The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[مطلب في التحليل قبل العروج ]

وهذا المعراج هو معراج التحليل على الترتيب، والقبض مصاحب لك في هؤلاء العوالم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عين انفصاله عنه ولا يكون على الترتيب الواقع في نشأته المطابق للترتيب الواقع في الآفاق، فأول ما ينفصل عن ركن التراب ثم عن الماء ثم عن الهواء ثم عن النار، وإذا انفصل عن أركانه عند ذلك يلج السماء الدنيا بروحه. قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: فلما أراد اللّه إسرائي ليريني من آياته في أسمائه من أسمائي أزالني عن مكاني وعرج بي على براق إمكاني فزج بي في أركاني فلم أر أرضي بصحبتي فقيل لي أخذه الوالد الأصلي الذي خلقه اللّه تعالى من تراب، فلما فارقت ركن الماء فقدت بعضي فقيل لي إنك مخلوق من ماء مهين فإهانته ذلّته فألصقته بالتراب. فلهذا فارقته فنقص مني جزءان، فلما جئت ركن الهواء تغيرت علي الأهواء وقال لي:

الهواء ما كان فيك مني فلا يزول عني، فإنه لا ينبغي له أن يتعدى قدره ولا يمد رجله في غير بساطه، فإن عليك مطالبة بما غيره من تعفينك فإنه لو لاه ما كانت مسنونا فإني طيب بالذات خبيث بصحبة من جاورني، فلما خبثتني صحبته ومجاورته قيل فيه: حمأ مسنون فعاد خبثه عليه فإنه هو المنعوت وهو الذي غيرني في مشام أهل الشم من أهل الروائح، فقلت له: ولماذا أتركه عندك، قال: حتى يزول عنه هذا الخبث الذي اكتسبه من عفنك ومجاورة طينك وماءك، فتركته عنده، فلما وصلت إلى ركن النار قيل: قد جاء الفخار، فقيل: وقد بعث إليه ؟ قال: نعم، قيل: ومن معه ؟ قيل: جبرائيل الجبر فهو مضطر في رحلته ومفارقة بينه، فقال: عنده في نشأته جزء مني ولا أتركه معه إذ قد وصل إلى الحضرة التي يظهر فيها ملكي واقتداري وتفرد تصرفي فنفذت إلى السماء الأولى وما بقي معي من نشأتي البدنية شيء أعول عليه وانظر إليه. انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه. ( وهذا المعراج هو معراج التحليل ) فإن النشأة الجسمية تتحلل فيه كما أشار إليه الشيخ رضي اللّه تعالى عنه، وانحلالها إنما هو بالنسبة إلى شعور السالك كما أن تركيبها إنما كان بالنسبة إلى شعوره، وقد علمت حقيقة ذلك، وهذا التحليل لا يكون إلا ( على الترتيب ) بين العناصر في الخارج، واعلم أنك إذا وصلت إلى السماء الدنيا فإنك ستنزل عند آدم عليه السلام ويفيدك من علم الأسماء على قدر ما يحمله مزاجك، فإن للنشأة الجسمية العنصرية أثرا في النفوس الهوائية فما كلها على مرتبة واحدة في القبول هكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

ويفيدك علم الوجه الخاص الإلهي الذي لكل موجود

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سوى اللّه الذي يحجبه عن الوقوف مع علته وسببه، وتعلم ما لهذا الفلك من الحكم في الأركان الأربعة والمولدات وما أوحى اللّه تعالى في هذه السماء من الأمر المخصوص بها، وتعلم العلم الإلهي الحاصل للنفوس الجزئية مما هو لهذا الفلك خاصة وما نسبة وجود الحق من ذلك وما له فيها من الصور ومن أين صحت الخلافة لهذه النشأة الإنسانية ولا سيما وآدم المنصوص عليه صاحب هذه السماء، وصورة الاستخلاف في العلم الإلهي والاستخلاف العنصري في تدبير الأبدان وعلل الزيادة والربو والقوة في الأجساد القابلة لذلك والنقص، وتعلم أن كل أمر علمي يكون في اليوم المتعلق بالقمر أعني يوم الاثنين فمن روحانية آدم عليه السلام، وكل أثر علوي في الهواء والنار فمن سباحة القمر، وكل أثر سفلي في عنصر الماء والتراب فمن حركة فلك السماء الدنيا، وتعلم حقيقة البدل الذي يستمد من حقيقة آدم وكيف يحفظ اللّه به الإقليم السابع، وتعلم علم السعادة والشقاء وعلم المد والجزر، ويكون الناظر إليك في هذه السماء الاسم المنير وهو ربها والاسم الحي وهو رب يوم الاثنين وحرف الدال المهملة ومنزلة الإكليل وسورة لقمان. وهكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه. ومن قولي: اعلم إلى هنا بعض من عبارة الشيخ رضي اللّه تعالى عنه وبعض من عبارتي، وهكذا أفعل بعد هذا في كل كلام أقول بعده هكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه، فلا يلتبس عليك واعذرني في ذلك فإن الاختصار مطلوب، وكل كلام أصدره بقال الشيخ وأختمه بتم كلام الشيخ فهو من كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

وليس فيه من كلامي أو من غير كلام الشيخ كلمة واحدة أصلا فاعتمد عليه، واللّه تعالى أعلم. قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه بعدما أوردناه من كلامه في معراج التحليل:

السماء الأولى فنفذت إلى السماء الأولى وما بقي معي من نشأتي البدنية شيئا أعوّل عليه وأنظر إليه، فسلّمت على والدي وسألني عن تربتي، فقلت له: إن الأرض أخذت مني جزؤها وحينئذ خرجت عنها وعن الماء بطينتي، فقال لي: يا ولدي هكذا جرى لها مع أبيك فمن طلب حقه فما تعدى ولا سيما وأنت لها مفارق ولا تعرف هل ترجع إليها أم لا، فإنه يقول: إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ [ عبس: الآية 22 ] ، ولا يعلم أحد ما في مشيئة الحق إلا أن يعلمه الحق بذلك، فالتفت فإذا أنا بين يديه وعن يمينه في نسم

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بنيه، فقلت له: هذا أنا، فضحك، فقلت له: فأنا بين يديك وعن يمينك، قال:

نعم، هكذا رأيت نفسي بين يدي الحق حين بسط يده فرأيتني وبني في اليد ورأيتني بين يديه، فقلت له: فما كان في اليد المقبوضة الأخرى ؟ قال: العالم، فقلت:

فيمين الحق تقضي بالسعادة، قال: نعم، تقضي بالسعادة، فقلت له: فقد فرّق الحق لنا بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فقال لي: يا ولدي ذلك يمين أبيك وشماله ألا ترى نسم بني على يميني وعلى شمالي وكلتا يدي ربي يمين مباركة فبني في يميني وشمالي وأنا وبني في يمين الحق، وما سوانا من العالم في اليد الأخرى الإلهية، قلت: فإذا لا نشقى ؟ فقال: لو دام الغضب لدام الشقاء فالسعادة دائمة وإن اختلف المسكن، فإن اللّه تعالى جاعل في كل دار ما يكون به نعيم أهل تلك الدار فلا بد من عمارة الدارين، وقد انتهى الغضب في يوم العرض الأكبر وأمر بإقامة الحدود فأقيمت وزال الغضب، فإن إرساله يزيله فهو عين إقامة الحدود على المغضوب عليه، فلم يبق إلا الرضى وهو الرحمة التي وسعت كل شيء، فإذا انتهت الحدود صار الحكم للرحمة العامة في العموم، فأفادني آدم هذا العلم ولم أكن به خبيرا فكان في ذلك بشرى معجلة إلهية في الحياة الدنيا ومنتهى القيامة بالزمان، كما قال: خمسون ألف سنة مدة إقامة الحدود ويرجع الحكم بعد انقضاء هذه المدة إلى الرحمن الرحيم، وللرحمن الأسماء الحسنى التي هي الحسنى لمن تتوجه عليه بالحكم، فالرحيم برحمته ينتقم من الغضب وهو شديد البطش به مزيل مانع بحقيقته فيبقى الحكم في تعارض الأسماء بالنسب، والخلق بالرحمة مغمورون فلا يزال حكم الأسماء تعارضها فينا فافهم، فإنه علم غريب دقيق لا يشعر به بل الناس في عماية عنه وما منهم إلا من لو قلت له: ترضى لنفسك أن يحكم عليك ما يسؤك من هذه الأسماء لقال لا ويجعل حكم ذلك الاسم الذي يسوء في حق غيره. فهذا من أجهل الناس بالخلق وهو بالحق أجهل، فأفاد هذا الشهود بقاء أحكام الأسماء في الأسماء لا فينا وهي نسب تتضاد بحقائقها فلا تجتمع أبدا، ويبسط اللّه تعالى رحمته على عباده حيث كانوا فالموجود كله مغمور برحمته. انتهى كلام الشيخ رضي اللّه. واعلم أنك إذا وصلت إلى السماء الدنيا أتتك روحانية فلك القمر، وهو العقل العاشر عند الحكماء فيقف في خدمتك لأنه خادم آدم وأنت ضيفه، وهذا العقل أو الملك مهما شئت قل هو الذي يتصرف في المولدات والعناصر، فهو الحاكم عليها، فإذا توجه

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلى خدمتك أعطاك مرتبة التصرف، وحينئذ تتصرف في عالم الكون والفساد كيف شئت، وترى صور جميع المولدات مرتسمة في ذاته، وتعلم أنها هي التي نراها في عالمنا لا بمعنى أن مثالها يوجد عندنا بل بمعنى أن ما نراه من المولدات ما نراه إلا في ذات العقل العاشر كما قلنا في الأعيان الثابتة فافهم فإنه في غاية الغموض، ولا يذوق ما قلنا إلا من له القدم الراسخة في العلم بعالم الخيال وتجسد المعاني، وعلى هذا فجميع حوادث عالم الكون والفساد موجودة عند العقل العاشر كما هي موجودة عندنا، غير أنه ليس عنده فيها تقدم ولا تأخر زماني فلا يحدث عنده شيء وإنما تحدث الأشياء عندنا، وكل ما نراه في عالم الكون والفساد إنما نراه في مرآة ذاته، ولهذا إذا وصل السالك إلى هذه السماء تأتي إليه جميع المعادن والنباتات والحيوانات فتسلم عليه وتعلمه بما تحمله من خواص المضار والمنافع لأنه حينئذ عين حقيقة العقل العاشر الحاكم عليها المحيط بها، وإذا فهمت ما أشرت إليه علمت أن كشفك للمعادن والنباتات والحيوانات إنما هو كشف حسي حقيقي لا خيالي إذ سمعت تنوعات أذكارها، وأن ذلك ليس من قبيل المحالات لأنك حينئذ لا تشهدها إلا من ذاتك فلا يعوقك عن مشاهدتها البعد المفرط والحجب الكثيفة ( و ) علمت أن ( القبض مصاحب لك في ) كشفك واطلاعك على ( هؤلاء العوالم ) كلها لأنك في معراج التحليل الذي تفني فيه ذاتك وذلك يوجب القبض بلا شك.

السماء الثانية عند عيسى ويحيى عليهما السلام ثم بعد ذلك ترقى إلى السماء الثانية وتنزل عند عيسى ويحيى بن خالته عليهما الصلاة والسلام، ويقف الكاتب في خدمتك لأنه خادمهما وأنت نزيلهما فيوقفك على صحة رسالة المعلّم الأعظم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدلالة إعجاز القرآن، فإنها أعني هذه السماء حضرة الخطابة والأوزان وحسن مواقع الكلام وامتزاج الأمور وظهور المعنى الواحد في الصور الكثيرة، ويحصل لك الفرقان في مراتب خرق العوائد، ومن هذه الحضرة تعلم علم السيمياء الموقوفة على الحروف والأسماء لا على البخورات والدماء وغيرها، وتعرف شرف الكلمات وجوامع الكلم وحقيقة كن واختصاصها بكلمة الأمر لا بخبر الماضي ولا الحال المستأنف، وظهور الحرفين من هذه الكلمة مع كونها مركبة من ثلاثة، ولماذا حذفت الكلمة الثالثة المتوسطة البرزخية التي بين الكاف والنون وهي الواو الروحانية التي تعطي ما للملك في نشأة

"***"

ثم بعد ذلك يكشف لك عن سريان عالم الحياة السببية في الأحياء، وما تعطي من الأثر في كل ذات بحسب استعداد الذوات، وكيف تندرج العبارات في هذا السريان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المكون من الأثر مع ذهاب عينها، وتعلم سر التكوين من هذه السماء وكون عيسى عليه السلام أحيا الموتى وأنشأ صورة الطير ونفخه في صورته، وتكوين الطائر طيرا هل هو بإذن اللّه أو تصوير عيسى عليه السلام خلق الطير هو بإذن الله، وبأي فعل من الأفعال اللفظية يتعلق قوله: بإذني أو بإذن اللّه هل العامل فيه يكون أو تنفخ، فعند أهل اللّه تعالى العامل فيه يكون وعند مثبت الأسباب العامل فيه تنفخ فيحصل لك جميع ذلك إذا دخلت إلى هذه السماء، هكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه وإليه أشار بقوله:

( ثم بعد ذلك يكشف لك عن سريان عالم الحياة السببية في الأحياء وما تعطي من الأثر في كل ذات بحسب استعداد الذوات وكيف تندرج العبارات في هذا السريان ) يعني رضي اللّه تعالى عنه أنه يكشف لك حين تدخل إلى السماء الثانية بعد المكاشفات التي ذكرنا أنها تحصل لك إذا دخلت إلى الأولى عن سريان عالم الحياة السببية مثل الحياة الظاهرة على يد عيسى عليه السلام في الأحياء التي كانت حياتهم بسببه مثل الأموات من الأنس والطيور المسواة من الطين التي أحياها، وما تعطي تلك الحياة السببية من الأثر في كل ذات من ذوات الأموات التي تحيى بهذه الحياة السببية حسب استعداد تلك الذات، فإن كانت الذات ذات طير حييت بهذه الحياة السببية حياة طير، وإن كانت ذات إنسان حييت بها حياة إنسان، والحياة السببية حقيقة واحدة اختلفت آثارها بحسب اختلاف استعدادات من أثّرت فيه وكيف تندرج العبارات في هذا السريان

مثل قوله تعالى: وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي [ المائدة: الآية 110 ] ،

وقوله تعالى: فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ [ آل عمران: الآية 49 ] ،

وتعلم في هذه السماء أن عيسى عليه الصلاة والسلام روح اللّه، ويحيى له الحياة، فكما أن الروح والحياة لا يفترقان، كذلك هذان النبيان لا يفترقان، لما يحملانه من هذا السر فإن لعيسى عليه السلام في علم الكيمياء الطريقتين طريقة الإنشاء وهو خلقه الطائر من الطين والنفخ فظهر عنه الصورة باليدين والطيران بالنفخ الذي هو النفس، وطريقة إزالة العلل الطارئة وهو في عيسى عليه

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السلام إبراء الأكمه والأبرص، وتعلم علم المقدار والميزان الروحاني والطبيعي، وأن الحياة العلمية هي التي تحيي بها القلوب كقوله تعالى: أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [ الأنعام: الآية 122 ] ،

وهذه السماء حضرة جامعة فيها من كل شيء، ومنها يكون الإمداد للخطباء لا للشعراء لأنها الحضرة التي منها الإعجاز بالفصاحة والبلاغة للقرآن فليس للشعر فيها مدخل البتة، ولما كان لمحمد صلى اللّه عليه وسلم جوامع الكلم خوطب من هذه الحضرة وقيل له: وما علمناه الشعر وما ينبغي له، لأنه لو علمه الشعر لما صح إعجاز القرآن، وكان يقال إنه من كلامه لأنه شاعر، وإعجاز القرآن هو ظهوره من رجل أمي ما قرأ ولا خط ولا يعلم الشعر،

ولهذا قال تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ [ يونس: الآية 38 ]

ولأنه صلى اللّه عليه وسلم أرسله مبينا مفصلا والشعر شعور فحليته الإجمال لا التفصيل، وهو خلاف البيان وتعلم من هذه السماء تقلبات الأمور وأنه منها توهب الأحوال لأصحابها، وكلما ظهر في العالم العنصري من النار نجيات الأسمائية فمن هذه السماء، وأما الفلكيات فمن غير هذه الحضرة، ولكن إذا وجدت فأرواحها من هذه السماء، لا أعيان صورها الحاملة لأرواحها، وتعلم سرعة الإحياء فيما من شأنه أن لا يقبل ذلك إلا في الزمن الطويل، فإن ذلك من علم عيسى عليه السلام لا من الأمر الموحى به في ذلك الفلك، ولا في سياحة كوكبه وهو من الوجه الخاص الإلهي الخارج عن الطريق المعتاد في العلم الطبيعي الذي يقتضي الترتيب السببي الموضوع بالترتيب الخاص، وهذه مسألة يغمض دركها فإن العالم المحقق يقول:

بالسبب فإنه لا بد منه ولكن لا يقول بهذا الترتيب الخاص في الأسباب، فعامة أهل هذا العلم إما ينفون الكل أو يثبتون الكل، ولم أر منهم من يقول بإبقاء السبب معنى في ترتيبه الزماني فإنه علم عزيز يعلم من هذه السماء فما يتكون عن سبب في مدة طويلة يتكون عن ذلك السبب في لمح البصر أو هو أقرب وقد ظهر ذلك فيه نقل في تكوين عيسى عليه السلام، وفي تكوين خلق عيسى الطائر، وفي إحيائه الميت من قبره قبل أن يأتي المخاض الأرض في إبراز هذه المولدات ليوم القيامة، وهو يوم ولادتها، فألق بالك واشحذ فؤادك عسى ربك أن يهديك سواء السبيل، وتعلم أن كل أمر علمي يكون في اليوم المتعلق بالكاتب أعني يوم الأربعاء فمن روحانية عيسى عليه الصلاة والسلام وهو يوم النور، وكل أثر في عنصر النار والهواء فمن روحانية سباحة عطارد، وكل أثر سفلي في ركن الماء والتراب فمن حركة فلك هذه السماء،

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وتعلم حقيقة البدل الذي يستمد من حقيقة عيسى عليه السلام وكيف يحفظ اللّه تعالى به الإقليم السادس، وتعلم علم الأوهام والإلهام والوحي والآراء والقياس والرؤيا والاختراع الصناعي والفطري وعلم الغلط الذي يتعلق بعين الفهم وعلم النجوم وعلم الزجر والكهانة والسحر وعلم الطلسمات والعزائم، ويكون الناظر إليك في هذه السماء الاسم المحصي وهو ربها والاسم المريد وهو رب يوم الأربعاء، وحرف الطاء المهملة ومنزلة الزبانية وسورة الروم، ومن هذه الحضرة تعلم سر وجوب صلاة العصر هكذا قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه. وقال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه بعد ما أوردناه من كلامه فيما جرى بينه وبين آدم عليه الصلاة والسلام في السماء الأولى:

ثم رحلت عنه عن آدم عليه السلام بعد ما دعا لي فنزلت بعيسى عليه الصلاة والسلام فوجدت عنده ابن خالته يحيى عليه الصلاة والسلام فكانت الحياة الحيوانية، ولو كان يحيى ابن خاله لكان روحا، ولما كانت الحياة الحيوانية ملازمة للروح، وجدت يحيى عند روح اللّه عيسى عليهما السلام لأن كل روح حي بلا شك وما كل حي روح، فسلمت عليهما فقلت له: بما زدت علينا حتى تسمّيت بالروح، فقال: ألم تر إلى من وهبني لأمي ؟

ففهمت ما قال، فقال لي: لولا هذا ما أحييت الموتى، قلت له: لقد رأينا من أحيى الموتى ممن لم تكن نشأته كنشأتك، فقال: ما أحيى الموتى من رأيته إلا بقدر ما ورثه مني فلم يقم في ذلك مقامي كما لم أقم أنا مقام من وهبني في إحياء الموتى، فإن الذي وهبني ما يطأ موضعا إلا حيي ذلك الموضع وأنا ليس كذلك بل حظنا أن نقيم الصور بالوطىء خاصة والروح الكلي يتولى أرواح تلك الصور، وما يطأه الروح الذي وهبني هو يعطي الحياة في صورة ما أظهره الوطيء فاعلم ذلك.

ثم رددت وجهي إلى يحيى عليه السلام قلت له: أخبرت أنك تذبح الموت بين الجنة والنار، قال: نعم، ولا ينبغي ذلك إلا لي فإني يحيى فلا يبقى ضدّي معي، وهي دار الحيوان فلا بد من إزالة الموت فلا مزيل له سواي، فقلت له: صدقت فيما أشرت إليّ ولكن في العالم يحيى كثير، قال لي: وأين مرتبته الأولية ؟

فإن اللّه ما جعل لي من قبلي سميّا فكل يحيى تبع لي في ظهوري لا حكم لهم فنبهني على شيء لم يكن عندي، فقلت: جزاك اللّه تعالى خيرا من صاحب مورث. فقلت: الحمد للّه الذي جمعكما في سماء واحدة حتى أسألكما عن مسألة بحضور كل واحد منكما، إنكما اختصصتما بسلام الحق لكن عيسى عليه السلام أخبر

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عن نفسه بسلام الحق عليه، والحق أخبرنا بسلامه على يحيى فأيّ مقام أتم ؟ فقال لي: ألست من أهل القرآن ؟ قلت: بلى، فقال: انظر فيما جمع الحق بيني وبين ابن خالتي أليس قد قال اللّه تعالى فيّ: وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [ آل عمران: الآية 39 ] فعيّنني في النكرة. قلت له: نعم، قال: ألم يقل عن عيسى ابن خالتي إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [ الأنبياء: الآية 75 ] ، كما قال عنّي فعيّنه في النكرة ؟ قلت له: نعم، قال عيسى: هذا لما كان كلامه في المهد دلالة على براءة خالتي، لم يترجم عن اللّه إلا هو نفسه، فقال: وَالسَّلامُ عَلَيَّ [ مريم: الآية 33 ]

يعني من اللّه، قلت له: صدقت، ولكن سلّم بالتعريف وسلام الحق عليك بالتنكير أعمّ فقيل لي: ما هو تعريف عين، بل هو تعريف جنس فلا فرق بينه بالألف واللام وعدمهما فأنا وإياه في السلام على السواء في الصلاح كذلك، وجاء الصلاح لنا بالبشرى فيّ وفي عيسى بالملائكة، فقلت له:

أفدتني أفادك اللّه تعالى، فلم كنت حصورا ؟ قال: ذلك من أثر همّة والدي زكريا لما شاهد خالتي وهي بتول مقطوعة من الرجال، واستفرغت مشاهدته إياها طاقته بحيث لم يبق فيه مساغ لغيرها لما دخل عليها المحراب ورأى حالها فدعى اللّه تعالى أن يرزقه ولدا مثلها فخرجت حصورا منقطعا عن النساء، فما هي صفة كمال وإنما كانت أثر همّة فإن في الإنتاج عين الكمال. قلت له: فنكاح الجنة ما فيه نتاج ؟ فقال: لا تفعل بل هو نتاج ولا بد وولادته نفس يخرج من الزوجة عند الفراغ من الجماع فإن الإنزال ريح كما هو في الدنيا ماء فيخرج ذلك الريح بصورة ما وقع عليه الاجتماع بين الزوجين فمنا من شهده كما هو الأمر في الدنيا فهو عالم غيب لمن غاب عنه وعالم شهادة لمن شهده، قلت له: أفدتني أفادك اللّه من نعمة العلم به، فقلت له:

فهذه سماؤك ؟ قال لي: لا أنا أتردد بين هارون وعيسى أكون عند هذا وقتا وعند هذا وقتا، قلت له: فلماذا خصصت هارون دون غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؟

فقال لي: لحرمة النسب ما جئت لعيسى إلا لكونه ابن خالتي فأزوره في سمائه فآتي إلى هارون لكون خالتي أختا له دينا ونسبا. فقلت: فما هو أخوها لأن بينهما زمانا طويلا وعالما، فقال لي قوله: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً [ الأعراف: الآية 73 ]

ما هذه الأخوّة أترى هو أخا ثمود لأبيه وأمه فهو أخوهم فسمي القبيل باسم ثمود، وكان صالح من نسل ثمود فهو أخوهم بلا شك ثم جاء بعد ذلك الدين، ألا ترى أصحاب الأيكة لما لم يكونوا من مدين وكان شعيب من مدين فيقال في شعيب أخو مدين

"***"

مطلب بيان اللوائح الحالية

وإن لم تقف مع هذا، رفعت لك اللوائح اللوحية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فقال: وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً [ الأعراف: الآية 85 ] ، ولما جاء ذكر الأيكة

قال: إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ [ الشّعراء: الآية 177 ] ولم يقل أخوهم لأنهم ليسوا من مدين، وشعيب من مدين، فزيارتي لهما صلة رحم وأنا لعيسى أقرب مني لهارون. تم كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

مطلب بيان اللوائح الحالية واعلم أنك ( إن لم تقف مع هذا ) الذي ذكرنا لك أنك ستطلع عليه في هذه السماء ( رفعت لك اللوائح اللوحية ) في هذه السماء أيضا، ولا أعلم ما معنى اللوائح اللوحية، والمعروف عندنا اللوائح الحالية كما ستقف عليه فيما نورده من كلام الشيخ رضي اللّه عنه إن شاء الله، ومن وقف على معنى ذلك فليلحقه بهذا الموضع من هذا الكتاب حتى تقع الفائدة واللّه تعالى أعلم. قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه: اللوائح عند القوم ما يلوح للأسرار الظاهرة من السمو من حال إلى حال. وعندنا ما يلوح للبصر إذا لم يتقيد بالجارحة من الأنوار الذاتية والسبحات الوجهية من جهة الإثبات لا من جانب السلب، وما يلوح من أنوار الأسماء الإلهية عند مشاهدة آثارها فتعلم من أنوارها إما السمو من حال إلى حال، فهو أن لا يرجع إلى الحال الذي انتقل عنه إلى ما فوقه، والمراد بذلك ما يأتي به الحال من الواردات الإلهية، والمعرفة باللّه وهي المنازل ما هي الكرامات، فإن الأحوال قد تعود مرارا ولكن لا يحمد صاحبها فيها إلا إذا زادته علما باللّه لم يكن عنده لا بد من ذلك، وتلك الزيادة هي اللائحة، فإن لم ترقه تلك الزيادة في الحال فليست بلائحة مع صحة الحال، والحال كونك باقيا أو فانيا أو صاحيا أو سكرانا أو في جمع أو في تفرقة أو في غيبة أو في حضور، والأحوال معروفة وهي الأبواب التي ذكرناها في هذا الفصل وفيها أمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يقول: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [ طه: الآية 114 ] يرقى به عنده منزلة لم تكن له، وهذه الأحوال لا يختص بها البشر ولا موطن الدنيا بل هي دائمة أبدا في الدنيا والآخرة وهي لكل مخلوق، فاللوائح كلها مبادئ الكشوف ولهذا قد تثبت وقد يسرع زوالها إلا أنه لا بد لها فيمن تلوح له من زيادة علم يرقى به درجة عند اللّه تعالى هذا يشترط في اللوائح،

وقلنا: من شرط اللائحة أن يكون الإدراك بالبصر لا بالبصيرة في الحال الذي لا يتقيد البصر بالجارحة بل بحقيقة البصر المنسوب إلى النفس الناطقة، ثم يزاد إلى ذلك أمر آخر وهو أن يكون الحق بصره، فهو الشاهد له والبينة من ربه على أن بصره لم يتقيد بالجارحة، وقد صح

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

هذا المقام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كما صح عنه لما سئل عن رؤية ربه بعينه ذات الطبقات فقيل له: هل رأيت ربك ؟ أراد السائل رؤية البصر المقيد بالجارحة، فقال: «نور أنّى أراه» «1» ؟ أي نور هذا الإدراك يضعف عن ذلك النور الإلهي، وإن كان للبصر المقيد إدراك في النور الإلهي على حد مخصوص، فإن النور الإلهي كما قبل التشبيه بالمصباح الوارد في القرآن على الصفات المخصوصة المذكور كذلك يقبل إدراك البصريات إذا حصل تلك الشرائط كلها، فتدبرها في نفسك، ويخرج قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [ الأنعام: الآية 103 ] على وجهين: الوجه الواحد أنه نفى أن تدركه الأبصار على طريق التنبيه على الحقائق وإنما يدركه المبصرون بالإبصار لا الأبصار، والوجه الثاني: لا تدركه الأبصار المقيدة بالجارحة كما قررنا، فإذا لم تتقيد أدركته وهو عين النور الذي وقع فيه التشبيه بالمصباح، وهو النور الذي ليس كمثله شيء فلا يقبل التشبيه، لأنه لا صفة له وكل من له صفة فإنه يقبل التشبيه، لأن الصفات تنوع في المقابلين لها بحسب ما تعطيه حقيقة الموصوف، كالعلم يتصف به الحق والسمع والبصر والقدرة والإرادة والقول وغير ذلك من الصفات ويتصف بها المخلوق، ومعلوم أن نسبتها إلى المخلوق لا يكون على حد نسبتها إلى الخالق بل نسبتها إلى البشر تخالف نسبتها إلى الملك وكلاهما مخلوقان فاعلم ذلك، فهذه اللوائح التي تلوح للبصر مشاهدة ذاتية ثبوتية ما هي سلبية، فإن الوصف السلبي ليس من إدراك البصر بل ذلك من إدراك العقول، وما يدرك بالعقل لا يدخل في اللوائح وإنما ما يلوح من أنوار الأسماء الإلهية عند مشاهدة آثارها فتعلم بأنوارها أي تظهرها أنوارها، فالاسم الإلهي روح لا أثر له وأثره صورته والبصر لا يقع من الاسم إلا على أثره الذي هو صورته، كما يقع على صورة زيد الجسمية، ويصح أن يقال رأى زيدا من غير تأويل ويصدق مع كون زيد له روح مدبرة هي غيب فيه لها صورة وهي جسديتها، فأثر الأسماء الإلهية صور الأسماء فمن شاهد الآثار فقد صدق في أنه شاهد الأسماء، فلوائحها أن يجمع بين نسبة ذلك الأثر المشهود وبين الاسم الذي هو ورح صورة ذلك الأثر، كما ترى شخصا ولكن لا تعرف أنه زيد المطلوب عندك، ويراه آخر ممن يعرفه فيعرف أنه زيد، فهذا العارف هو صاحب اللوائح، والآخر ليس هو من أصحاب اللوائح لأنه ما لاح له

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في قوله صلى اللّه عليه وسلم: «نور أنّى أراه» حديث رقم ( 291 - 178 ). ورواه غيره.

"***"

وخوطبت بالمخاوف، وتنوّعت لك الحالات


 

 

البحث في نص الكتاب



Bazı içeriklerin Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!