المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف
لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله
52. الباب الثاني والخمْسُون: قولهم في التجريد والتَّفريد
فمعنى " التجريد ": أن يتجرد بظاهره عن الأعراض، وبباطنه عن الأعواض.
وهو: ألا يأخذ من عرض الدنيا شيئا، ولا يطلب على ما ترك منها عوضا: من عاجل ولا آجل، بل يفعل ذلك لوجوب حق الله تعالى، لا لعلة غيره، ولا لسبب سواه، ويتجرد بسره عن ملاحظة المقامات التي يخلها، والأحوال التي ينازلها (بمعنى: السكون إليها والاعتناق لها).
و"التفريد": أن يتفرد عن الأشكال، وينفرد في الأحوال، ويتوحد في الأفعال.
وهو: أن تكون أفعاله لله وحده، فلا يكون فيها رؤية نفس، ولا مراعاة خلق، ولا مطالعة عوض، ويتفرد في الأحوال عن الأحوال: فلا يرى لنفسه حالا، بل يغيب برؤية محولها عنها، ويتفرد عن الأشكال: فلا يأنس بها، ولا يستوحش منها.
وقيل: التجريد: أن لا يَملِك، والتفريد: أن لا يُمْلَك ".
أنشدونا لعمرو بن عثمان المكي:
تَفَرَّدَ بالله الفَرِيْدِ فَرِيْد *** فَظَلَّ وحيدا، والمشوق وحيد
وذاك لأن المفردين رأيتُهم *** على طبقات والدُّنُوُّ بعيد
فمن مُفْرَدٍ يسمو بهمة قَلبِه *** عن الملك جمعا فهو عنه يحيد
وأدمن سيرا في السمو توحدا *** وكلّ وحيدٍ بالبلاءِ فريد
وآخرَ يسمو في العلو تفردا *** عن النفس وجدا فهي منه تبيد
وآخر مفكوك من الأسر بالفنا *** فأصبح خِلْواً واجتباه ودود
ف"الذي أدمن سيرا في السمو": متوحد بالبلاء؛ لأنه لا سبيل له إلى ما يطلب، ولا يساكن شيئا دونه. و"الذي تفرد عن النفس وجدا ": فلا يحس بالبلاء. و"الذي فك من أسر النفس بالفناء عنها": هو المجتبي المقرب المتفرد بالحقيقة. >