موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح مؤيد الدين الجندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مؤيد الدين الجندي

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


البحث السابع من مباحث خطبة الكتاب "أحديّة الطريق الأمم" .الشارح مؤيد الدين الجندي قبل البدء بشرح خطبة كتاب فصوص الحكم

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

قال الشيخ - رضي الله عنه - : " بأحديّة الطريق الأمم " .
قال العبد أيّده الله : الطرق إلى الله كما قيل بعدد أنفاس الخلائق ، كثرة الطرائق إنّما هي بحسب الطارقين والمتطرّقين من السالكين والسائرين والطائرين والصائرين من الحقائق فإنّه ما من حقيقة كيانية أو ربّانية إلَّا وهي سالكة على طريق خاصّة ونهج خصيص بها من عموم.
قوله - تعالى - : " لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً " آية 45 سورة المائدة.
وهي التي منها جاء ، وهي مؤدّية لها إلى كمالها الخصوصي ، والطرق وإن كانت كما ذكرنا فإنّها ترجع إلى طريقين كلَّيّين مشتملين على طرق لا تتناهى بعدد الأنفاس غير المتناهية إلى الأبد :
يسمّى أحدهم في عرف التحقيق طريق سلسلة الترتيب ، والوسائط التي في مراتب الوجود من العقل إلى القلم إلى اللوح إلى الطبيعة إلى الهباء إلى الجسم إلى العرش والكرسيّ والفلك والسماوات والأرضين والأركان والمولَّدات إلى مرتبة الإنسان الذي هو آخر الأنواع .
والثاني يسمّى طريق الوجه الخاصّ في عرف القوم ، ويسمّى أيضا طريق السرّ ، ولا مدخل فيه بواسطة أصلا فإنّ الوجه الذي يرتبط كل موجود بالحق تعالى منه ارتباطا ذاتيا لا بتوسّط واسطة ، فإنّ حقيقة المربوب مرتبطة بحقيقة الربّ ارتباطا لا يقبل الانفكاك .
والارتباط أيضا على وجهين :
ارتباط من حيث الوجود العامّ ، وذلك في طريق سلسلة الترتيب ، وارتباط من حيث العين الثابتة التي لكل موجود ، والتجلَّيات الحاصلة للعبد من هذا الوجه ذاتية إلهية تقرب الأين ، ويقربها العين ، وترفع من البين البين ، وتجلو عن عين العبد الغين والرين .
ومن هذا الطريق تكون الجذبة لأهلها وهو الطريق الأقرب الأمم .
والطريق الأوّل هو الطريق العامّ ، الذي تكون فيه الحجب والعقبات ، والوسائط التي أشار إليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله : " إنّ لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدرك بصره " .
فالحجب الظلمانية مراتب عوالم الأجسام ووسائطها .
والحجب النورية مراتب عالم الأرواح النورية .
وهذه مراتب الخلقية الكيانية التي ذكرنا أصولها من كونها وسائط وأسبابا خلقية بين الحق وبين السالكين إليه بقطع المقامات وطيّ المنازل والمسافات المعنوية المعقولة والمحسوسة الصورية .
والعوالم الروحانية من الجواهر المجرّدة العقلية والأرواح والنفوس التي بين العبد والحق ، فهي مراتب الحجب .
ما لم يتجاوزها السالك إلى الحق ، لم يصل إلى الحق فإنّه كما قال تعالى : " وَالله من وَرائِهِمْ مُحِيطٌ "آية 20 سورة البروج. وهذا هو الطريق الأبعد .
والقاصدون من هذا الطريق وإن كثروا ، فالواصل منهم قليل جدّا ، وبالنادر يكون الوصول .
وبعد حصول الوصول المتوهّم يحتاج إلى الرجوع في طلب الحق الذي رحل عنه في المنزل الأوّل وجهله ولم يعرف ، كما قال بعض التراجمة :
ربّ امرئ نحو الحقيقة ناظر ..... برزت له فيرى ويجهل ما يرى
لأنّ الحق المحيط بكلّ شيء " وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ " آية 4 سورة الحديد .
وأمّا طريق السرّ من جهة الوجه الخاصّ فهو الذي يحصل منه التجلَّي لأهل الجذبات وهو الطريق الأقصد - أي الأقرب - للقصّد ، والأمم الموصل لمن أمّه من الأمم .
والسالك على هذين الطريقين :
إمّا حق أو خلق
والحق سلك على الطريق الأوّل إلى عبده الأكمل في الفضاء الأوسع الأشمل بالتجلَّي الوجودي والفيض الجودي ، وسلوك الحق عليه إنّما يكون بتجلَّيه النفسي الرحماني الأحدي الجمعي من حضرة العلم الذاتي بالتعين الأوّل إلى العين .
وأوّل منازله الكونية العقل الأوّل وهو القلم الأعلى والأرواح المهيّمة في فلك الإشارة المشار إليها آنفا .
ثم النفس الكلية وهو اللوح المحفوظ .
ثم الهباء وهو الهيولى .
ثم الصورة .
ثم الجسم الكلّ إلى آخر الأنواع كما ذكر .
ثم الإنسان الكامل ، وله أحدية جمع جميع الكمالات كلَّها .
والمرتبة الأولى أحدية جمع جمع الحقائق كلَّه ، والتجلَّي الإلهيّ الوجودي يسلك من التعين الأوّل إلى الإنسان الكامل بحصول كمال الجلاء والاستجلاء في غاية هذا الطريق .
والحكم العامّة الظاهرة تنزل فيها وتتعين في كلّ مرتبة مرتبة وتنصبغ بكيفية محلَّها وتتكيّف بحكمها إلى أن تصل إلى الإنسان الكامل.
والسالكون هنا إلى حضرة القدس واللاهوت إنّما يسلكون في معاريجهم على هذا الطريق ، وهو مترتّب بحسب حضرات الأسماء .
والضرب الثاني طريق الوجه الخاصّ الذي لا مدخل فيه لواسطة أصل ، كما ذكره .
وهو الوجه الذي به يكون الحق في سلوكه عين العبد وسمعه وبصره وجوارحه وقواه الروحانية .
ثم يكون العبد عين الحق وسمعه وبصره ولسانه ويده ورجله ، ثم يجمع له بين التحقيقين ، ثم يكون له مقام جمع الجمع والإطلاق .
والعبد السالك إلى الله على الطريق الأوّل"
إنّما يسلك على المقامات والمنازل بتسليك المرشد الكامل .
وهو وإن كان شاقّا وبعيدا وفيها من العقبات والحجب والمجاهدات ما لا يحصى ، ولكنّه إذا وصل ، واصل إلى الله عليها كان كاملا يقتدى به.
وفيه من المعارف والفوائد والمنافع ما لا يعدّ ولا يحدّ ، وقليل ما هم مع كثرة الخائضين فيه والسالكين عليه.
وذلك لأنّ السالك يحتاج إلى التحقّق بحقائق جميع الوسائط وتعدّيها إلى حضرة الله الذي هو "
" من وَرائِهِمْ مُحِيطٌ " آية 20 سورة البروج. وهو طريق المعراج .
كما قال تعالى : "سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِه ِ لَيْلًا " آية 1 سورة الإسراء.
أي في ليل الغيب الذي في سرّ كل عبد " من الْمَسْجِدِ الْحَرامِ " وهو قلب العبد الكامل الذي حرّمه الله على غيره ، فلا موضع للغير في قلب العبد الكامل لكون الحق ملأه.
" إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى " وهو الحضرة الألوهة الذاتية ، لا الألوهيّة السارية في الحقائق بسراية الصورة.
" لِنُرِيَه ُ من آياتِنا " وهي حقائق العوالم والوسائط وصورها ورقائق نسب الأسماء والروابط وآثارها.
" إِنَّه ُ هُوَ السَّمِيعُ " بعبده ما يوحي إليه من هذه الآيات و " الْبَصِيرُ " بكمال استعداد العبد الذي به يسمع خطابه في الطريق ويبصر آياته.
فهو سمع الحق وبصره ، في عين كون الحق سمعا وبصرا له في كل ذلك .
وإذا سلك العبد بالحق على الطريق ، أو سلك الحق بعبده جمعا وفرادى على طريق الجذبة من جهة رفع الوسائط والحجب كما أشار إليه صلَّى الله عليه وسلَّم : " زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها " عنى طويت لي أرض عالم الإمكان وحجابيات وسائط الأكوان ، فأريت مشارقها التي تطلع منها الأنوار الأسمائية ، ومغاربها التي تغرب فيها تجليات السبحات الوجهية ، فافهم .
تجلَّى الحقّ للعبد في هذا الوجه من عين العبد .
فإذا أشرقت سبحات وجهه عنه عليه ، أحرقت حجابية العين ، واستوى على عرش العرش .
وفي هذا السلوك يكون عين العبد طريقا للحق في سلوكه إليه ، وفي سلوك العبد إلى الحق يكون عين الطريق وعين السالك ورجله التي يمشي عليها ، فافهم .
ففيه مباحث الطريق وأقسامه ، والسالكين على اختلاف طبقاتهم ، وغير ذلك .
والله الموفّق .
.





OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب

البحث في كتاب فصوص الحكم وشروحاته

مطالعة هذه الشروحات والتعليقات على كتاب الفصوص


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!