موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[ مطلب الذكر في الخلوة ]

واشتغل بذكر اللّه تعالى بأي نوع شئت من الأذكار، وأعلاها الاسم الأعظم، وهو قولك: اللّه، اللّه، لا تزيد عليه شيئا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سلطان البتة لأنه من عباد اللّه بلا شك، فلم يبق إلا أن يكون ذلك الخاطر من الحضرة الإلهية وليس للباطل فيها دخل بوجه من الوجوه فهو حق بلا شك، هذا من نتائج عزلة السر وهي نتيجة عن عزلة الخلق.

( و ) إنك إذا عودت النفس بالانفراد وترك المألوفات ودوام المراقبة والإقبال على اللّه والأعراض عما سواه وألفت ذلك ولم تمجه ولا تستثقله بل تتألم لعدمه وطابت له وطاب لها فأدخل الخلوة.

مطلب الذكر في الخلوة ( اشتغل بذكر اللّه تعالى ) فإن القلوب تصدأ بارتكاب المناهي وملاحظة الأغيار كما يصدأ الحديد وجلاؤها ذكر اللّه تعالى، والذكر ينتج مجالسة الحق وهي من أسنى المواهب ( بأي نوع شئت من الأذكار ) مثل سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ولا حول قوة إلا باللّه العلي العظيم وأمثالها ( وأعلاها ) قدرا ورتبة ونتيجة ( الاسم الأعظم وهو قولك: اللّه، اللّه، لا تزيد عليه شيئا ). قال الشيخ رضي اللّه عنه: وليكن ذكرك الاسم الجامع الذي هو اللّه اللّه اللّه وإن شئت هو هو لا تتعدى هذا الذكر، وتحفظ أن يفوه به لسانك وليكن قلبك هو القائل، ولتكن الأذن مصغية لهذا الذكر حتى يبعث الناطق من سرك، فإذا أحسست بظهور الناطق فيك بالذكر فلا تترك حالك التي كنت عليها فإنها قوة عرضية إن أخللت بجمعيتك لم تلبث أن تزول سريعا. وقال رضي اللّه تعالى عنه: الذكر نعت إلهي وهو نفسي ومليء في الحق وفي الحق ومع كونه نعتا إلهيّا فهو جزاء.

ذكر الخلق قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [ البقرة: الآية 152 ] فجعل وجود ذكره عن ذكره وكذلك حاله فقال: «إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» «1».

فأنتج الذّكر وحال الذّكر حال الذّكر، وليس الذّكر هنا بأن تذكر اسمه بل لتذكر اسمه من حيث ما هو مدح له وحمد، إذ الفائدة ترتفع بذكر الاسم من حيث دلالته على العين فقط في حقك وفي حقه فإن قلت: رجح أهل اللّه ذكر لفظة الجلالة اللّه وذكر لفظته على الأذكار التي تعطي النعت ووجدوا لها فوائد، قلت: صدقوا وبه أقول، ولكن ما قصدوا بذكرهم اللّه اللّه نفس دلالته على

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

العين، وإنما قصدوا هذا الاسم أو الهو من حيث أنهم علموا أن المسمى بهذا الاسم أو هذا الضمير هو من لا تقيده الأكوان ومن له الوجود التام، فإحضار هذا في نفس الذاكر عند ذكر الاسم بذلك وقعت الفائدة، فإنه ذكر غير مقيد فإذا قيده بلا إله إلا اللّه لم ينتج له إلا ما تعطيه هذه الدلالة، وإذا قيده بسبحان اللّه لم يتمكن له أن يحضر إلا مع حقيقة ما يعطيه التسبيح، وكذلك اللّه أكبر والحمد للّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه وكل ذكر مقيد بقيد لا ينتج إلا ما تقيد به لا يمكن أن تجتني منه ثمرة عامة، فإن حالة الذكر تقيده. وقد عرفنا اللّه تعالى أنه ما يعطيه إلا بحسب حاله في قوله:

«إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي» الحديث. فلهذا رجحت الطائفة ذكر لفظة اللّه وحدها أو ضميرها من غير تقيد، فما قصدوا لفظة دون استحضار ما يستحقه المسمى وبهذا المعنى يكون ذكر الحق لعبده باسم عام بجميع الفضائل اللائقة به التي تكون في مقابلة ذكر العبد ربه بالاسم اللّه، فالذكر من العبد باستحضار والذكر من الحق بحضور لأنا مشهودون له معلومون وهو لنا معلوم لا مشهود فلذا كان لنا الاستحضار وله الحضور، فالعلماء يستحضرونه في القوة الذاكرة والعامة تستحضره في القوة المتخيلة ومن عباد اللّه العلماء باللّه من يستحضره في القوتين فيستحضره في القوة الذاكرة عقلا وشرعا وفي القوة المتخيلة شرعا وكشفا، وهذا أتم الذكر لأنه ذكره بكله ومن ذلك الباب يكون ذكر اللّه تعالى له، ثم إن اللّه ما وصف بالكثرة شيئا إلا الذكر وما أمر بالكثرة من شيء إلا من الذكر. فقال: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ [ الأحزاب: الآية 35 ] ، وقال: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً [ الأحزاب: الآية 41 ] ، وما أتى الذكر قط إلا بالاسم اللّه خاصة معرّى من التقيد فقال: اذْكُرُوا اللَّهَ [ الأحزاب: الآية 41 ] ،

وما قال بكذا وقال: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [ العنكبوت: الآية 45 ] ،

ولم يقل بكذا، وقال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ [ البقرة: الآية 203 ] ،

ولم يقل بكذا، وقال: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها [ الحجّ: الآية 36 ] ،

ولم يقل بكذا، وقال: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [ الأنعام: الآية 118 ] ،

ولم يقل بكذا، وقال عليه الصلاة والسلام:

«لا تقوم الساعة حتى لا يبقى على وجه الأرض من يقول اللّه اللّه» «1» فما قيده بأمر زائد على هذا اللفظ لأنه ذكر الخاصة من عباده الذين يحفظ اللّه تعالى بهم عالم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) رواه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في أشراط الساعة ؛ باب منه، حديث رقم 2207. ورواه الحاكم في المستدرك، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم 8513 ( 4 / 540 ). ورواه غيرهما.

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!