موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[مطلب في بيان عالم الغيرة] - فإن لم تقف مع هذا رفع لك عن عالم الغيرة، وكشف الحق على أتم وجوهه، والآراء السليمة والمذاهب المستقيمة والشرائع المنزلة، وترى عالما قد زينهم اللّه في المعارف القدسية بأحسن زينة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ما رأيت إلا حية، وآخر يقول أحلف ما رأيت إلا عصى وكل صادق فيما أخبر لم يخالف رؤية كل واحد ما هو الأمر عليه في نفسه، فهو الأول والآخر من عين واحدة، وهو الأول في التجلي الأول لا غيره، وهو الآخر في التجلي الثاني لا غيره فقل إله وقل عالم وقل أنا وقل أنت وقل هو، والكل في حضرة الضمائر ما برحت وما زالت، فزيد يقول في حقك هو وعمر يقول عنك أنت وأنت تقول عنك أنا، فأنا عين أنت وعين هو، وما هو غير أنت وغير أنا، فاختلفت النسب وهنا بحور طامية لا قعر لها ولا ساحل، وعزة ربي لو عرفتم ما فهمت به لطربتم طرب الأبد ولخفتم الخوف الذي لا يكون معه أمن لأحد، تدكدك الجبل عين ثباته وإفاقة موسى عليه السلام عين صعقته.

شعر

انظر إلى وجهه في كل حادثة * من الكيان ولا تعلم به أحد

ثم نقول لك أيها الوارث المحمدي: لا تغفل عما نبهتك عليه، ولا تبرح في كل صورة ناظرا إليه، فإن المجلى أجلى هكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه وإليه أشار بقوله:

مطلب في بيان عالم الغيرة ( فإن لم تقف مع هذا ) أي مع الذي يكشف لك عنه في سماء هارون عليه السلام ( رفع لك عن عالم الغيرة ) في سماء موسى عليه السلام لأنه كان مظهر الاسم الغيور كما يعلم من أخباره ويفهم من آثاره ( و ) عن ( كشف الحق على أتم وجوهه ) وامتيازه عن الباطل وامتياز الباطل عنه ( و ) عن ( الآراء السليمة ) عن الخطأ ( و ) عن ( المذاهب المستقيمة ) المنزهة عن الإعوجاج ( و ) عن ( الشرائع المنزلة ) على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. بطريق الوحي والإلهام وعلى غيرهم بطريق الإلهام مثل المسائل الاجتهادية في هذه الأمة والرهبانية المبتدعة في غيرها، فتعلم عند ذلك سر وضع الشريعة وحقيقته على الوجه المطابق للواقع، وأن ما قاله أرباب الفكر في ذلك هو بعض وجوهه وقد غلطوا في الحصر فيه ( وترى ) بعد ذلك ( عالما ) من الأرواح ( قد زينهم اللّه في المعارف القدسية ) التنزيهية ( بأحسن زينة ) فإنها معارف وهبية لا فكرية،

وما من مقام يكشف لك عنه إلا وهو يقابلك بالتعزيز والتوقير والتعظيم، ويعرب لك عن مقامه ورتبته في الحضرة الإلهية، ويعشقك بذاته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وإذا كانت المعارف التنزيهية فطرية فهي زين، وأما إذا كانت فكرية فهي شين لأن ذلك سوأ أدب مع اللّه تعالى حيث يحكم فيه من هو من مخلوقاته ومبدعاته، ونفى عنه ما نسبه إلى نفسه على ألسنة رسله الذين هم أعلم الخلق به.

( وما من مقام ) ولا حال من الأحوال والمقامات التي ذكرنا أنه ( يكشف لك عنه ) في السماوات والعناصر والمولدات ( إلا وهو يقابلك بالتعزيز والتوقير والتعظيم ويعرب لك عن مقامه ورتبته في الحضرة الإلهية ويعشقك بذاته ) وهذا ابتلاء من اللّه تعالى حتى يعلم صحة توجهك إليه وصدقك في طلبه وأعراضك عن غيره، فإن تعشقت بما يعرضه عليك من نفائس ما عنده ووقفت عنده طردك عن بابه وخسرت، وإن صممت على طلبه وأعرضت عن غيره ووصلت إلى جناب قدسه ربحت وفزت وتحكمت بأمره في كل ما عرضه عليك بل لا ترضى إذ ذاك بأن تعيره طرفك ولو طرفة عين، لأنك في شهور جماله ومعاينة كماله المطلق، وتعلم أن كل أمر علمي يكون في اليوم المتعلق بهذه السماأ أعني يوم الخميس فمن روحانية موسى عليه الصلاة والسلام، وكل أثر علوي في ركن النار والهواء فمن روحانية المشتري، وكل أثر سفلي في ركن الماء والتراب فمن حركة فلكه، وتعلم حقيقة البدل الذي يستمد من حقيقة موسى عليه السلام، وكيف يحفظ اللّه به الإقليم الثاني، وتعلم علم النباتات والنواميس الحقية والخلقية، وعلم أسباب الخير ومكارم الأخلاق، وعلم القربات الإلهية، وعلم قبول الأعمال وأين تنتهي بصاحبها، ويكون الناظر إليك في هذه السماء الاسم العليم وهو ربها، والاسم القدير وهو رب يوم الخميس وحرف الضاد المعجمة، ومنزلة الصرفة وسورة الشعراء، هكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه بعد ما أوردناه من كلامه فيما جرى بينه وبين هارون عليه السلام في السماء الخامسة:

ثم ودعته ونزلت بموسى عليه السلام فسلمت عليه فرد وسهل ورحب فشكرته على ما صنع في حقنا مما اتفق بينه وبين محمد صلى اللّه عليه وسلم في المراجعة في حديث فرض الصلوات. فقال لي: هذه فائدة علم الذوق فللمباشرة حال لا يدرك إلا بها. قلت:

ما زلت تسعى في حق الغير حتى أنتج لك الخير كله. قال سعي الإنسان في حق الغير إنما يسعى لنفسه في نفس الأمر، فما يزده ذلك إلا شكرا للّه تعالى، والشاكر ذاكر اللّه بأحب المحامد للّه، والساعي منطقه بتلك المحامد، والساعي ذاكر اللّه بلسانه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولسان غيره قال اللّه تعالى لموسى عليه السلام: يا موسى اذكرني بلسان لم تعصني به. فأمره أن يذكره بلسان الغير، فالأمر بالإحسان والكرم. ثم قلت له: إن اللّه اصطفاك على الناس برسالته وبكلامه، وأنت سألت الرؤية ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: إن أحدكم لا يرى ربه حتى يموت. قال: وكذلك كان لما سألته الرؤية أجابني فخررت صعقا فرأيته تعالى في صعقتي. قلت: موتا. قال: موتا. قلت: فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شك في أمرك إذ وجدك في يوم البعث فلا يدري أجوزيت بصعقة الطور فلم تصعق في النفخ فإن نفخة الصعق ما تعم فقال: صدقت كذلك كان جازاني اللّه تعالى بصعقة الطور فما رأيته تعالى حتى مت ثم أفقت فعلمت من ما رأيت ولذلك قلت: تبت إليك فإني ما رجعت إلا إليه. فقلت: أنت من جملة العلماء باللّه فما كانت رؤية اللّه تعالى عندك حين سألتها ؟ فقال: واجبة وجوبا عقليّا قلت: فبما ذا اختصصت به دون غيرك ؟ قال: كنت أراه ولا أعلم أنه هو، فلما اختلف علي الموطن ورأيته علمت من ما رأيت، فلما أفقت ما انحجبت فاستصحبتني رؤيته إلى أبد الأبد، فهذا الفرق بيننا وبين المحجوبين عن علمهم بما يرونه، فإذا ماتوا رأوا الحق فميزه لهم الموطن، فلو ردوا لقالوا مثل ما قلنا، فلو كان الموت موطن رؤيته لرآه كل ميت، وقد وصفهم اللّه تعالى بالحجاب عن رؤيته. قال: نعم هم المحجوبون عن العلم به أنه هو، وإذا كان في نفسك لقاء شخص لست تعرفه بعينه واسمه وأنت طالب له وحاجتك إليه فلقيته وسلمت عليه وسلم عليك في جملة من لقيته ولم يتعرف إليك فقد رأيته وما رأيته، فلا تزال طالبا له وهو بحيث تراه فلا معول إلا على العلم، ولهذا قلنا في العلم إنه عين ذاته، إذ لو لم يكن عين ذاته لكان المعول عليه غير إله ولا معول إلا على العلم، قلت: إن اللّه دلك على الجبل وذكر عن نفسه أنه تجلى للجبل فقال: لا يثبت لتجليه شيء فلا بد من تغيير الحال فكان الدك للجبل كالصعق لي فالذي دكه أصعقني. قلت له: إن اللّه تعالى تولى تعليمي فعلمت منه على قدر ما أعطاني.

فقال: هكذا فعله مع العلماء به فخذ منه لا من الكون فإنك لم تأخذ إلا على قدر استعدادك فلا يحجبنك عنه بأمثالنا فإنك لم تعلم منه من جهتنا إلا ما نعلم منه من تجلّيه، فإنا لا نعطيك منه إلا على قدر استعدادك فلا فرق فانتسب إليه فإنه ما أرسلنا لندعوكم إلينا وإنما أرسلنا لندعوكم إليه، فهي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه قلت: هكذا جاء في

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

القرآن. قال: وهكذا هو. قلت: بما ذا سمعت كلام اللّه تعالى ؟

قال: بسمعي. قلت:

وما سمعك ؟ قال: هو. قلت: فيما ذا خصصت ؟

قال: بذوق في ذلك لا يعلمه إلا صاحبه. قلت له: فكذلك أصحاب الأذواق قال: نعم والأذواق على قدر المراتب.

انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه. واعلم أنك إن لم تقف مع ما يكشف لك عنه في هذه السماء.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!