدعى منه الخلق وأجله ) لأنه أوسع الأبواب وأشملها وأعمها، من دخل منه فاز بتمام الصورة، لأنه يدعى إلى جميع الأسماء.

( واعلم أن النبوة ) يعني نبوة التشريع التي هي النبوة الخاصة وقد ختمت برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، لا النبوة العامة التي هي باقية إلى زمن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وتختم به ( والولاية يشتركان في ثلاثة أشياء: الواحد ) في حصول ( العلم ) الحقي الغامض ( من غير تعليم كسبي ) كما هو ديدن أهل النظر بل من تعليم رباني لدني وهبي كما قال تعالى: وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [ الكهف: الآية 65 ] وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [ ص: الآية 20 ] وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [ الأعراف: الآية 145 ] .

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!