موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف

لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


27. الباب السَّابع والعشرون: قوْلهم في صِفَة الإيمان

الإيمان عند الجمهور منهم: قول وعمل ونية، ومعنى النية: التصديق؛ وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الإيمان: إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالأركان}.

قالوا: أصل الإيمان: إقرار اللسان بتصديق القلب، وفروعه: العمل بالفرائض ".

وقالوا: الإيمان في الظاهر والباطن، والباطن شيء واحد: وهو القلب، والظاهر أشياء مختلفة ".

وأجمعوا: أن وجوب الإيمان ظاهرا كوجوبه باطنا: وهو الإقرار، غير أنه قسط جزء من أجزاء الظاهر دون جميعه، ولما كان قسط الباطن من الإيمان قسط جميعه، وجب أن يكون قسط الظاهر من الإيمان قسط جميعه، وقسط جميعه: هو العمل بالفرائض؛ لأنه يعم جميع الظاهر، كما عم التصديق جميع الباطن.

وقالوا: الإيمان يزيد وينقص ". >

وقال الجنيد وسهل وغيرهما من المتقدمين منهم: إن التصديق يزيد ولا ينقص، ونقصانه: يخرج من الإيمان؛ لأنه تصديق بأخبار الله تعالى وبمواعيده، وأدنى شك فيه كفر. وزيادته: من جهة القوة واليقين وإقرار اللسان لا يزيد ولا ينقص، وعمل الأركان يزيد وينقص ".

وقال قائل منهم: المؤمن اسم الله تعالى؛ قال الله سبحانه وتعالى : {السلام المؤمن المهيمن}، وهو يؤمن المؤمن بإيمانه من عذابه، والمؤمن إذا أقر وصدق وأتى بالأعمال المفترضات، وانتهى عن المنهيات أمن من عذاب الله، ومن لم يأت بشيء من ذلك فهو مخلد في النار، والذي اقر وصدق وقصر في الأعمال فجائز أن يكون معذبا غير مخلد، فهو آمن من الخلود غير آمن من العذاب، فكان أمنه ناقصا غير كامل، وأمن من أتى بها كلها أمنا تاما غير ناقص، فوجب أن يكون نقصان أمنه لنقصان إيمانه؛ إذ كان تمام أمنه لتمام إيمانه ".

وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم إيمان من قصر في واجب بالضعف فقال: {وذلك أضعف الإيمان}، وهو الذي يرى المنكر فينكره بباطنه دون ظاهره، فأخبر أن إيمان الباطن دون الظاهر إيمان ضعيف. >

ووصفه بالكمال فقال: {أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا}، والأخلاق تكون في الظاهر والباطن، فما عم الجميع وصف بالكمال، وما لم يعم الجميع وصف بالضعف.

وقال بعضهم: زيادة الإيمان ونقصانه من جهة الصفة لا من جهة العين: فزيادة الإيمان: من جهة الجودة والحسن والقوة، ونقصانه: من نقصانها، لا من جهة العين ".

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : {كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع، وهن: مريم، وفاطمة، وخديجة، وعائشة رضي الله عنهم }، ولم يكن نقصان سائر النساء من جهة أعيانهن، ولكن من جهة الصفة.

ووصفهن أيضا بنقصان العقل والدين، وفسر نقصان دينهن بتركهن الصلاة والصيام في الحيض، والدين: الإسلام، وهو والإيمان واحد عند من لا يرى العمل من الإيمان.

وسئل بعض الكبراء عن الإيمان؟ فقال: الإيمان من الله لا يزيد ولا ينقص، ومن الأنبياء يزيد ولا ينقص، ومن غيرهم يزيد وينقص ".

فمعنى قوله " من الله لا يزيد ولا ينقص ": أن الإيمان صفة لله تعالى وهو موصوف به؛ قال الله تعالى: {السلام المؤمن المهيمن}، وصفات الله: لا توصف بالزيادة والنقصان. >

ويجوز أن يكون الإيمان من الله عز وجل : هو الذي قسمه للعبد منه في سابق علمه، لا يزيد وقت ظهوره ولا ينقص عما علمه منه، وقسمه له.

والأنبياء: في مقام المزيد من الله تعالى: من جهة القوة واليقين، ومشاهدات أحوال الغيوب؛ كما قال الله تعالى: {وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين}.

وسائر المؤمنين: يزيد إيمانهم في بواطنهم بالقوة واليقين، وينقص من فروعه بالتقصير في الفرائض وارتكاب المناهي.

والأنبياء معصومون عن ارتكاب المناهي، ومحفوظون في الفرائض عن التقصير، فلا يوصفون بالنقصان في شيء من أوصافهم في حقائق الإيمان.>



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!