المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف
لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله
63. الباب الثالث والسّتّون: حالهم في المُرِيد والمُرَاد
المُرِيْد: مُرَادٌ في الحقيقة، والمُرَادُ: مُرِيْد؛ لأن المريد لله تعالى: لا يريد إلا بإرادة من الله عز وجل تقدمت له؛ قال الله تعالى: {يحبهم ويحبونه}، وقال: {رضي الله عنهم ورضوا عنه}، وقال: {ثم تاب عليهم ليتوبوا}، فكانت إرادته لهم سبب إرادتهم له؛ إذ علة كل شيء صنعه، ولا علة لصنعه، ومن أراده الحق فمحال أن لا يريده العبد، فجعل: المريد مرادا، والمراد مريدا، غير أن المريد: هو الذي سبق اجتهاده كشوفه، والمراد: هو الذي سبق كشوفه اجتهاده.
فالمريد: هو الذي قال الله تعالى عنه: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، وهو الذي يريده الله تعالى فيقبل بقلبه، ويحدث فيه لطفا يثير منه فيه: الاجتهاد فيه، والإقبال عليه، والإرادة له، ثم يكاشفه الأحوال؛ كما قال حارثة: عزفت نفسي عن الدنيا، فأظمأت نهاري، وأسهرت ليلي "، ثم قال: وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا "، فأخبر: أن كشوف أحوال الغيب له كان عقيب عزوفه عن الدنيا.
والمراد: هو الذي يجذبه الحق جذبه القدرة، ويكاشفه بالأحوال، فيثير قوة الشهود منه اجتهادا فيه، وإقبالا عليه، وتحملا لأثقاله؛ كسحرة فرعون: لما كوشفوا بالحال في الوقت، سهل عليهم تحمل ما توعدهم به فرعون فقالوا: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض ". وكما فعل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه : أقبل يريد قتل رسول الله، فأسره الحق في سبيله. وكقصة إبراهيم بن ادهم: خرج يطلب الصيد متلهيا، فنودي: ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت " مرتين، ونودي في الثالثة: من قَرَبُوس سرجه، فقال: والله لا عصيت الله بعد يومي هذا ما عصمني ربي"؛ هذه جذبة القدرة: كوشفوا بالأحوال، فأُسْقِطُوا عن النفوس والأموال.
أنشدني الفقيه أبو عبد الله البرقي لنفسه: >
مريد صفا منه سر الفؤاد *** فهام به السِّرُّ في كل واد
ففي أي واد سعى لم يجد *** له ملجأ غير مولى العباد
صفا بالوفاء وفى بالصفا *** ونور الصفاء سراج الفؤاد
أراد وما كان حتى أريد *** فطوبى له من مريد مراد