موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

استعراض الفقرات الفصل الأول في المعارف الفصل الثانى في المعاملات الفصل الرابع في المنازل
مقدمات الكتاب الفصل الخامس في المنازلات الفصل الثالث في الأحوال الفصل السادس في المقامات
الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع
يرجى زيارة هذا الموقع المخصص لكتاب الفتوحات المكية

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة مقام المراقبة
  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
 

الصفحة 210 - من الجزء الثاني (عرض الصورة)


futmak.com - الفتوحات المكية - الصفحة  - من الجزء

أفعالهم حتى يأتوا منها ما أمرهم الله والدنيا شفيقة عليهم حدبة كثيرة الحنو خائفة أن تأخذهم الضرة الآخرة منها فإن الدار في هذا الوقت للدنيا والحكم لها ولا ينبغي أن تعزل عنها كما إن الدار الآخرة لا تتعرض لها الدار الدنيا إذا انتقل الناس إليها فالدنيا أنصف من الآخرة في الحكم فإنها في دار سلطانها وإذا جاءت الآخرة وكان يومها لا تعترض الدنيا ولا تزاحم الآخرة فما أنصف أحد من الناس‏

[ما أنصف الدنيا أحد ذمت باساءة المسي‏ء فيها ولم تحمد بإحسان المحسن فيها]

قال قتادة ما أنصف الدنيا أحد ذمت بإساءة المسي‏ء فيها ولم تحمد بإحسان المحسن فيها فلو كانت بذاتها تعطي القبح والسوء ما تمكن أن يكون فيها نبي مرسل ولا عبد صالح كيف والله قد وصفها بالطاعة فقال إن علوها وسفلها قالا أَتَيْنا طائِعِينَ وقال أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ والصالح لا يرث إلا المال الصالح الذي يجوز له التصرف فيه فإنه عبد صالح ولم يقل إن جميع العباد يرثها فدل إن تركتها كان كسبا صالحا فورثه عباد الله الصالحون‏

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إذا قال أحدكم لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه‏

فهذا ابن عاق لها كيف لعنها وصرح باسمها والدنيا من حنوها على أبنائها لم تقدر أن تلعن ولدها فقالت لعن الله أعصانا لربه وما قدرت إن تسميه باسمه فهذا حنو الأم وشفقتها على ولدها

[الدنيا نعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر]

فيا عجبا فينا لم نقف عند ما أمرنا الله به من طاعته ولا وفقنا ولا وفينا ما رأيناه من أخلاق هذه الأم وحنوها علينا ومحبتها وقال النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم نعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر

فوصفها بأن حذرها على أبنائها تذكرهم بالشرور وتهرب بهم منها وتزين لهم الخير وتشوقهم إليه فهي تسافر بهم وتحملهم من موطن الشر إلى موطن الخير وذلك لشدة مراقبتها إلى ما أنزل الله فيها من الأوامر الإلهية المسماة شرائع فتحب إن يقوم بها أبناؤها ليسعدوا فهذا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد وصفها بأحسن الصفات وجعلها محلا للخيرات فينبغي لأهل المراقبة أن يكون بدؤهم في الدخول لاكتساب هذه الصفة أن يرقبوا أحوال أمهم لأن الطفل لا يفتح عينيه إلا على أمه فلا يبصر غيرها فيحبها طبعا ويميل إليها أكثر مما يميل إلى أبيه لأنه لا يعقل سوى من يربيه وبأفعالها ينبغي يقتدى‏

[لما ذا تغار الدنيا من الآخرة]

فإن قلت فلما ذا تغار من الآخرة قلنا لما كان الحكم لها وهي من الطاعة بهذه المثابة وليس للآخرة هنا سلطان والذي في الآخرة هو في الدنيا من اللذات والآلام فالداران متساويتان فيصعب عليها أن يكون أبناؤها ينسبون إلى الآخرة وما ولدتهم ولا تعبت في تربيتهم وبعد هذا كله فإن الناس نسبوا ما كانوا عليه من أحوال الشرور التي عينها الشارع إلى الدنيا وهي أحوالهم ما هي أحوال الدنيا لأن الشر هو فعل المكلف ما هو الدنيا ونسبوا ما كانوا عليه من أحوال الخير ومرضاة الله التي عينها الشارع للآخرة وهي أحوالهم ما هي أحوال الآخرة لأن الخير هو فعل المكلف ما هو الآخرة فللدنيا أجر المصيبة التي أصيبت في أولادها ومن أولادها فمن عرف الدنيا بهذه المثابة فقد عرفها ومن لم يعرفها بهذه المثابة وجهلها مع كونه فيها مشاهدا لأحوالها شرعا وعقلا فهو بالآخرة أجهل حيث ما ذاق لها طعما

[الغلط الذي يطرأ لأهل الطريق في كشفهم‏]

وهنا يطرأ غلط لأهل طريق الله في كشفهم إذ لو تيقنوا في هذه الدار وطولعوا بأحوال الآخرة فليست تلك الآخرة على الحقيقة وإنما هي الدنيا أظهرها الله لهم في عالم البرزخ بعين الكشف أو النوم في صورة ما جهلوه منها في اليقظة فإنهم غير عارفين منها ما ذكرناه فيقولون رأينا الجنة والنار والقيامة ويذكرون الرؤيا التي رأوها وأين الدار من الدار وأين الاتساع من الاتساع فذلك الذي رأوه حال الدنيا التي خلقها الله عليها من الخير والطاعة والعدل في الحكومة والنصيحة والوعظ والتذكرة

[قيامة الدنيا وجنتها ونارها]

فإنه معلوم أن القيامة ما هي الآن موجودة فإذا رؤيت في الحياة الدنيا فما هي إلا قيامة الدنيا وجنة الدنيا ونار الدنيا وأن الجنة والنار جاءتا خادمتين للدنيا

إذ قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بل رؤي في صلاة الكسوف يتقدم في قبلته ثم تأخر تأخرا كثيرا ومد يده حين تقدم فسئل عن ذلك أني رأيت النار حين رأيتمونى تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها ورأيت الجنة حين تقدمت وحين مددت يدي لأقطف منها قطفا ولو خرجت به إليكم لأكلتم منه ما بقيت وذكر أنه رأى في النار صاحبة الهرة وعمرو بن لحي الذي سيب السوائب‏

وذلك كله في حال الصلاة في يقظته وما قال رأيت الآخرة ولا جنة الآخرة ولا نارها بل قال في عرض هذا الحائط والحائط من الدار الدنيا ولذا

قال عليه السلام مثلت لي الجنة في عرض الحائط

ولم يقل هي وقال رأيت الجنة ولم يصفها وذكر التمثيل وتمثل الشي‏ء ما هو عين الشي‏ء بل هو شبهه وقال مثلت لي كما قال في جبريل عليه السلام فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا أ ترى كان‏


مخطوطة قونية
4151
4152
4153
4154
4155
4156
  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
  الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين.

 

البحث في كتاب الفتوحات المكية

الصفحة 210 - من الجزء الثاني (اقتباسات من هذه الصفحة)

[الباب: 560] - فى وصية حكمية ينتفع بها المريد السالك والواصل ومن وقف عليها إن شاء الله تعالى (مقاطع فيديو مسجلة لقراءة هذا الباب)



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!