موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[مطلب عالم الخيال أو الحقيقي ]

وهنا نكتة عجيبة، وذلك أن تنظر ما أنت مشتغل به من الأذكار، فإن رأيت هؤلاء العوالم مشتغلين بهذا الذكر الذي أنت عليه، فكشفك خيالي لا حقيقي، وإنما ذلك خيالك أقيم لك في الموجودات. وإذا شهدت في هؤلاء تنوّعات أذكارهم، فهو الكشف الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

صلاته وتسبيحه ( وهنا نكتة عجيبة ) تدل على أن هذه العوالم التي ذكرناها إنها تظهر لك وإنك تطلع عليها في كشفك قد تظهر للسالك في خياله فيتوهم أنه رآها في الخارج على ما هي عليه فيه، وقد تظهر له فيبصرها ويسمع تسبيحها في الخارج كما هي فيه وهو المعتبر المعوّل عليه، وقد يتوهم من لا خبرة له بطريق أهل الكشف أن ظهور هذه العوالم كما ذكره الشيخ رضي اللّه تعالى عنه لا يكون إلا في عالم الخيال، وأما عالم الحس فظهور ذلك فيه على النهج الذي ذكره الشيخ لا يصح ولا يتصور، لأن اجتماع جميع حيوانات العالم ونباتاته وأحجاره المعدنية وغيرها عند شخص جالس في خلوة صغيرة مغلقة عليه مع أن كل واحد من الحيوانات والنباتات والمعادن في مكانه ومحله ما رحل عنه من قبيل المحالات، ولو رحلوا من أمكنتهم لفقدناهم فيها ولو كان لما وسعهم إقليم فكيف أن تسعهم بلدة هذا السالك الذي هو فيها، ولا بدّ في الرؤية البصرية من شروط أحدها عدم البعد المفرط وعدم الحجب الكشفية، وبعض الحيوانات في أقصى المشرق. وهذا المكاشف في أقصى المغرب مثله، وإذا كان الأمر على هذا فلا معنى لظهور هذه العوالم عند المكاشف في عالم الحس، وإنما تظهر له في عالم الخيال، وهذا قول رجل ما رحل عن عالم الحس ولا تخلص من أثر العبادات، وسنبين حقيقة الحال إن شاء اللّه، وإن كشف هذه العوالم في عالم الحس ما هو من المحالات وهو مذهب الشيخ رضي اللّه تعالى عنه وإليه أشار بقوله في بيان النكتة.

مطلب عالم الخيال أو الحقيقي ( وذلك أن تنظر ما أنت مشتغل به من الأذكار فإن رأيت هؤلاء العوالم مشتغلين بهذا الذكر الذي أنت ) مواظب ( عليه، فكشفك خيالي لا حقيقي، وإنما ذلك خيالك أقيم لك في الموجودات، وإذا شهدت في هؤلاء ) العوالم ( تنوّعات أذكارهم فهو الكشف الصحيح ) المطابق لنفس الأمر، واعلم أن الناس اختلفوا في معنى قوله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [ الإسراء: الآية 44 ] ، فقالت: النظار من أهل الإيمان:

هذا التسبيح بلسان الحال، كما تقول الأرض للوتد: لم تشقني، فيقول لها الوتد:

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سلي من يدقني، وكما يقول الحوض: إذا امتلأ قطن، وأمثال ذلك. وقال الصوفية:

بل هو بلسان فصيح لأنا لما دخلنا طريق أهل الرياضة فتح اللّه أسماعنا فسمعنا تسبيح الموجودات بآذاننا كما يسمع بعضنا كلام بعض وما ذلك على اللّه بعزيز: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ البقرة: الآية 284 ] ،

وأتوا بما يصدق دعواهم من الكتاب والسنة ما تضيق هذه الأوراق عنه وهو مذهب الشيخ رضي اللّه تعالى عنه، وقد صرح بذلك في مواضع كثيرة ولولا مخافة التطويل لأوردناها واللّه تعالى أعلم.

فصل قد علمت في المقدمة أن وجود الأشياء في الخارج إنما هو عند المدارك والمشاعر، ولهذا يختلف باختلافها، وعلمت مما تقدم أن وجود الأجسام في الخارج مثل ظهور العلم في صورة اللبن، وليس الفرق إلا أن الأجسام الموجودة في الخارج تظهر في الخيال المنفصل الذي هو العماء، والعلم لا يظهر في صورة اللبن إلا في الخيال المتصل، وحقيقة الخيال واحدة، وعلى هذا فالعالم كله خيال،

وإذا انتبهت إلى ذلك فاعلم أنه قد ظهر لنا من كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه، أن الرجل إذا أفضى إلى زوجته وواقعها وكانا في تلك الحالة كالمقدمتين الكبرى والصغرى وكان الإخليل كالحد الأوسط الجامع بين المقدمتين واتحدا لهذا الاجتماع المخصوص وعمّتهما اللذة لهذا الاجتماع عند ذلك ينفصل من روحهما روح الولد الذي هو النتيجة ومن جسديهما جسد الولد وليس إلا النطفة، وإذا كان جسد كل إنسان عين روحه لتجسده في الخيال المنفصل كما تجسد الروح الأمين لمريم ولمحمد صلى اللّه عليه وسلم. كان الروح المنفصل من روحهما عين النطفة المنفصلة من جسديهما وللكلام في هذا المقام مجال رحب لا يتسع الوقت لإيراده وقد أفردنا لمعرفة ذلك رسالة، وإذا انفصلت النطفة من الوالدين واستقرت في الرحم دبرت نفسها إلى أجل مسمى وهو زمان انطلاقها عن قيد التجسد إما بالموت الإرادي أو الطبيعي وبعد أن فهمت هذا أو ذقته.

مطلب في التحليل قبل العروج فاعلم أن السالك إذا دام على التوجه إلى اللّه وأعرض عن غيره وصار ذلك ملكة له فإنه أول ما ينفصل عن عالم الأجسام لأنه أول ما يعرض عنه، وإعراضه عنه

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!