موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

استعراض الفقرات الفصل الأول في المعارف الفصل الثانى في المعاملات الفصل الرابع في المنازل
مقدمات الكتاب الفصل الخامس في المنازلات الفصل الثالث في الأحوال الفصل السادس في المقامات
الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع
يرجى زيارة هذا الموقع المخصص لكتاب الفتوحات المكية

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى المكر
  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
 

الصفحة 530 - من الجزء الثاني (عرض الصورة)


futmak.com - الفتوحات المكية - الصفحة  - من الجزء

واقعة وأنا ببغداد سنة ثمان وستمائة قد فتحت أبواب السماء ونزلت خزائن المكر الإلهي مثل المطر العام وسمعت ملكا يقول ما ذا نزل الليلة من المكر فاستيقظت مرعوبا ونظرت في السلامة من ذلك فلم أجدها إلا في العلم بالميزان المشروع فمن أراد الله به خيرا وعصمه من غوائل المكر فلا يضع ميزان الشرع من يده وشهود حاله وهذه حالة المعصوم والمحفوظ فأما إرداف النعم مع المخالفة فهو موجود اليوم كثير في المنتمين إلى طريق الله وعاينت من الممكور بهم خلقا كثيرا لا يحصى عددهم إلا الله وهو أمر عام وأما إبقاء الحال مع سوء الأدب فهو في أصحاب الهمم وهم قليلون على أنا رأينا منهم جماعة بالمغرب وبهذه البلاد وهو أنهم يسيئون الأدب مع الحق بالخروج عن مراسمه مع بقاء الحال المؤثرة في العالم عليهم مكرا من الله فيتخيلون أنهم لو لم يكونوا على حق في ذلك لتغير عليهم الحال نعوذ بالله من مكره الخفي قال تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ وقال ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ وقال إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وأَكِيدُ كَيْداً وهو من كاد من أفعال المقاربة أي كاد إن يكون حقا لظهوره بصفة حق فهو كالسحر المشتق من السحر الذي له وجه إلى الليل ووجه إلى النهار فيظهر للممكور به وجه النهار منه فيتخيل أنه الحق نعوذ بالله من الجهل واعلم أن المكر الإلهي إنما أخفاه الله عن الممكور به خاصة لا عن غير الممكور به ولهذا قال من حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ فأعاد الضمير على المضمر في سَنَسْتَدْرِجُهُمْ وقال ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ فمضمرهم هو المضمر في مكروا فكان مكر الله بهؤلاء عين مكرهم الذي اتصفوا به وهُمْ لا يَشْعُرُونَ ثم قد يمكر بهم بأمر زائد على مكرهم فإنه أرسله سبحانه نكرة فقال ومَكَرْنا مَكْراً فدخل فيه عين مكرهم ومكر آخر زائد على مكرهم وقد يكون المكر الإلهي في حق بعض الناس من الممكور بهم يعطي الشقاء وهو في العامة وقد يكون يعطي نقصان الحظ وهو المكر بالخاصة وخاصة الخاصة لسر إلهي وهو أن لا يأمن أحد مكر الله لما ورد في ذلك من الذم الإلهي في قوله فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ومن خسر فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ فأخفى المكر الإلهي وأشده سترا في المتأولين ولا سيما إن كانوا من أهل الاجتهاد وممن يعتقد أن كل مجتهد مصيب وكل من لا يدعوا إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ وعلم قطعي فما هو صاحب أتباع لأن المجتهد مشرع ما هو متبع إلا على مذهبنا فإن المجتهد إنما يجتهد في طلب الدليل على الحكم لا في استنباط الحكم من الخبر بتأويل يمكن أن يكون المقصود خلافه فإذا أمكن فليس صاحبه ممن هو على بصيرة وإن صادف الحق بالتأويل فكان صاحب أجرين بحكم الاتفاق لا بحكم القصد فإنه ليس على بصيرة وإن لم يصادف الحق كان له أجر طلب الحق فنقص حظه فهذا مكر إلهي خفي بهذا العالم المتأول فإنه من المتأهلين أن يدعو إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ بتعليم الله إياه إذا كان من المتقين فمكر العموم الإلهي في إرداف النعم على أثر المخالفات وزوالها عند الموافقات فلا يؤخذ بها فإن كان من علماء عامة الطريق فيرى إن ذلك من حكم قوة الصورة التي خلق عليها فيدعي القهر والتأثير في الحكم الإلهي بالوعيد ويرى أن عموم الحكمة أن يعطي الأسماء الإلهية حقها فيرى أن الاسم الغفار والغفور وأخواته ليس له حكم إلا في المخالفة فإن لم تقم به مخالفات لم يعط بعض الأسماء الإلهية حقها في هذه الدار ويحتج لنفسه بقول الله يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رَحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وكذلك يفعل وهذا النظر كله لا يخطر له عند المخالفة وإنما يخطر له ذلك بعد وقوع المخالفة فلو تقدمها هذا الخاطر لمنع من المخالفة فإنه شهود والشهود يمنعه من انتهاك الحرمة الشرعية ولهذا

ورد الخبر إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا

فمنهم من يعتبر ومنهم من لا يعتبر كما قال وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فمنهم من عبده ومنهم من أشرك به فما يلزم نفوذ حكم العلة في كل معلول فلو أبقى عليهم عقلهم ما وقع منهم ما وقع كذلك لو كان المشهود له عند إرادة وقوع المخالفة للأسماء الإلهية لمنعه الحياء من المسمى أن ينتهك حرمة خطابه في دار تكليفه فالمخالف يقاوم القهر الإلهي ومن قاوم القهر الإلهي هلك فإذا أردف النعم على من هذه حالته تخيل أن ذلك بقوة نفسه ونفوذ همته وعناية الله به حيث رزقه من القوة ما أثر بها في الشديد العقاب وغاب عن الحليم وعن الإمهال‏


مخطوطة قونية
5456
5457
5458
5459
5460
  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
  الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين.

 

البحث في كتاب الفتوحات المكية

الصفحة 530 - من الجزء الثاني (اقتباسات من هذه الصفحة)

[الباب: 560] - فى وصية حكمية ينتفع بها المريد السالك والواصل ومن وقف عليها إن شاء الله تعالى (مقاطع فيديو مسجلة لقراءة هذا الباب)



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!