موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف

لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


62. الباب الثاني والسّتُّون: قولهم في صِفَة العَارف

سئل الحسن بن علي بن يزدانيار: متى يكون العارف بمشهد الحق؟ قال: إذا بدا الشاهد، وفني الشواهد، وذهب الحواس، واضمحل الإخلاص ".

معنى " بدا الشاهد ": يعني شاهد الحق، وهو أفعاله بك مما سبق منه إليك (من بره لك، وإكرامه إياك بمعرفته وتوحيده والإيمان به)، تفنى رؤية ذلك منك رؤية أفعالك وبرك وطاعتك، فترى كثيرَ ما منك مستغرقاً في قليل ما منه، وإن كان ما منه ليس بقليل، وما منك ليس بكثير.

وفناء الشواهد: بسقوط رؤية الخلق عنك، بمعنى: الضر والنفع، والذم والمدح.

وذهاب الحواس: هو معنى قوله {فبي ينطق، وبي يبصر} الحديث.

ومعنى اضمحل الإخلاص: أن لا يراك مخلصا، وما خلص من أفعالك إن خلص ولن يخلص أبدا إذا رأيت صفتك؛ فإن أوصافك معلولة مثلك.

سئل ذو النون عن نهاية العارف؟ فقال: إذا كان كما كان حيث كان قبل أن يكون "، معناه: أن يشاهد الله وأفعاله، دون شاهده وأفعاله.

قال بعضهم: أعرف الخلق بالله أشدهم تحيرا فيه ". >

قيل لذي النون: ما أول درجة يرقاها العارف؟ فقال: التحير، ثم الافتقار، ثم الاتصال، ثم التحير ".

الحيرة الأولى: في أفعاله به، ونعمه عنده، فلا يرى شكره يوازي نعمه - وهو يعلم: أنه مطالب بشكرها، وإن شكر كان شكره نعمة يجب عليه شكرها -، ولا يرى أفعاله أهلا أن يقابله بها؛ استحقارا لها، ويراها واجبة عليه لا يجوز له التخلف عنها.

وقيل: قام الشبلي يوما يصلي، فبقي طويلا ثم صلى، فلما انفتل عن صلاته قال: "يا ويلاه! إن صليت جحدت، وإن لم أصل كفرت"، أي: جحدت عظم النعمة، وكمال الفضل؛ حيث قابلت ذلك بفعلي شكرا له مع حقارته. ثم أنشد:

الحَمْدُ لله على أنّني *** كضفدع يسكن في اليَمِّ

إن هي فاهت ملأت فمها *** أو سكتت ماتت من الغم

والحيرة الأخيرة: أن يتحير في متاهات التوحيد، فيضل فهمه، ويخنس عقله في عظم قدرة الله تعالى وهيبته وجلاله؛ وقد قيل: دون التوحيد متاهات تضل فيها الأفكار ".

سأل أبو السوداء بعض الكبار فقال: هل للعارف وقت؟ قال: لا "، فقال لم؟ قال: لأنّ الوقت فرجة تنفس عن الكربة، والمعرفة أمواج تغط، وترفع وتحط، فالعارف: وقته أسود مظلم "، ثم قال:

شرط العارف: محو الكل منك إذا *** بدَ المُريْدُ بلَحْظٍ غير مُطَّلِعِ

قال فارس: العارف: من كان علمه حالة، وكانت حركاته غلبة عليه ".

سئل الجنيد عن العارف؟ فقال: "لون الماء لون الإناء"، يعني: أنه يكون في كل حال بما هو أولى، فيختلف أحواله؛ ولذلك قيل: هو ابن وقته ".

سئل ذو النون عن العارف؟ فقال: "كان هاهنا فذهب"، يعني: أنك لا تراه في وقتين بحالة واحدة؛ لأن مصرفه غيره.

وأنشدونا لابن عطاء:

ولو نَطَقَت فِيَّ ألسن الدهر خبَّرَت *** بأنّي في ثوب الصَّبابَة أرْفُل

وما إن لها علم بقدري وموضعي *** وما ذاك موهوم؛ لأني أنَقَّلُ

وقال سهل بن عبد الله: أول مقام في المعرفة: أن يعطى العبد يقينا في سره تسكن به جوارحه، وتوكلا في جوارحه يسلم به في دنياه، وحياة في قلبه يفوز بها في عقباه ". >

قلنا: العارف: هو الذي بذل مجهوده فيما لله، وتحقق معرفته بما من الله، وصح رجوعه من الأشياء إلى الله؛ قال الله تعالى: {ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق}؛ يجوز أن يكون ما عرفوا من الله من بره وإحسانه (بقصده إليهم، وإقباله عليهم، واختصاصه إياهم من بين ذويهم)، كما قال أبي بن كعب حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : {إن الله أمرني أن أقرأ عليك}، فقال: يا رسول الله، أوَذُكِرْتُ هناك؟ قال: {نعم}، فبكى أبي؛ لم ير حالا يقابله بها، ولا شكراً يوازي نعمه، ولا ذكرا كما يستحقه، فانقطع فبكى.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحارثة: {عرفت فالزم}، نسبه إلى المعرفة، وألزَمَه إياها، ولم يدله على عمل.

سئل ذو النون عن العارف؟ فقال: هو رجل معهم، باين عنهم ".

قال سهل: أهل المعرفة بالله: كأصحاب الأعراف، يعرفون كلا بسيماهم؛ أقامهم مقاما أشرف بهم على الدارين، وعرفهم الملكين ".

أنشدونا لبعضهم: >

يا لهف نفسي على قوم مَضَوا فَقَضَوا *** لم أقض منهم وإن طاولتهم وَطري

هُمُ المَخَافِيتُ في كِبْرِ الملوك إذا *** أبْصَرتَهُم قلت: إضْمارٌ بلا صُوَر



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!