موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف

لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


60. الباب السّتُّون: قولهم في حَقائق المَعرِفَة

قال بعض الشيوخ: المعرفة معرفتان: معرفة حق، ومعرفة حقيقة، فمعرفة الحق: إثْبَات وحدانية الله تعالى على ما أبرز من الصِّفَات، والحقيقة: على أن لا سبيل إليها؛ لامتناع الصمدية، وتحقق الربوبية عن الإحاطة، قال الله تعالى: {ولا يحيطون به علما}؛ لأن الصمد: هو الذي لا تُدْرَكُ حقائق نعوته وصفاته ".

وقال بعض الكبراء: المعرفة: إحضار السر بصنوف الفكر في مراعاة مواجيد الأذكار على حسب توالي أعلام الكشوف "، ومعناه: أن يشاهد السِّرُّ من (عَظَمَةِ الله، وتعظيم حقه، وإجلال قدرة) ما تعجز عنه العبارة.

سئل الجنيد عن المعرفة؟ فقال: هي تردد السر بين تعظيم الحق من الإحاطة، وإجلاله عن الدرك ".

وقد سئل عن المعرفة؟ فقال: أن تعلم أن ما تصور في قلبك فالحق بخلافه، فيا لها حيرة! لا له حظ من أحد، ولا لأحد منه حظ، وإنما وجود يتردد في العدم، لا تتهيأ العبارة عنه؛ لأن المخلوق مسبوق، والمسبوق غير محيط بالسابق ".

معنى هو " وجود يتردد في العدم ": يعني صاحب الحال يقول: هو موجود عيانا وشخصا، وكأنه معدوم صفة ونعتا.

وعن الجنيد أيضا قال: المعرفة: هي شهود الخاطر بعواقب المصير، وأن لا يتصرف العارف بسرف ولا تقصير "، ومعناه: أن لا يشهد حاله، وأن يشهد سابق علم الحق فيه، وأن مصيره إلى ما سبق له منه، ويكون مصرَّفاً في الخدمة والتقصير. >

وقال بعضهم: المعرفة إذا وردت على السر ضاق السر عن حملها، كالشمس يمنع شعاعها عن إدراك نهايتها وجوهرها ".

قال ابن الفرغاني: من عرف الرسم تجبَّر، ومن عرف الوسم تحيَّر، ومن عرف السبق تعطل، ومن عرف الحق تمكن، ومن عرف المُتَوَلِّي تذلل ".

معناه: من شاهد نفسه قائما بوظائف الحق أعجب، ومن شاهد ما سبق له من الله تحير؛ لأنه لا يدري ما علم الحق فيه، وبماذا جرى القلم به؟ ومن عرف أن ما سبق له من القسمة لا يتقدم ولا يتأخر تعطل عن الطلب، ومن عرف الله بالقدرة عليه والكفاية له تمكن فلا يضطرب عند المخوفات ولا عند الحاجات، ومن عرف أن الله متولي أموره تذَلل له في أحكامه وأقضيته.

وقال بعض الكبار: إذا عرَّفَه الحَقُّ إياه أوقف المعرفة حيث لا يشهد محبة، ولا خوفا ولا رجاء، ولا فقرا ولا غنى؛ لأنها دون الغايات، والحق وراء النهايات "، معناه: أنه لا يشهد هذه الأحوال؛ لأنها أوصافه، وأوصافه أقصر من أن تبلغ ما يستحقه الحق من ذلك. >

أنشدونا لبعض الكبار:

راعيتني بالحِفَاظ حتّى *** حُمِيْتُ عن مَرْتَعٍ وَبِيِّ

فأنت عند الخصام عذري *** وفي ظَمَأي فأنت رِيِّي

إذا امتطى العارف المعلى *** سٍرّاً إلى مَنْظَرٍ عَلِيِّ

وغاص في أبحُرٍ غزار *** تفيض بالخاطر الْوَحِيِّ

فَضَّ ختام الغُيُوب عما *** يُحْيي فؤاد الشَّجِي الولِيِّ

من حار في دهشة التلاقي *** أبصَرْته مَيِّتَاً كَحَيِّ

يعني: من حيَّرَته دهشة ما يبدو له من الله (من شاهد تعظيم الله وإجلاله) أبصرته حيا كميت يفنى عن رؤية ما منه ولا يجد له متقدما ولا متأخرا. >



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!