موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف

لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


57. الباب السَّابع والخمْسُون: قولهم في الجمع والتَّفْرِقَة

أول الجمع: جمع الهمة: وهو أن تكون الهموم كلها هما واحدا؛ وفي الحديث: {من جعل الهموم هما واحدا: هّمَّ المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله في أي أوديتها هلك.

وهذه حال المجاهدة والرياضة.

والجمع الذي يعنيه أهله: هو أن يصير ذلك حالا له، وهو: أن لا تتفرق همومه فيجمعها تكلف العبد، بل تجتمع الهموم فتصير بشهود الجامع لها هما واحدا، ويحصل الجمع إذ كان بالله وحده دون غيره.

والتفرقة التي هي عقيب الجمع: هو أن يفرق بين العبد وبين همومه في حظوظه، وبين طلب مرافقه وملاذه، فيكون مفرقا بينه وبين نفسه، فلا تكون حركاته لها. >

وقد يكون المجموع ناظرا إلى حظوظه في بعض الأحوال، غير أنه ممنوع منها؛ قد حيل بينه وبينها، لا يتأتى له منها شيء، وهو غير كاره لذلك، بل مريد له؛ لعلمه بأنه فعل الحق به، واختصاصه له، وجذبه إياه مما دونه.

سئل بعض الكبار عن الجمع ما هو؟ فقال: "جمع الأسرار بما ليس منه بد، وقهرها فيه؛ إذ لا شبه له ولا ضد".

وقال غيره: "جمعهم به حين وصلهم بالقصور عنه، وفرقهم عنه حين طلبوه بما منهم، فسنح التشتيت لارتياده بالأسباب، وحصل الجمع حين شاهدوه في كل باب". >

فالتفرقة التي عبر عنها: هي التي قبل الجمع، معناه: أن التقرب إليه بالأعمال تفرقه، وإذا شاهدوه مقربا لهم فهو الجمع.

أنشدونا لبعض الكبار:

الجَمْعُ أفقدهم من حيث هُم قِدَماً *** والفَرْقُ أوجَدَهُم حِيناً بلا أثَرِ

فاتت نفُوسهُمُ والفَوتُ فَقْدُهم *** في شاهد جُمِعوا فيه عن البشر

وجَمْعُهُم عن نعوت الرَّسْمِ محوهم *** عَمَّا يُؤَثِّره التَّلْوين بالغيَرِ

والحَيْن حالَ تلاشت في قديْمِهمُ *** عن شاهد الجَمع إضمار بلا صور

حتى توافى لهم في الفرق ما عطفت *** عليْهِمُ منه حين الوقت في الحضر

فالجمعُ غَيْبَتُهُم والفَرق حَضْرَتُهم *** والَوجدُ والفَقْدُ في هذَين بالنّظَرِ

معنى قوله "الجمع أفقدهم من حيث هم": أي: علمهم بوجودهم للحق في علمه بهم، أفقدهم من الحين الذي صاروا موجودين له. فجعل الجمع حالة العدم حيث لم يكن إلا علم الحق بهم، والفرق حالة ما أخرجهم من العدم إلى الوجود.

قوله "فاتت نفوسهم": أي: رأوها حين الوجود كما كانوا إذ هم فقود: لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولا يتغير علم الله فيهم.

وجمعهم: هو أن يمحوهم عن نعوت الرسم (وهي: أفعالهم وأوصافهم) في أنها لا تؤثر أثر تلوين وتغيير، بل تكون على ما علم الله عز وجل وقدر وحكم. فتلاشت حالهم حين وجودهم في قديم العلم؛ إذ كانوا معدمين لا موجودين مصورين، وإذا أوجدهم أجرى عليهم ما سبق لهم منه.

فالجمع: أن يغيبوا عن حضورهم وشهودهم إياهم متصرفين. >

والفرق: أن يشهدوا أحوالهم وأفعالهم.

والوجد والفقد: حالتان متغايرتان لهم لا للحق تعالى.

قال أبو سعيد الخراز: "معنى الجمع: أنه أوجدهم نفسَه في أنفسهم، بل أعدمهم وجودهم لأنفسهم عند وجودهم له"، معناه: قوله: {كنت له سمعا وبصرا ويدا، فبي يسمع، وبي يبصر} الخبر؛ وذلك أنهم كانوا يتصرفون بأنفسهم لا لأنفسهم، فصاروا متصرفين للحق بالحق. >



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!