موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف

لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


64. الباب الرابع والسّتون: قوْلهم في المُجاهَدات والمُعَاملات

قال بعض الكبراء: التعبد: إتيان ما وظف الله على شرط الواجب، وشرط الواجب: الإتيان به على غير مطالبة عوض، وإن شهدته فضلا، بل يستوفيك عن رؤية الفضل والعوض: ما لله عليك في العمل في قوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم}؛ قال ليعبدوه بالرق لا بالطمع ".

قيل لأبي بكر الواسطي: بأي شاهد ينبغي أن يكون العبد في حركات ما يسعى؟ قال: بشاهد الفناء عن حركاته التي هي كائنة بغيره ".

قال أبو عبد الله النياجي: استحلاء الطاعة ثمرة الوحشة عن الحق عز وجل ؛ إذ لا يواصل الحق بها ولا يفاصل، ولا يعتمد عليها اعتماد معول، ولا يتركها ترك معاند، بل يقيم وظائف الحق رقا وعبودية، ويكون الاعتماد على ما في الأزل".

يريد " باستحلاء الطاعة ": رؤيتها من نفسك، دون مشاهدة فضل الله عليك في التوفيق في قول الله تعالى: {ولذكر الله أكبر}، قال: أكبر من أن تبلغه أفهامكم، وتحويه عقولكم، ويجري على ألسنتكم. وحقيقة الذكر: هو نسيان ما سواه فيه؛ لقوله عز وجل : {واذكر ربك إذا نسيت}، وفي قوله تعالى: {كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية}، أي: الخالية عن ذكر الله؛ لتعلموا أنكم بفضله نلتم، لا بأعمالكم. >

قال أبو بكر القحطبي: نفوس الموحدين: نفوس سئمت من جميع ما ظهر من نعوتها وصفاتها، واستقبحت كل باد بدا منها، وانقطعت عن الشواهد والعوائد والفوائد، وعجزت عن إظهار الدعوى بين يديه؛ لما سمعت قوله عز وجل : {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} ".

الشواهد: الخلق، والعوائد: الأعواض، والفوائد: الأعراض.

قال أبو بكر الواسطي: معنى التكبير في الصلاة: كأنك تقول: جللت عن أن تواصل بها، أو تفاصل بتركها؛ إذ الفصل والوصل ليس بحركات، بل هو بما سبق في الأزل ".

قال الجنيد: "لا يكونن همُّك في صلاتك إقامتها دون الفرح والسرور بالاتصال بمن لا وسيلة إليه إلا به".

قال ابن عطاء: "لا يكونن همك في صلاتك إقامتها دون الهيبة والإجلال لمن رآك فيها".

وقال غيره: "معنى الصلاة: التجريد عن العلائق، والتّفريد بالحقائق، والعلائق: ما سوى الله، والحقائق: ما لله، ومن الله ".

وقال آخر: "الصلاة: وصل ". >

قال: سمعت فارسا يقول: معنى الصوم: الغيبة عن رؤية الخلق برؤية الحق عز وجل ؛ لقوله تعالى في قصة مريم: {إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} "، قال: لغيبتي عنهم برؤية الحق فلا أستجيز في صومي أن يشغلني عنه شاغل، أو يقطعني عنه قاطع؛ ويدل على قول النبي صلى الله عليه وسلم : {الصوم جنة}، أي: حجاب عما دون الله.

في قوله تعالى: {الصوم لي وأنا أجزى به}، قال بعض الكبار: أي: أنا الجزاء به "، وقال أبو الحسن بن أبي ذر: أي: معرفتي هي الجزاء له به "، قال: وحسبه ذلك جزاء؛ فما يبلغها شيء ولا يدانيها ".

سمعت أبا الحسن الحسني الهمداني يقول: معنى قوله: (الصوم لي): كي ينقطع الأطماع عنه: طمع العدو أن يفسده؛ لأنّ ما لله فلا يطمع فيه العدو، وطمع النفس أن تعجب به؛ فإنها إنما تعجب بما لها، وطمع الخصوم في الآخرة؛ فإنهم يأخذون ما للعبد دون ما لله "، هذا معنى ما فهمت من قوله.

قال بعضهم: جهد البلاء: النظر إلى النفوس، والاعتماد على الأفعال؛ فإن وكل إليها فهو درك الشقاء، وفي درك الشقاء شماتة الأعداء ".

أنشدونا للنوري:

أقول أكاد اليوم أن أبلغ المدى *** فَيَبْعُدُ عنّي ما أقولُ أكادُ

فما لي جهاد غير أني مقصر *** وعجزي عن طول الجهاد جِهادُ

وإن رجائي عودة منك بالرضا *** وإلا فحظّي في المعادِ: بِعَادُ

أنشدونا لغيره:

هبني أراعيك بالأذكار ملتمسا *** ما يبتغيه ذوو التلوين بالغَيْر

فكيف لي بشهود منك يحملني *** عن فتنة الوقت بل عن حجبة الأثر

يقول: إن طالعت في أفعالي ومجاهداتي ثوابك عليها (وهو الذي يطلبه أرباب المجاهدات وأصحاب المعاملات) فيكف أطالع شهود ما يحملني عن خوف العاقبة (من تغيير الأحوال والأوقات)، وعن النظر إلى حركاتي ومجاهداتي (وهي التي تحجبني عنك) ؟ >



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!