موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

شرح مؤيد الدين الجندي
على فصوص الحكم

تأليف: الشيخ مؤيد الدين الجندي

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


البحث الثامن من خطبة الكتاب "من المقام الأقدم وإختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم " .الشارح مؤيد الدين الجندي قبل البدء بشرح خطبة كتاب فصوص الحكم

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

قال الشيخ رضي الله عنه : « من المقام الأقدم وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم »
قال العبد : إنزال الحكم على وجهين كما ذكر من مقامين أحدهما أقدم من الآخر ، لأقدم الزمان ، المعلوم لعلماء الرسوم ، بل تقدّم المرتبة والذات :
المقام الواحد : مقام حضرة الألوهية والربوبية ، ويكون إنزال الحكم من حيث هذا المقام تفصيليا متعدّدا بحسب تعدّدات الحضرات الإلهية .
فحكمة حضرة : اللطيف ، والجميل ، والمحسن ، والعطوف ، والرؤوف ، وأخواتهم تباين حكمة حضرات : القاهر ، والجليل ، والشديد العقاب ، والمعذّب ، والمنتقم ، المتكبّر .
والمقام الثاني : هي حضرة الأحدية الذاتية ، ويكون إنزال الحكم من حيث هذا المقام حكمة واحدة ينتفي عنها الكثرة الوجودية الأسمائية .
ولهذا قال رضي الله عنه :" بأحدية الطريق الأمم " ، يعني طريق الوجه الخاصّ .
وإنزالها من المقام المذكور أوّلا وهو الأخير رتبة من حضرات الأسماء على طريقة سلسلة الترتيب والوسائط إلى قلوب الأنبياء والأولياء الذين هم مظاهرها الخصيصة بها اختصاصا يقيّدهم بها .
وإنزالها من المقام الثاني في الذكر وهو المقام الأقدم في الرتبة ، مقام الحضرة الذاتية الإلهية المسمّاة بأحدية جمع جميع الحضرات الأسمائية والمتجلَّية بأحدية الجمع الثاني الإلهي منها وعليها بأحدية الطريق الأمم إلى قلوب الكلم من الحضرة المحمدية الجمعية الأحدية الكمالية الختمية خاصّة .
فالحضرات الأسمائية الإلهية من كونها ذاتية للذات اللاهوتية وإن كانت كلَّها قديمة ولكن اعتبار أحدية الذات أقدم بالرتبة وذلك لأنّ الأحدية والواحدية ذاتيّتان للواحد للذات
فأمّا أحديّتهما فمقام انقطاع الكثرة النسبية والوجودية واستهلاكها في أحدية الذات " قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ " فنفى العدد ونعت بهاء الهوية " الله الصَّمَدُ " ، لأنّه المبدأ ، وإليه يقصد ويصمد ، وعليه المعتمد .
وأمّا واحديّتها وإن انتفت عنه الكثرة الوجودية ، ولكنّ الكثرة النسبيّة متعلَّقة التحقّق فيها إذا الواحد من كونه مبدأ للعدد نصف الاثنين وثلث الثلاثة وربع الأربعة ، وجزء من أيّ عدد فرضت .
وهذه النسب ذاتيّة التحقيق للواحد ، ولكن ظهورها مشروط بتعدّد الواحد بذاته في تفاصيل مراتب العدد وجودا وعلما .
فافهم تفهم تقدّم مقام الأحدية على مقام الواحدية والحضرات الأسمائية ، إن شاء الله تعالى .
والحكم الإلهية الأحدية الجمعية وإن كانت منزلة على قلوب الكلم الكمالية بأحدية الطريق الأمم ، ولكنّ الشرائع والمذاهب والأديان والملل مختلفة جدّا .
كما قال الشيخ رضي الله عنه : " وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم " وذلك لأنّ المتديّنين والمتشرّعين من الأمم مختلفون في أمزجتهم وأحوالهم ومراتبهم وعرفهم وعاداتهم ومآخذ نظرهم ومعتقداتهم ، فتختلف الحكمة الواحدة والكلمة إلى حكم كثيرة في كلمة كثيرة كذلك .
والحكمة في حقيقتها الأحدية واحدة ، والكلمة واحدة ، والدين واحدة ، والأنبياء مع كثرتهم دعوتهم إلى ربّ واحد ، وهم على إلّ واحد .
قال الله تعالى - : " شَرَعَ لَكُمْ من الدِّينِ ما وَصَّى به نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا به إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه " آبة 13 سورة الشورى.
فصرّح أنّ دعوة الكلّ إلى إقامة الدين الواحد والأمر بأخذه والنهي عن التفرّق فيه ، وهو سرّ التوحيد ، ولكن ظهور هذا السرّ الواحد في الكثيرين إنّما يكون بحسب الكثيرين .
وذلك لأنّ أهل كل عصر يختصّون في الأحوال والأعمال والعلوم والأخلاق والعرف والعادات والاعتقادات بأمور لا يشاركهم فيها أهل عصر آخر.
وإن اشتراك أكثرهم بعضهم من البعض في أمور أخر ، ولكنّ الخصوصيات تقتضي تعيّن الدين الواحد الإلهي والحكمة الإلهية المنزلة إلى قلب كامل ذلك العصر بحسب ما تقتضي استعدادات أمّته وأحوالهم وعاداتهم وعلومهم واعتقاداتهم .
وتستدعي من تلك الحكمة المنزلة حكما مناسبا إصلاحها دنيا وآخرة وتكون معجزات ذلك الكامل وكراماته بفضائل خارقة لما اعتادوا من الكمالات والفضائل الحاصلة لهم .
خارجة عن قوّة إدراك أفاضلهم سواه ، كما كانت معجزات موسى في زمان السحرة بأمر خارق العادات السحرة وعرفهم فيما أتى به موسى على نبيّنا وعليه السلام خارج عن مداركهم وعلومهم ، مع كونها موهمة بأنّها من قبيل ما علموا وعملوا وعرفوا من علم التصريف و التكوين في رأي العين .
كما كانت معجزات عيسى عليه السّلام في زمان الحكماء والأطبّاء والطبيعيّين من الفلاسفة كجالينوس وغيره ، خارقة لعاداتهم وخارجة عن إدراكاتهم وعلومهم ومفهوماتهم .
مع كون ذلك من قبيل ذلك كإبراء الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى ، التي ليس في قوّة الطبيب الإبراء عنها بالأدوية والأشربة والمعاجين التي في عرفهم ومعرفتهم .
وغير ذلك من المعالجات المنتجة للبرء والشفاء عنه ، فلمّا جاء عيسى بما ليس في قوّة الطبيب الإتيان به في علاج ما ليس عندهم الشفاء عنها كالموت وهو الداء العضال وإحياء الموتى وإبراء الأبرص ، فآمنت أفاضل الحكماء الطبيعيّين ، ومن لم يؤمن به غلبت حجة الله عليه بذلك .
وكذلك لمّا كان الغالب في زمان محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم الفصاحة والبلاغة والخطابة والكهانة والشعر ، نزل القرآن بالفصاحة المعجزة للمفوّهين من الفصحاء المعلَّقين والبلغاء ، فأعجزهم عن الإتيان بمثله قال تعالى : " قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِه ِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً " آية 88 سورة الإسراء.
فتكاثرت الكلمات والآيات والحكم والعلوم والأذواق والمفهومات والأديان والملل والنحل لاختلاف الأمم المختلفة والأشخاص والأحوال والصفات والذوات والمدارك والعرف والعادات والعلوم والاعتقادات ، فافهم .
ففي هذا البحث من العلوم والمباحث أكثر ممّا التزمت في هذه الخطبة .
" وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ "
.







OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!