المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
تنبيهات على علو الحقيقة المحمدية العليّة
ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
التنبيه السادس عشر
[ في معنى قول الشيخ ( رحمه اللّه تعالى ): “ حكمة فردية في كلمة محمدية “ ] .
إنما كانت حكمة فردية، لانفراده صلى الله عليه وسلم بمقام الجمعية الإلهية، الذي ما فوقه إلّا مرتبة الذات الأحدية، لأنه صلى الله عليه وسلم: مظهر لاسم اللّه تعالى الأعظم الجامع للأسماء كلها .
ولأنه أول ما فاض بالفيض الأقدس من الأعيان: عينه الذاتية، وأول ما وجد بالفيض الأقدس من الأكوان: روحه، فحصل بالذات الأحدية والمرتبة الإلهية، وعينه الثابتة الفردية الأولى .
وإعلم أن أول الأفراد الثلاثة: ما زاد عليها، فهو صادر منها .
وهذه الثلاثة الأفراد المشار إليها في الوجود، هي:
الذات الأحدية، والمرتبة الإلهية، والحقيقة المحمدية، المسماة ب “ العقل الأول “ .
ولما كانت تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث الشيء قال صلى الله عليه وسلم: “ حبب إلي من دنياكم ثلاث “ بما فيه من التثليث، وجعلت المحبة التي هي أصل الوجود ظاهرة فيه، فقد ذكر النساء، ثم الطيب، ثم قال: “ وجعلت قرة عيني في الصلاة “ .
وإنما حبب النساء إليه صلى الله عليه وسلم: لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق تعالى مجردا عن المواد أبدا، فإن اللّه تعالى بالذات غني عن العالمين ، ولا نسبة بينه تعالى مجردا عن المواد .
فإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا، ولم تكن المشاهدة إلّا في مادة: فشهود الحق تعالى في النساء أعظم الشهود وأكمله في حالة النكاح الموجب لفناء المحب في المجبوب .
وأعظم الوصلة الجماع .
وهو نظير التوجه الإلهي على خلقه على صورته، ليخلفه فيرى فيه مثال صورته .
وكذلك النكاح: يتوجه لايجاد ولده على صورته، بنفخ بعض روحه فيه - يعني النطفة - ليشاهد عينه في مرآة ابنه من بعده، فصار النكاح المشهود نظير النكاح اللأصلي الأزلي ، فظاهر صورة الإنسان: “ خلق موصوف بالعبودية “، و “ باطنة حق “، لأنه من روح اللّه تعالى الذي يدبر ظاهره ويربيه ، إذ هو الظاهر بصورته الروحانية، واللّه تعالى أعلم.