موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[ مطلب في التخلص من آفات هذا المقام ]

ودم على الذّكر، فإنك إذا دمت على الذّكر لم تصبك آفة، وإن لم تقف معه رفع لك عن نور الطوالع، ورفع لك عن صورة التركيب الكلي، وعاينت آداب الدخول إلى الحضرة الإلهية، وآداب الوقوف بين يدي الحق جل وعلا، وآداب الخروج من عنده إلى الخلق، والمشاهدة الدائمة بالوجوه المختلفة من الظاهر والباطن، والكمال الذي لا يشعر به كل أحد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أنه قد أعلمناك فيما أسلفناه لك أن هيكل كل إنسان ليس إلا روحه المجرد حالة تجسده في عالم الخيال المطلق كما يتجسد العلم في الخيال المقيد ويظهر بصورة اللبن وهو هو، وإن تجسد الروح وظهورها بصورة الهيكل ليس إلا في شعورها لا غير، فإذا زال عنها ذلك الشعور بالموت الطبيعي أو الإرادي بقيت عند نفسها على ما كانت عليه في نفس الأمر من التجرّد، فإنها في حالة تجسدها في شعورها كانت في نفس الأمر مجردة، ولكن لما ذهلت عن نفسها بملاحظتها للحقيقة الجسدانية ظهرت عند نفسها بصورة جسدية، وهذا عين تكثف اللطيف، وإذا زال عنها هذا الذهول بالموت الطبيعي أو الإرادي كما قال: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ ق: الآية 22 ] كان ذلك عين تلطف الكثيف، وإذا علمت أنك مجرد في حال تجسدك ومجسد في حال تجردك، هان عليك القول بالحشر الجسماني كما ذهبت إليه عامة أهل الإسلام، وكذلك القول بالمعراج الجسماني للرسول صلى اللّه عليه وسلم كما هو اعتقاد عامة أهل الحديث والفقه، وكذلك القول بعروج عيسى عليه السلام إلى السماء الثانية، وإدريس إلى السماء الرابعة بجسدهما العنصري الطبيعي، ولا تحتاج إلى أن تؤول ذلك بأمور معنوية أو خيالية، وهكذا القول بأن الميت يعذب في قبره ويصيح، وأن عذابه حسي وأمثال ذلك فافهم فإنه من العلم المكنون.

( و ) اعلم أنك ( إن لم تقف مع هذا ) الذي ذكرناه لك ( رفع لك نور متطاير الشرر فتطلب الستر عنه ) بطبعك فإنك تتخيل أنه يذهب عينك ( فلا تخف ) فإنه ما ظهر إلا منك ( ودم على الذكر ) والتوجه إلى اللّه تعالى ولا تعبأ به فإنه لا يضرك وإياك أن تفتر عن الذكر.

مطلب في التخلص من آفات هذا المقام ( فإنك إذا دمت على الذكر لم تصبك آفة وإن لم تقف معه رفع لك عن نور الطوالع ) قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: الطوالع المصطلح عليها عند الطائفة أنوار

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التوحيد تطلع على قلوب العارفين فتطمس سائر الأنوار، وهذه أنوار الأدلة النظرية لا أنوار الأدلة الكثفية النبوية، فالطوالع تطمس أنوار الكشف، وذلك أن التوحيد المطلوب للّه من عباده وواجب النظر فيه إنما هو توحيد المرتبة، وهو كونه إلها خاصة فلا إله غيره، وعلى هذا يقوم الدليل الواضح، وعند بعض العقول فضول من أجل القوى التي هي الآية، فتعطيه في بعض أمزجة تراكيبها فضولا يؤديه ذلك الفضول إلى النظر في ذات اللّه، وقد حجر الشّارع التفكّر في ذات اللّه فزال هذا العقل في النظر في ذلك وتعدى وظلم نفسه، فأقام الأدلة على زعمه وهي أنوار الطوالع على أن ذات الإله لا ينبغي أن تكون كذا ولا أن تكون على كذا، ونفت عنه جميع ما ينسب إلى المحدثات حتى يتميز عندها فجعلته محصورا غير مطلق بما دلت عليه أنوار أدلته ثم عدلت بعد ذلك إلى الكلام في ذاته وصفاته، فاختلفت في ذلك أشعة أنوارهم أعني طرق أدلتهم على ما ذكر في علم النظر، ثم عدلوا إلى النظر في أفعاله فاختلفوا في ذلك بحسب اختلاف أشعة أنوارهم مما قد ذكر وسطر، وليس هذا الكتاب بمحل لما تعطيه أدلة الأفكار فإنه موضوع لما يعطيه الكشف الإلهي فلهذا لم نسردها على ما قررها أهلها في كتبهم، ثم عدلوا إلى النظر في السماعيات، وهو علمنا الذي نعول عليه في الحكم الظاهر ويؤخذ بالكشف الإلهي عند العمل بالتقوى، فيتولى اللّه تعالى تعليمنا بالتجلي فنشهد ما لا تدركه العقول بأفكارها مما ورد به السمع وأحاله العقل وتأوله عقل المؤمن أو سلمه المؤمن الصرف، فجاءت أنوار الكشف بأن الذات التي حجر التفكر فيها رأيناها على النقيض مما دلت عليه العقول بأفكارها، فشاهد صاحب الكشف يمين الحق ويده ويديه والعين والأعين المنسوبة إليه والقدم والوجه، ثم من النعوت الفرح والتعجب والضحك والتحول من صورة إلى صورة. هذا كله شاهدوه، فاللّه الذي يعبده المؤمن وأهل الشهود من أهل اللّه ما هو الذي يعبده أهل التفكر في ذات اللّه، فحرموا العلم لكونهم عصوا اللّه ورسوله في أن فكروا في ذات اللّه، وتقدموا مرتبة الكلام والنظر في كونه إلها واحدا إلى ما لا حاجة لهم به، وقد فعل ذلك من ينتمي إلى أهل اللّه كأبي حامد وغيره وهي مزلّة قدم، وإن كان جعل ذلك سترا له فإنه قد نبه في مواضع على خلاف ما أثبته، وفي الجملة من فعل ذلك أساء الأدب، فمن حكم على نفسه فكره ونظره وأدخل عقله تحت سلطان نظره في ذلك وتخيل أنه على نور من ربه في نظره فطمس بأنظار أفكاره أنوار اللّه التي

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ظهرت بأعين أهل الشهود والكشف، وجاء في ذلك بما لم يجئ عن رسول ونبي في كتاب أو سنّة، فإن كان صاحب أنوار النظرية مؤمنا صادقا في إيمانه تأول ذلك في حق الرسول حتى لا يرجع عن النظر بنور فكره لأن اعتماده عليه وهو الذي أنشأ في نفسه ربّا يعبده كما ينبغي لنظره فعبد عقله، ثم إنه نقل الأمر في التأويل لقصوره من التشبيه بالأجسام لحدوثها إلى التشبيه بالمعاني المحدثة أيضا، فما انتقل من محدث إلا إلى المحدث فكان فضيحة الدهر عند المؤمنين والذين شاهدوا الأمر على ما هو عليه، وأصل ذلك كله أنه نتيجة عن معصيته، إذ قد نهاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى عن التفكر في ذات اللّه فلم يفعل، جعلنا اللّه تعالى وإياكم من أهل الشهود والوجود، فيا ليت هذا المؤمن إذا لم يكن من أهل الشهود أن يسلم الأمر للّه على علم اللّه تعالى فيه ولا يتعدى، وأما إذا جاء بمثل هذه العلوم غير الرسول عند هذا النظري كفره وزندقة وبهذا بعينه آمن به لما جاء به الرسول، فأيّ حجاب أعظم من هذا الحجاب ؟ فيقول له: الأمر على كذا، فيقول: هذا كفر وزندقة، فإذا قلت له كذا ورد في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «ما هو قولي» سكت، وقال بعد أن جاء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فله تأويل ينظر فيه فلا يقبله ذلك القبول لولا رائحة هذا النظر الذي يرجوه في تأويله، فما أبعده من الحق المبين، وقد يريد أصحابنا بالطوالع طوالع أنوار الشهود فتطمس أنوار الأدلة النظرية، فما كان ينفيه عقلا عاد يثبته كشفا ولم يبق لذلك النور الفكري في عقله عين ولا أثر ولا جعل له عليه سلطانا، فهذا معنى الطوالع. انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه. ( و ) إن لم تقف مع نور الطوالع ( رفع لك عن صورة التركيب الكلي ) وهو عبارة عن ظهور الحق بصورة الخلق فتعلم أن الموجود العيني مركب من حق وخلق، وهذا لا يحصل لك إلا إذا تجاوزت نور الطوالع، فإن لم تجاوزه ووقفت عنده فأنت كما قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه تفرد الحق عن الخلق والخلق عن الحق، وكل تركيب ظهر في العالم فهو فرع هذا التركيب الكلي وهذا التركيب الكلي أصله.

شعرفلا تنظر إلى الحق * وتعرّيه عن الخلق

ولا تنظر إلى الخلق * وتكسوه سوى الحق

ونزّهه وشبهه * وقم في مقعد الصدق

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مطلب في بيان أدب الوقوف بين يدي الحق وبيان الجلال والجمال وحكمهما وإذا اطلعت على حقيقة التركيب الكلي ( وعاينت آداب الدخول إلى الحضرة الإلهية ) هل ينبغي أن تدخل عليها بالتنزيه النظري ولا سبيل إلى ذلك، أو بالتنزيه المشروع وهو قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ الشّورى: الآية 11 ] ، و سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 180 ) [ الصّافات: الآية 180 ]

أو تنزيه التنزيه وهو في طي التنزيه المشروع وهو أكمل التنزيه، كما أن حمد الحمد أكمل الحمد، أو بالتشبيه العقلي ولا سبيل إليه، أو بالتشبيه المشروع وهو قوله: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [ الشّورى: الآية 11 ] ، أو تنزيه التشبيه وهي قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ الشّورى: الآية 11 ] على أن لا تكون الكاف زائدة، فتعلم جميع هذا من معاينتك للتركيب الكلي، ولهذا المقام من الفروع والتفاصيل ما لم يمكن حصره ( و ) إذا عاينت آداب الدخول إلى الحضرة الإلهية فسوف تعاين ( آداب الوقوف بين يدي الحق جل وعلا ) بعد الدخول إلى حضرته، فتعلم بماذا ينبغي أن يتصف الواقف، هل يتصف بالقبض والبسط، وإذا اتصف بهما هل يقابل الجمال بالبسط ؟ والجلال بالقبض كما هو المشهور عند عامة القوم، أو يقابل الجمال بالقبض والجلال بالبسط كما هو مذهب الشيخ رضي اللّه تعالى عنه، قال رضي اللّه عنه: أما بعد فإن الجلال والجمال مما اعتنى بهما المحققون العالمون باللّه من أهل اللّه من أهل التصوف، وكل واحد نطق فيهما بما يرجع إلى حاله، وإن أكثرهم جعلوا الأنس بالجمال مربوطا والهيبة بالجلال مربوطة، لا وليس الأمر كما قالوه بوجه، وذلك أن الجلال والجمال وصفان للّه تعالى والهيبة والأنس وصفان للإنسان، فإذا شاهدت حقائق العارفين الجلال هابت وانقبضت، وإذا شاهدت الجمال أنست وانبسطت، فجعلوا الجلال للقهر والجمال للرحمة وحكموا في ذلك بما وجدوه في أنفسهم، وأريد إن شاء اللّه أن أبين عن هاتين الحقيقتين على قدر ما يساعدني اللّه تعالى به في العبارة فأقول أولا: إن الجلال للّه معنى يرجع منه إليه، وهو الذي منعنا من المعرفة به تعالى، والجمال: معنى يرجع منه إلينا وهو الذي أعطانا هذه المعرفة التي عندنا به، والتنزلات والمشاهدات والأحوال، وله فينا أمران الهيبة والأنس، وذلك لأن لهذا الجمال علوّا ودنوا فالعلو جلال الجمال وفيه يتكلم العارفون، وهو الذي يتجلى لهم ويتخيلون أنهم يتكلمون في الجلال الأول الذي 

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ذكرناه، وقد اقترن معه منا الأنس، والجمال الذي هو الدنو قد اقترنت معه منا الهيبة، فإذا تجلى لنا جلال الجمال أنسنا ولولا ذلك لهلكنا فإن الجلال والهيبة لا يبقى لسلطانهما شيء، فيقابل ذلك الجلال منه بالأنس منا لنكون في المشاهدة على الاعتدال حتى نعقل ونرى ولا نذهل، وإذا تجلى لنا الجمال هبنا فإن الجمال مباسطة الحق لنا، والجلال عزته عنا، فتقابل بسطه معنا في جماله بالهيبة، فإن البسط مع البسيط يؤدي إلى سوء الأدب وسوء الأدب في الحضرة سبب الطرد والبعد، ولهذا قال من عرف هذا المعنى من المحققين: اقعد على البساط وإياك والانبساط، فإن جلاله في أنسنا يمنعنا في الحضرة من سوء الأدب، كما أن هيبتنا في جماله وبسطه يمنعنا من سوء الأدب، فكشف أصحابنا صحيح، وحكم بأن الجلال يقبضهم والجمال يبسطهم غلط، وإذا كان الكشف صحيحا فلا تبالي فهذا هو الجلال والجمال كما تعطيه الحقائق انتهى. واعلم أن يدي الحق سبحانه وتعالى عبارة عن الجمال وجلال الجمال، لا كما يتوهمه الدخيل من أنهما عبارتان عن الجمال والجلال المطلق، لأن الجلال المطلق ما توجه على خلق آدم ولا غيره، ولو كان لعرفه من توجه على خلقه لأنه يكون على صورة وهو لا صورة له، ولو كان لورد في القرآن وما ورد إلا الجمال وجلاله، قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: اعلم أن القرآن يحوي على جلال الجمال وعلى الجمال، وأما الجلال المطلق فليس لمخلوق في معرفته مدخل ولا شهود انفرد الحق به، وهو الحضرة التي يرى فيها الحق نفسه بما هو عليه، فلو كان لنا مدخل فيه لأحطنا علما باللّه وبما عنده وهذا محال، انتهى.

وقال رضي اللّه عنه في معنى القبضتين واليدين: واعلم يا أخي أن اللّه تعالى لما كان له الحقيقتان ووصف نفسه باليدين، وعرفنا بالقبضتين خرج على هذا الحد الوجود فما في الوجود شيء إلا وفيه ما يقابله، وغرضنا في هذه المقابلة ما يرجع إلى الجلال والجمال خاصة، وأعني بالجلال جلال الجمال كما ذكرنا، فليس في الحديث المأثور عن المخبرين عن اللّه تعالى شيء يدل على الجلال إلا وفيه ما يابله في الجمال، وكذلك في الكتب المنزلة وفي كل شيء، كما أنه ما من آية في القرآن تتضمن رحمة إلا ولها أخت تقابلها تتضمن نقمة.

كقوله تعالى: غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ [ غافر الآية 3 ] :

يقابله شَدِيدُ الْعِقابِ [ المائدة: الآية 98 ] ،

وقوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 49 ) [ الحجر: الآية 49 ] يقابله وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ ( 50 ).

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[ الحجر: الآية 50 ] ، وقوله تعالى: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ ( 27 ) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ( 28 ) [ الواقعة: الآيتان 27، 28 ] الآية تقابلها وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ ( 41 ) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ( 42 ) [ الواقعة: الآيتان 41، 42 ] الآية، وقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ( 22 ) [ القيامة: الآية 22 ]

يقابلها باسِرَةٌ [ القيامة: الآية 24 ] ، وقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [ آل عمران: الآية 106 ] يقابلها وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [ آل عمران: الآية 106 ] ،

وقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ ( 2 ) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ ( 3 ) تَصْلى ناراً حامِيَةً ( 4 ) [ الغاشية: الآيات 2 - 4 ] الآية يقابله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ ( 8 ) لِسَعْيِها راضِيَةٌ ( 9 ) [ الغاشية: الآيتان 8، 9 ] ،

وقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ( 38 ) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ( 39 ) [ عبس: الآيتان 38، 39 ] يقابله وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ ( 40 ) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ( 41 ) [ عبس الآيتان: 40، 41 ] ،

وإذا تتبعت القرآن وجدته كله في هذا النوع على هذا الحد وهذا كله من أجل الرقيقتين الإلهية في قوله: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ [ الإسراء: الآية 20 ] ،

وقوله: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ( 8 ) [ الشمس: الآية 8 ] ،

وقوله في المعطي المصدق: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ( 7 ) [ الليل: الآية 7 ]

ويقابله في البخيل المكذب فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ( 10 ) [ الليل: الآية 10 ] .

انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

مطلب في بيان الخروج من عند الحق إلى الخلق ( و ) اعلم أنك إذا عاينت آداب الوقوف بين يدي الحق فسوف تعاين بعد ذلك ( آداب الخروج من عنده إلى الخلق ) فتعلم بماذا ينبغي أن تخرج من عنده هل تخرج به فقط أو بنفسك فقط أو بهما، فإن خرجت به فهو الظاهر وأنت الباطن فمن رآك رآه، وإن خرجت بنفسك كان الأمر بالعكس، وإن خرجت بهما كان الأمر على الاعتدال وتعلم من هذا المعنى.

مطلب في المشاهدة الدائمة بالوجوه المختلفة «من الظاهر والباطن» ( والمشاهدة الدائمة بالوجوه المختلفة من الظاهر والباطن: ) اعلم أن للحقائق استعدادات ذاتية مختلفة، ولوازم صفاتية غير مؤتلفة، يقتضي كل واحد منها ما لا يقتضيه الآخر، ولهذا حكمت الحقائق على الظاهر بها أن يكون على صورتها في الظهور، فلا يظهر في حقيقة منها إلا بحسب ما تعطيه ذاتها وصفاتها كما قيل لون الماء لون إنائه، فذات الظاهر من حيث هي لا تتقيد بوصف واستعداد لأنها مطلقة

"***"

فإن كل ما نقص من الوجه الظاهر أخذه الوجه الباطن، والذات واحدة فما ثم نقص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بالإطلاق الذي لا يشوبه تقيد بوجه من الوجوه، وعلى هذا فما هي ظاهرة إلا بالنسبة إلى بعض الحقائق إن كان الظهور عبارة عن تعلق العلم بها، أو إلى جميعها إن كان عبارة عن البروز بالوجود، وهكذا كونها باطنة، ولهذا كانت ذوات الحقائق وجوهها المختلفة من حكم الظاهر والباطن، وهذا لا يقدح في إطلاقها الذاتي ووحدتها الحقيقية لأنه راجع إلى شهود الممكنات كما هي عليه في مراتبها وما تقتضيه استعداداتها الخصيصة بها، وذلك لا يتعدى عرصة إدراكها، فمشاهدة الحق على ما قررناه من أمر الظهور سواء كانت عبارة عن رؤية الأشياء بدلائل التوحيد أو رؤية الحق في الأشياء، أو حقيقة اليقين من غير شك فإنها لا تختلف باختلاف الوجوه من الظاهر والباطن من حيث حقيقة المشهود الواحد الأحد، وإنما تختلف من حيث ظهوراته وهي لا دخل لها في مشاهدة الحقيقة، وإنما هي آلة للمشاهدة، وإن اختلفت مشاهدة الحقيقة لاختلاف الآلة فإن ذلك راجع إلى المشاهد لا إلى المشهود، فالمشهود واحد في ذاته مطلق عن جميع القيود والاستعدادات، واختلاف آلة المشاهدة لا يقدح في وحدته وإطلاقه، وإنما يقدح في شهود المشاهد، ألا تراك لو رأيت زيدا في ألف حلية لا تشك في أنك رأيته واختلاف الحلية لا يقدح في رؤيته فافهم فإنه في غاية الدقة، وبعد أن أعلمناك بحقيقة الحال فإن شئت جعلت متعلق قوله من الظاهر والباطن المشاهدة، وإن شئت جعلته الوجوه المختلفة وكل واحد منهما سايغ لا يخل بالمعنى ( و ) إذا علمت أن المشاهدة لا تختلف باختلاف وجوه الظاهر والباطن علمت ( الكمال الذي لا يشعر به كل أحد ) وهو الكمال الذاتي الذي لا يطرق إليه نقص بوجه من الوجوه ولو في مرتبة من المراتب، فإن قلت فما تقول في أحوال الأشقياء فإنه قد نقصتهم السعادة، وهكذا أحوال الجهال وأصحاب المحن قلت هذا النقص إنما وقع في الصفات لا في نفس الذات.

( فإن كل ما نقص من الوجه الظاهر ) بالنسبة إلينا ( أخذه الوجه الباطن ) بالنسبة إلينا ( والذات ) المتصفة بالظهور وبالبطون النسبي ( واحدة فما ثم ) فيها ( نقص ) أصلا لأن كل ما فاتها في الظاهر لا يفوتها في الباطن وبالعكس فهي كاملة ليس للنقصان إليها سبيل وإلا لم تكن مرجع الأمر كله، ألا ترى إلى القمر كيف هو بدر دائما ومحاق دائما وهما وجها الظاهر والباطن وإنما يزيد وينقص بالنسبة إلينا لا بالنسبة إلى

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!