موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح علي التركة
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ صائن الدين التركة

فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية

  السابق

المحتويات

التالي  

فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية


20 - فصّ حكمة جلالية في كلمة يحيوية .كتاب شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة على متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
وجه تسمية الفصّ
ووجه اختصاص هذه الكلمة بحكمتها هو أنّ من شأن الجلال القهر لما يقال له الغير والسوي ، ونفي ما يشعر بالثنويّة مطلقا ، واثبات الوحدة الإطلاقيّة قطعا على ما هو مقتضى التعيّنات الجلائيّة ، ولذلك يستلزم الأوليّة والخفاء وإذ كان في يحيى أيضا هذه الوحدة حتى لا تغاير بين اسمه وصفته وصورته ومعناه وبه صار مظهرا للأوليّة بأن لم يكن سميّا قبله اختص بحكمته .
وأيضا فإنّ في تلويحه الكلامي ما يدلّ على أنّه تمام الصور الإظهاريّة الإشعاريّة التي بها بعث الخاتم الآخر ، فذلك أيضا من أدلَّة أوليّته وجلاله .
وإلى ذلك الاختصاص أشار بقوله :
وجه تسمية يحيى عليه السّلام
قال رضي الله عنه : ( هذه الحكمة ) الجلاليّة هي ( الأولية في الأسماء فإنّ الله سمّاه يحيى ) مطابقا لما عليه في المعنى ، متّحدا به وإليه أشار بقوله : (أي يحيى به ذكر زكريّا ، ولم يجعل له من قبل سميّا ) ، فبين اسمه العلم ووصفه وفعله اتّحاد في لفظ « يحيى » فإنّه فعله أولا - إذ هو صيغة الفعل - وهو وصفه واسمه والشيخ أدرج الفعل في الصفة
ولذلك قال رضي الله عنه : ( فجمع بين حصول الصفة - التي فيمن غبر ممن ترك ولدا يحيى به ذكره - وبين اسمه ، بذلك ) اللفظ الدالّ على حصول الإحياء بذكره ، ( فسمّاه يحيى ) ، ففي لفظ « الحصول » تنبيه إلى مرتبة الفعل أيضا .
فرق العلوم الاستدلاليّة والذوقيّة
ثمّ إن العلوم أيضا لها ثلاث مراتب :
1 - ذات وهو المعلوم الحاصل في العالم ،
2 - ووصف يثبته وهو الدليل ، فإنّ الأوصاف هي الدليل المثبت للأعيان .
3 - وفعل : وهو ما يترتب عليه من الالتذاذ به ، وهو لم يفارق حصول الصفة التي هو الدليل ، فلذلك عبّره به .
ثمّ العلوم الاستدلاليّة تفارق أوصافها الذوات منه فإنّ الدليل منها علوم أخر غير المدلول مادّة وصورة .
وأمّا العلوم الذوقيّة فمنطوية على دليله ، وهو متّحد بالمعلوم منها ، مندرج فيه .
ولذلك ترى العالم يلتذّ به أكثر مما يلتذّ البرهانيّات ، ومن ثمّة تختصّ باسم « الذوقيات »( فكان اسمه يحيى ) من حيث اشتماله على وصفه ومعناه ( كالعلم الذوقي ) المندرج فيه وصفه ومعناه ، يعني دليله .
إحياء ذكر زكريّا بيحيي عليه السّلام
وإنما قال رضي الله عنه :« يحيى به ذكر زكريّا »( فإنّ آدم حيّي ذكره بشيث ، ونوحا حيّي ذكره بسام - وكذلك الأنبياء - ولكن ما جمع الله لأحد قبل يحيى بين الاسم العلم منه )
أي من يحيى ويحتمل أن يرجع إلى « الله » أي الحاصل منه ، والأوّل أظهر ( وبين الصفة إلا لزكريّا ، عناية منه ) حيث جعل اسمه وعلمه ما يظهر به أوصافه ومعناه .
ثمّ إن هذه العناية وإن كان في حقّ يحيى بحسب الظاهر ، ولكن لما كان مسؤول زكريّا ، وقد أجيب وأعطي له من خزانة الوهب مراده على أتمّ وجه وأكمل ظهور - كان في حق زكريّا أيضا نعمة وعناية .
قال رضي الله عنه : ( إذ قال : “ فَهَبْ لِي من لَدُنْكَ وَلِيًّا “ [ 19 / 5 ] فقدّم الحقّ على ذكر ولده - كما قدّمت آسية ذكر الجار على الدار في قولها : “ عِنْدَكَ بَيْتاً في الْجَنَّةِ “[ 66 / 11 ] فأكرمه الله بأن قضى حاجته وسمّاه بصفته ، حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيّه زكريّا عليه السّلام ) .
"" أضاف الجامع : قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الثاني وثلاثمائة:
وكمال مريم شهد لها بذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم
ولآسية امرأة فرعون فأما كمال آسية فلشرف المقام الذي ادعاه فرعون فلم يكن ينبغي لذلك المقام أن يكون العرش الذي يستوي عليه إلا موصوفا بالكمال
فحصل لآسية الكمال بشرف المقام الذي شقي به فرعون ولحق بالخسران المبين وفازت امرأته بالسعادة ولشرف المقام الذي حصل لها به الكمال قالَتْ:" رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً في الْجَنَّةِ "
فما أنطقها إلا قوة المقامب "عندك" ،
ولم تطلب مجاورة موسى ولا أحد من المخلوقين ولم يكن ينبغي لها ذلك فإن الحال يغلب عليه فإن الكامل لا يكون تحت الكامل ، فإن التحتية نزول درجة ولما كان كمال مريم بعيسى في نسبته إليها لم تقل ما قالت آسية ،
آسية تقول:" نَجِّنِي من فِرْعَوْنَ وعَمَلِهِ ونَجِّنِي من الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" حتى لا تنتهك حرمة النسبة. ومريم تقول "يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا " وهي بريئة في نفس الأمر عند الله ،
فما قالت ذلك من أجل الله كما قالت آسية "عِنْدَكَ" فقدمته وطلبت جواره والعصمة من أيدي عداته ولكن قالت ذلك مريم حياء من الناس ،
لما علمته من طهارة بيتها وآبائها فخافت من إلحاق العار بهم من أجلها ،
ولما ذكرنا أن العالم كان مستورا في غيب الله وكان ذلك الغيب بمنزلة الظل للشخص
فلو سلخ من الظل جميعه أمر ما لخرج على صورة الظل والظل على صورة ما هو ظل له،
فالخارج من الظل المسلوخ منه على صورة الشخص،
ألا ترى النهار لما سلخ من الليل ظهر نورا فظهرت الأشياء التي كانت مستورة بالليل ظهرت بنور النهار ،
فلم يشبه النهار الليل وأشبه النور في ظهور الأشياء به ، فالليل كان ظل النور والنهار خرج لما سلخ من الليل على صورة النور ،
كذلك العالم في خروجه من الغيب خرج على صورة العالم بالغيب كما قررناه ،
فقد تبين لك من العلم بالله من هذا المقام ما فيه كفاية إن عرفت قدره "فَلا تَكُونَنَّ من الْجاهِلِينَ " .أه ""
ولما كان إظهار الأوصاف الكمالية في الاسم من الصورة التي هي مقتضى أمر النبوّة وحكمها ، أفصح عن ذلك بقوله : « نبيّه زكريّا » تنبيها لذلك .
ثمّ إنّه إنما اختصّ بين الأنبياء بهذه الكرامة ( لأنّه عليه السّلام آثر بقاء ذكر الله في عقبه ) عند استدعائه الولد الذي هو باطن والده ، ( إذ الولد سرّ أبيه ) الظاهر بما في باطنه من الأوصاف الوارث له وهي هاهنا أحكام النبوّة ولذلك ما خصّص زكريّا نفسه بالوارثيّة المذكورة ،
قال رضي الله عنه : ( فقال : “ يَرِثُنِي وَيَرِثُ من آلِ يَعْقُوبَ “) [ 19 / 6 ] إفصاحا عن ذلك المقصود ، فإنه إذا كان الوارثون هم الأنبياء ( وليس ثمّ موروث في حق هؤلاء إلا مقام ذكر الله ) ، وهو مقام ولايته ( والدعوة إليه ) ، وهو طرف نبوّته .
قال رضي الله عنه : ( ثمّ ) من جملة ما أكرم الله على يحيى ( أنّه بشّره بما قدّمه ) على الأقران أو بالحياة التي قدّم ذكرها وما يكملها ، أو بشّره بسبب ما قدّم اسم الله على اسمه - وهذا أقرب الوجوه إلى التوجيه ، لكن لا يطابق بيان ( من سلامه عليه يوم ولد ) أي عند ظهوره من مستجنّ بطون امّهات القوابل واستعداداتها .
أيّام الأنبياء
وذلك لأنّ الأنبياء لهم في استحصال كمال النبوّة ثلاث مراتب ، كلّ مرتبة منها يوم من أيّام ذلك النبيّ باعتبار اشتمال ظهور تلك المرتبة على امتداد يكون مبدأ إعلان جملة من تفاصيل الأعيان وأحكامها ، من مبدأ طلوع حكم تلك المرتبة إلى منتهى غروبه وهذا يشمل اليوم الزمانيّ أيض .
فأولاها عند استخراج ما في قوّة قبول ذلك النبيّ وبطون استعداده على صحائف الأكوان ومجالي الفعل والعيان ومن الحكم والحقائق والمصالح على ما عليه الأمر في نفسه ، وكنّى عنها بيوم الولادة . ووجه المناسبة بها ظاهر .
وثانيها عند ظهور تمام ذلك الكمال واجتلائه عليه بأحديّة جمعيّته عند سكون أمره وانقطاع تلك الحركة الوجوديّة الشوقيّة فيه وبهذه المناسبة عبّر عنه بيوم الموت ، وإليه أشار بقوله : ( “ وَيَوْمَ يَمُوتُ “ ) وأيض "الموت " يلوح على « التامّ » بمادته.
وثالثه عند بعثها بأحكام النبوّة وإظهار الصور الشرعيّة والسنن العمليّة التي عليها يحشر الأمم يوم القيامة . ولهذا عبّر عنه بيوم البعث ، وإليه أشار بقوله : ( “ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا “ ).
وإذ كان إحياء اسم زكريّا منه مخصوصا بهذه المرتبة ، نبّه إليه (فجاء بصفة الحياة ، وهي اسمه ) الدالّ على وصفه - أعني إحياء ذكر زكريّ .
الوجوه المتعددة في تفسير آية واحدة من القرآن الكريم
ثمّ هاهنا نكتة حكميّة ينبغي أن يقف عليها المتدبّر في الكلام المنزل النبوي ووجوه معانيه وتأويلاته كلّ الوقوف ، وهو أنّ كل معنى لا يمانع الظاهر ولا ينفي ما يستفاد منه بحسب أصل معنى العربيّة مما يفهم منه العامة ويستكشفونه عن كتب التفاسير ، بل يعمّه ويشمل غيره من وجوه بطون الكتاب ، المنطوية على الحقائق ،
على ما أشير إليه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنّ للقرآن ظهرا وبطنا وحدّا ومطَّلعا " قاله الغزالى في الإحياء و اخرجه ابن حبان .
فذلك هو المعتبر المعوّل عليه عند المحقّقين ، كما في الأيّام الثلاثة ، على ما اطَّلعت عليه .
وذلك لأن سائر المعاني مراد الله تعالى ، فإنّ المعنى أمر واحد يتنزّل ويترقّى بحسب مدارك الأمم ومدارج أذواقهم وأذهانهم عند التوجّه إلى الكلام ، وإذ كان القرآن جوامع الكلم كلَّها ، لا بدّ وأن يكون مطابقا لسائر المذاهب والآراء وجملة الأذواق والأذهان ، وعند التحقيق لا تنافي بين شيء من ذلك ، فلا تغفل عن النكتة .
مقايسة بين عيسى ويحيى عليهما السّلام
وحاصل هذه البشارة أنّه جاء بصفة الحياة على وجه يتضمّن إجابة دعاء زكريّا ، وذلك في علمه الذي بمثابة العلم في الاظهار .
قال رضي الله عنه : ( وأعلم بسلامه عليه ) في الأيام الثلاثة ، ( وكلامه صدق فهو مقطوع به وإن كان قول الروح : “ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا “ [ 19 / 33 ] أكمل في الاتّحاد ) ، لأنّه اتّحاد في مادّة التكلَّم التي لا يشوبه غيبة ولا تعدّد ، فهو التنزيه في غاية التشبيه ولكن هذا لسان الولاية لا النبوّة حيث أنّه مصرّح بالاتّحاد الإطلاقي .
وإليه أشار حيث أسند القول إلى الروح ، لا إلى عيسى .
وأيضا فإنّ الروح هو المكنّى عنه بكناية التكلَّم مطلقا ، فلهذا الكلام أكمليّة في طور الولاية والبطون ، ( فهذا أكمل في الاتّحاد ) الذي يتكلَّم به لسان النبوّة ( والاعتقاد ) .
أما في الاتّحاد : فلأنّه وإن اشتملت عبارته على ضمير الغائب ، ولكنّه كناية عن يحيى ، وهو مشهود حاضر ، فله الدلالة على الاتّحاد الكمالي ، مع قيامه بشرائط مقامه الذي يتكلَّم فيه ، فإنّه لسان النبوّة وينبغي أن يتكلَّم به بما لا يأبى مدارك أهل الحجاب عنه .
وأما في الاعتقاد : فلأنّه أدفع للاحتمالات الواهية المرخية لعقود الاعتقادات ( وأرفع للتأويلات ) المشوّشة للمتردّدين من أهل الحجاب ، الذين معهم كلام الأنبياء ظاهر ( فإنّ الذي انخرقت فيه العادة في حقّ عيسى إنما هو النطق ) فقط ، وذلك إنما يستلزم تمكَّن عقله وتكمّل آلات النطق الإنسانية وتماميته ،
قال رضي الله عنه : ( فقد تمكَّن عقله وتكمّل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه ، ولا يلزم للمتمكَّن من النطق - على أيّ حالة كان - الصدق فيما به ينطق ) لزوما عقليّا برهانيّا خاليا عن قرائن الأحوال وخصائص المواد ( بخلاف المشهود له ) وقد نبّهت آنفا على وجه هذه العبارة ، من أنّ الضمير وإن كان ضمير غائب ، فإنّ مؤدّاه مشهود حاضر ( كيحيى ) .
قال رضي الله عنه : ( فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للالتباس ) الذي لأهل الحجاب ، فسلام الحق ( الواقع في العناية الإلهية به ) - فيما فيه من أطوار النبوّة وإحكام أحكامه ( من سلام عيسى على نفسه ، وإن كانت قرائن الأحوال ) الخارجة عن دلالة الألفاظ ( تدلّ على قربه من الله في ذلك وصدقه إذ نطق في معرض الدلالة على براءة امّه في المهد ، فهو أحد الشاهدين )
في الوجود الكلامي الذي هو طرف العلم والشهود ، وهو تولَّد الكلام من امّ الفم التي هي مادّة نتيجة التكلم بدون أب العقل وبلوغ إدراكه .
قال رضي الله عنه : ( والشاهد الآخر ) في الوجود الخارجي الذي هو طرف العين والوجود (هزّ الجذع اليابس ، فسقط رطبا جنياًّ من غير فحل ولا تذكير ، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد ) ، فإنّك قد عرفت أنّ في تلك القضية ما هو أصل الجماع وحقيقته .
"" أضاف الجامع : قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب الثمانون وأربعمائة :
وقد بينا عالم الأمر والخلق ما هو وهو الوجه الخاص الذي في عالم الخلق وما عثر عليه أحد من أهل النظر في العلم الإلهي إلا أهل الله ذوق
ولما كان للصبي حدثان هذا القرب وهو قرب التكوين والسماع ولم يحل بينه وبين إدراك قربه من الله حائل لبعده عن عالم الأركان في خلقه
فلم يكن عن أب عنصري ولكن كان روح الله وكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ فلم يكن ثم ما يغيبه عمن صدر عنه
فقال مخبرا عن ما شاهده من الحال فحكم في مهده على مرأى من قومه الذين افتروا في حقه على أمه مريم فبرأها الله بنطقه وبحنين جذع النخلة إليه إذ أكثر الشرع في الحكومة بشاهدين عدلين ولا أعدل من هذين
فقال إِنِّي عَبْدُ الله فحكم على نفسه بالعبودية لله وما قال ابن فلان لأنه لم يكن
ثم وإنما كان حق تجلى في صورة روح جبريل لما في القضية من الجبر الذي حكم في الطبيعة بهذا التكوين الخاص الغير معتاد
آتانِيَ الْكِتابَفحصل له إنجيله قبل بعثه فكان على بينة من ربه
فحكم بأنه مالك كتابه الإلهي وجَعَلَنِي نَبِيًّ
فحكم بأن النبوة بالجعل لأن الله يقول في أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ
فهو في الصورة بالجعل لئلا يتخيل أن ذلك بالذات بل هو اختصاص إلهي وجَعَلَنِي مُبارَكاً أي خصني بزيادة لم تحصل لغيري
وتلك الزيادة ختمه للولاية ونزوله في آخر الزمان وحكمه بشرع محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم
حتى يكون يوم القيامة ممن يرى ربه الرؤية المحمدية في الصورة المحمدية
أينما كنت من دنيا وآخرة فإنه ذو حشرين يحشر في صف الرسل ويحشر معنا في أتباع محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أهـ. ""
المستفاد من تكلم عيسى عليه السّلام في المهد
وإذ كان لكلامه هذا دقّة تأبى نفوس أكثر الناس عنه ، مثّله بمثال يكشف وجه دقّته ، وهو قوله :
قال رضي الله عنه : ( لو قال نبيّ : « آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط » فنطق الحائط وقال في نطقه : « تكذب ، ما أنت رسول الله » لصحّت الآية وثبت بها أنّه رسول الله ، ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط ) فإن الآية هو نفس التكلم ، لا الكلام بمؤدّاه .
وكذلك أمر نطق عيسى ، ( فلما دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة امّه إليه - وهو في المهد - فموضع الدلالة أنّه عبد الله من أجل ما قيل فيه ) من قبل المنكرين : ( أنّه ابن الله ، وفرغت الدلالة بمجرّد النطق ) فإنّه كاف في براءة امّه كما سبق بيانه ، لا يحتاج إلى أمر زائد.
قال رضي الله عنه : ( وإنّه عبد الله عند الطائفة الأخرى القائلة بالنبوّة ) لعيسى ( وبقي ما زاد ) على عبوديّته لله وبراءة امّه - وهو أنّه قد آتاه الله الكتاب وجعله نبيّا وجعله مباركا حيث كان - ( في حكم الاحتمال في النظر العقلي ،حتى ظهر في المستقبل ) .
بعد ظهور الخاتم وتصديقه إيّاه بكتابه المنزل عليه (صدقه في جميع ما أخبر به في المهد ) ولذلك ما ظهر أمر نبوّة عيسى إلا بعد رفعه واختفائه ،
فإنّه في زمان عيسى ما آمن به إلا شرذمة قليلة ، وما تمكَّن من إبلاغ ما بعث لأجله إلا بعد بعث الخاتم وإبلاغ كتابه الكامل على امّته ،
فحينئذ استعدّوا لتصديق الروح بتمام ما أخبر به في المهد فلذلك تنزل الروح بعد الخاتم ويتمّ أمره الذي خلق له وبعث به ومن ثمّة قال : (فتحقّق ما أشرنا إليه ).
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
.
....

Y7aNc9FJrT0

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!