موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[ مطلب في بيان أقسام المردودين والمستهلكين والمكمّلين وبيان الصوفي والملامتي إلى غير ذلك ]

ولكن شرطنا التماثل، ويعيش المردود النازل عن مقام المستهلك حتى يبلغ مرتبة المستهلك، ويزيد عليه في التداني فيزيد عليه في التدلي، ويفضل عليه في الترقي، فيفضل عليه في التلقي.

وأما المردودون فهم رجلان: منهم من يرد في حق نفسه، وهو النازل الذي ذكرناه، وهذا هو العارف عندنا، فهو راجع ليكمل نفسه من غير الطريق التي سلك عليها. ومنهم من يرد إلى الخلق بلسان الإرشاد والهداية، وهو العالم الوارث. وليس كل داع ووارث على مقام واحد، ولكن يجمعهم مقام الدعوة،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مطلب في بيان أقسام المردودين والمستهلكين والمكمّلين وبيان الصوفي والملامتي إلى غير ذلك ( ولكن شرطنا التماثل، أو يعيش المردود النازل عن مقام المستهلك ) الذي غايته فوق غايته ( حتى يبلغ مرتبة المستهلك ويزيد عليه في التداني ) إلى حضرة الحق ( فيزيد عليه في التدلي ) إلى الخلق ( ويفضل عليه في الترقي ) إلى الغايات العلية ( فيفضل عليه في التلقي ) من الحق العلوم اللدنية، وفضل العالم بقدر شرف العلم.

( وأما المردودون فهم رجلان: منهم من يرد في حق نفسه ) ليكملها ( وهو النازل الذي ذكرناه ) قبل هذا وقلنا إنه ترقى حتى وصل إلى غاية ما، ثم رجع ثم أخذ في التداني من غير الطريق التي سلك عليها أولا في حال رجوعه ( وهذا هو العارف عندنا فهو راجع ليكمل نفسه من غير الطريق التي سلك عليها ) أولا وإن كان هو بعينه في نفس الأمر لكنه متغير بالنسبة إليه، وذلك لتغير أحواله فإن حاله في التداني الفرق الأول، وفي التدلي الفرق الثاني، وفي الوصول الجمع، فاختلفت الطريق باختلاف أحوال السالك بالنسبة إليه فقط، وأما في نفس الأمر فطريق الثاني عين طريق الأول ( ومنهم ) أي من المردودين ( من يرد إلى الخلق ) ليكملهم ويدعوهم ( بلسان الإرشاد والهداية ) إلى جناب الحق تعالى ( وهو العالم ) الرباني وهو من الذين قال اللّه تعالى في حقهم كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [ آل عمران: الآية 79 ]

فهو ( الوارث ) الذي ورث مقام الدعوة إلى اللّه تعالى وهو الذي أورثه اللّه تعالى الكتاب كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [ فاطر: الآية 32 ] .

( وليس كل داع ) إلى اللّه تعالى ( وارث ) للكتاب على مقام ( واحد ) في الدعوة والوراثة ( ولكن يجمعهم مقام الدعوة

"***"

ويفضل بعضهم على بعض في مرتبته كما قال: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [ البقرة: الآية 253 ] فمنهم الداعي بلغة عيسى وموسى وإسحق وإسماعيل وآدم وإدريس وإبراهيم وهارون وغيرهم، وهؤلاء الذين هم الصوفية، وهم أصحاب الأحوال بالإضافة إلى السادة منا.

ومنهم الداعي بلغة محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهم الملامية أهل التمكين والحقائق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ويفضل بعضهم على بعض في مرتبته ) التي تخصه من مطلق مقام الدعوة، ( كما قال تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) مع أن مقام الرسالة قد جمع الكل ( فمنهم ) أي فمن الورثة والداعين إلى اللّه تعالى على بصيرة ( الداعي بلغة عيسى عليه السلام ) ومن مقامه وذوقه وحاله وهكذا ( موسى وإسحق وسام وإسماعيل وآدم وإدريس وإبراهيم ويوسف وهارون وغيرهم ) من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ( وهؤلاء الذين ) هم ورثة هؤلاء الأنبياء عليهم السلام ( هم الصوفية وهم أصحاب الأحوال بالإضافة إلى السادة منا ) الذين هم أصحاب المقامات يعني الملامية، وهم الطبقة العالية من أهل اللّه تعالى، وهم سادات القوم في كل حال أو مقام، من فناء وبقاء وجمع وفرق،

وإلى ذلك أشار بقوله: ( ومنهم ) أي ومن الورثة والدعاة ( الداعي بلغة محمد ) ومن مقامه وذوقه وحاله ( صلى اللّه عليه وسلم وهم الملامية أهل التمكين والحقائق ) أعلم علمك اللّه تعالى أن الشيخ الجليل العارف المحقق شيخ الإسلام شهاب الدنيا والدين عمر السهروردي رضي اللّه تعالى عنه يرجح الصوفي على الملامتي،

والشيخ رضي اللّه تعالى عنه يرجح الملامتي على الصوفي، والنزاع لفظي، ولا يخفى ذلك على من وقف على ما قاله في ذلك،

فالشيخ شهاب الدين رضي اللّه عنه يسمى من يسميه الشيخ رضي اللّه عنه بالملامتي الصوفي، والشيخ بالعكس،

قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: أعلم أن رجال اللّه تعالى ثلاثة لا رابع لهم:

[الصنف الأول] رجال غلب عليهم الزهد والتبتل والأفعال الطاهرة المحمودة كلها، وطهروا أيضا بواطنهم من كل صفة مذمومة قد ذمها الشارع، غير أنهم لا يرون شيئا فوق ما هم عليه من هذه الأعمال، ولا معرفة لهم بالأحوال ولا المقامات ولا العلوم الوهبية اللدنية ولا الأسرار ولا الكشوفات، ولا يعرفون شيئا مما يجده غيرهم، فهؤلاء يقال لهم العباد، وهؤلاء إذا جاء إليهم أحد يسألهم الدعاء ربما انتهره، أو يقول من أنا حتى يدعو وما منزلتي، حذرا أن يتطرق إليهم العجب وخوفا من غوائل

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

النفس لئلا يدخله الرياء في ذلك، وإن كان أحد منهم يشتغل بقراءة فكتابه الرعاية للمحاسبي وما يجري مجراه،

والصنف الثاني: فوق هؤلاء يرون الأفعال كلها للّه تعالى، وأنه لا فعل لهم أصلا فزال عنهم الرياء جملة واحدة، وإذا سألتهم في شيء مما يحذره أهل الطريق يقولون: أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [ الأنعام: الآية 40 ] ويقولون: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ [ الأنعام: الآية 91 ]

وهم مثل العباد في الجد والاجتهاد والورع والزهد والتوكل وغير ذلك، غير أنهم مع ذلك يرون أن ثم شيئا فوق ما هم عليه من الأحوال والمقامات والعلوم والأسرار والكشوف والكرامات، فتتعلق هممهم بنيلها، فإذا نالوا شيئا من ذلك ظهروا به في العامة من الكرامات لأنهم لا يرون غير اللّه، وهم أهل خلق وفتوة، وهذا الصنف يسمى الصوفية وهم بالنظر إلى الطبقة الثالثة أهل رعونات وأصحاب نفوس وتلامذتهم مثلهم أصحاب دعاوي يتميزون على كل أحد من خلق اللّه، ويظهرون الرياسة على عباد اللّه تعالى.

والصنف الثالث: لا يزيدون على خمس صلوات إلا الرواتب، ولا يتميزون على المؤمنين المؤدين فرائض اللّه تعالى بحالة زائدة يعرفون بها، يمشون في الأسواق ويتكلمون مع الناس، لا يبصر أحد من خلق اللّه واحدا منهم يتميز على العامة بشيء زائد من عمل مفروض أو سنة غير معتادة في العامة، قد انفردوا مع اللّه راسخين لا يتزلزلون عن عبوديتهم مع اللّه طرفة عين، لا يعرفون للرياسة طعما لاستيلاء الربوبية على قلوبهم وذلتهم تحتها، قد أعلمهم اللّه تعالى بالمواطن وما تستحقه من الأعمال والأحوال، فهم يعاملون كل موطن بما يستحقه، قد احتجبوا عن الخلق، واستتروا عنهم بستر العوائد، فإنهم عبيد خالصون مخلصون لسيدهم مشاهدون له على الدوام في أكلهم وشربهم ويقظتهم ونومهم وحديثهم معه في الناس، يضعون الأسباب مواضعها، ويعرفون حكمتها حتى تراهم كأنهم الذي خلق له كل شيء مما تراهم من إثباتهم للأسباب وحضهم عليها، يفتقرون إلى كل شيء عندهم هو المسمى اللّه، ولا يفتقر إليهم شيء لأنه ما ظهر عليهم من صفة الغنى باللّه ولا العزة به، ولا أنهم من خواص الحضرة الإلهية أمر يوجب افتقار الأشياء إليهم، وهم يرون كون الأشياء لا تفتقر إليهم ويفتقرون إليها،

لكون اللّه قال للناس: أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [ فاطر: الآية 15 ] فهم وإن استغنوا باللّه فلا يظهرون بصفة يمكن أن يطلق عليهم منها الاسم الذي وصف اللّه تعالى نفسه به وهو الاسم الغني، وأبقوا

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لأنفسهم ظاهرا وباطنا الاسم الذي سماهم اللّه به وهو الفقر، وقد علموا من هذا أن الفقر لا يكون إلا للّه الغني، ورأوا الناس قد افتقروا إلى الأسباب الموضوعة كلها، وقد حجبتهم في العامة عن اللّه تعالى، وهم على الحقيقة ما افتقروا في نفس الأمر إلا لمن بيده قضاء حوائجهم وهو اللّه،

قالوا: فهنا تسمى اللّه بكل ما يفتقر إليه في الحقيقة، واللّه تعالى لا يفتقر إلى شيء ويفتقر إليه كل شيء، فهؤلاء هم الملامتيه وهم أرفع الرجال وتلامذتهم أكبر الرجال، واختصوا بهذا الاسم لأمرين الواحد يطلق على تلامذتهم لكونهم لا يزالون يلومون أنفسهم في جنب اللّه، ولا يخلصون لها عملا تفرح به تربية لهم، لأن الفرح بالأعمال لا يكون إلا بعد القبول، وهذا غائب عن التلامذة، وأما الأكابر فيطلق عليهم لستر أحوالهم ومكانتهم من اللّه تعالى حين رأوا الناس إنما وقعوا في ذم الأفعال واللوم فيما بينهم فيها لكونم لم يروا الأفعال من اللّه تعالى، وإنما يرونها ممن ظهرت عن يده وصارت الأفعال عندهم في هذه الحالة كلها شريفة حسنة، فكذلك هذه الطائفة، ولو ظهرت مكانتهم من اللّه للناس لا تخذوهم آلهة، فلما احتجبوا عن العامة بالعادة انطلق عليهم في العامة ما ينطلق على العامة من الملامة، فيما يظهر عنهم مما يوجب ذلك، وكانت المكانة تلومهم حيث لم يظهروا عزتها وسلطانها، فهذا سبب إطلاق هذا اللفظ في الاصطلاح عليهم، وهي طريقة مخصوصة لا يعرفها كل أحد انفرد بها أهل اللّه وليس لهم في العامة حال يتميزون بها، وإنما وصف الشيخ رضي اللّه تعالى عنه الملامية بأنها أهل الحقائق والتمكين، لأن التمكين عند الشيخ رضي اللّه تعالى عنه عبارة عن الثبوت على التلوين، الذي هو صفة الحق الحاصلة له من تنزله في مراتب علمه بحقائق مبدعاته، وفي مراتب علمهم بهم، وهو قوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [ الرّحمن: الآية 29 ]

وهذه الصفة ذاتية للممكنات لأنها عبارة عن نفس الإمكان، وتحقق الممكن بحقيقته أعلى غايات كمالاته، وهذا هو عين الخلق الجديد،

قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: التلوين عند أكثر الجماعة مقام ناقص، وهو تلوين العبد في أحواله وأنشد في ذلك شعرا:

كل يوم تتلون * غير هذا بك أجمل

حتى قال بعضهم علامة الحقيقة رفع التلوين بظهور الاستقامة فلو لم يزد بظهور الاستقامة لكان نبه على علم غامض محقق فلما زاد هذه اللفظة أفسد الأمر والتحق

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!