موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


مطلب السماء السادسة لموسى عليه الصلاة والسلام

واعلم أنك إن لم تقف مع ما يكشف لك في هذه السماء وارتقيت إلى السماء السادسة فإنك ستنزل عند موسى عليه السلام، ويقف البرجيس أعني المشتري في خدمتك لأنه خادم لموسى عليه السلام، وأنت نزيله وتستفيد من موسى عليه السلام اثنى عشر ألف علم من العلم الإلهي سوى ما يفيدك من علوم الدور والكور، ويعلمك أن التجليات الإلهية إنما تقع في صور الاعتقادات وفي الحاجات فتحفظ، ثم يذكر لك طلبه النار لأجله وأنه ما تجلى له الحق إلا فيها إذا كانت عين حاجته، فلا يرى إلا في الافتقار، وكل طلب فهو فقير إلى مطلوبه ضرورة، ويعلمك خلع الصور من الجوهر وإلباسه صورا غيرها ليعلمك أن الأعيان أعيان الصور لا تنقلب، فإنه يؤدي ذلك إلى انقلاب الحقائق، وإنما الإدراكات تتعلق بمدركات تلك المدركات لها صحيحة لا يشك فيها، فيتخيل من لا علم له بالحقائق أن الأعيان انقلبت وما انقلبت، ومن هنا يعلم تجلي الحق في القيامة في صور يتعوذ أهل الموقف منها وينزهون الحق عنها ويستعيذون باللّه منها وهو الحق ما

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هو غيره «1»، وذلك التغيير في أبصارهم فإن الحق منزه عن قيام التغير به والتبدل قال عليم الأسود لرجل وقف فضرب عليم بيده إلى أسطوانة في الحرم فرآها الرجل ذهبا. ثم قال عليم: يا هذا إن الأعيان لا تنقلب ولكن هكذا تراه لحقيقتك بربك، يشير إلى تجلي الحق يوم القيامة وتحوله في عين الرائي، ومن هذه السماء تعلم العلم الغريب الذي لا يعلمه قليل من الناس فأحرى الكثير، وهو معنى قوله تعالى لموسى عليه السلام، وما علم أحد ما أراد اللّه إلا موسى ومن اختصه اللّه تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ( 17 ) [ طه: الآية 17 ] فقال: هِيَ عَصايَ [ طه: الآية 18 ] والسؤال عن الضروريات ما يكون من العالم بذلك إلا لمعنى غامض، ثم قال في تحقيق كونها عصى أتوكؤ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى، كل ذلك من كونها عصى أرأيتم أنه أعلم الحق بما ليس بمعلوم عند الحق، وهذا جواب علم ضروري عن سؤال عن علم مدرك بالضرورة فقال له: أَلْقِها [ طه: الآية 19 ] ، فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ( 20 ) [ طه: الآية 20 ]

قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ [ طه: الآية 21 ] إما لخوف ظهر من موسى عليه السلام، أو خطاب لما جرت به العادة من خوف الإنسان من الحية لعداوتها الطبيعية.

ثم قال: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى [ طه: الآية 21 ] أي ترجع عصا كما كانت في رأي عينك، فاعلمه أنها عصى في رأي عينه كما كانت حية في رأي عينه، ليعلم موسى عليه السلام من يرى وبما يرى، وهذا تنبيه إلهي له ولنا، وهو ما قاله عليم سواء، فإن كنت فطنا فقد نبهتك على علم فيما تراه من الموجودات وتقول هو ضروري من حيث إنك لا تقدر على إنكاره، وللّه أعين في بعض عباده يدركون بها العصى حية في حال كونها عصى والحية عصى في حال كونها حية وهو إدراك إلهي وهكذا في جميع الموجودات سواء أنظر أم لا لولا نظر العين لما قلت هذا: جماد لا يحس ولا ينطق وما به من حياة، وهذا نبات وهذا يحس ويدرك، وهذا إنسان يعقل هذا كله أعطاه نظرك، ويأتي شخص آخر تسلم عليه الجمادات وتخاطبه كل ذلك يراه بعينه ويسمعه في حال رؤية عين الآخر له جمادا لا ينطق، وهذا يقول بعيني رأيته صامتا لا ينطق والآخر يقول بعيني رأيته ينطق وسمعته أذني، وواحد يقول واللّه

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) سبقت الإشارة إلى حديث التحوّل بالصور.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!