المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف
لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله
56. الباب السَّادس والخمْسُون: قولهم في الغَيْبَةِ والشُّهُوْد
فمعنى الغَيْبَة: أن يغيب عن حظوظ نفسه فلا يراها، وهي - أعنى الحظوظ - قائمة معه، موجودة فيه، غير أنه غائب عنها بشهود ما للحق؛ كما قال أبو سليمان الداراني - وبلغه أنه قيل للأوزاعي: رأينا جاريتك الزرقاء في السوق فقال: أو زرقاء هي؟ - فقال سليمان: "انفتحت عيون قلوبهم، وانطبقت عيون رؤوسهم"، أخبر أن غيبته عن زرقتها كانت مع بقاء لذة الحور فيه؛ بقوله أو زرقاء هي؟
والشُّهُودُ: أن يرى حظوظ نفسه.
ومعنى ذلك: أن يأخذ ما يأخذ بحال العبودية وخضوع البشرية، لا للذة والشهوة.
وغيبة أخرى وراء هذه: وهي أن يغيب عن الفناء والفاني، بشهود البقاء والباقي لا غير؛ كما أخبر حارثة عن نفسه، ويكون الشهود: شهود عيان، ويكون غيبته عما غاب: غيبة شهود الضر والنفع، لا غيبة استتار واحتجاب.
وأنشدونا للنوري: >
شهدت ولم أشهد لحاظا لحظته *** وحسب لحاظ شاهد غير مشهد
وغبت مغيبا غاب للغيب غيبه *** فلاح ظهور غَيْبِه غير مفقد
وعبر عن الشهود بعض مشائخنا فقال: الشهود: أن تشهد ما تشهد مستصغرا له، معدوم الصفة؛ لما غلب عليك من شاهد الحق، كما جاء:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكلُّ نعيم لا محالة زائل
وكما قال موسى عليه السلام : {إن هي ألا فتنتك}؛ رأى السَّامري معدوم الصفة في شهود الحق.
وأنشدونا للنوري: >
تسترت عن دهري بستر همومه *** محيرة في قدر من جل عن قدري
فلا الدهر يدرى أنني عنه غائب *** ولا أنا أدري بالخطوب إذا تجرى
إذا كان كُلّي قائماً بوفائه *** فلست أبالي ما حييت يد الدهر