موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف

لأبي بكر الكلاباذي رحمه الله

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


21. الباب الحادي والعشرون: قوْلهم في سَبِيْل مَعْرفَةِ الله تعَالى

أجمعوا: على أن الدليل على الله: هو الله وحده، و"سبيل العقل" عندهم سبيل العاقل في حاجته إلى الدليل؛ لأنه محدث، والمحدث لا يدل إلا على مثله.

وقال رجل للنوري: ما الدليل على الله؟ قال: الله، قال: فما العقل؟ قال: العقل عاجز، والعاجز لا يدل إلا على عاجز مثله. >

وقال ابن عطاء: العقل آلة للعبودية، لا للإشراف على الربوبية ".

وقال غيره: العقل يجول حول الكون، فإذا نظر إلى المكون ذاب ".

وقال أبو بكر القحطبي: من لحقته العقول فهو مقهور إلا من جهة الإثبات، ولولا أنه تعرف إليها بالألطاف لما أدركته من جهة الإثبات ".

وأنشدونا لبعض الكبار:

من رامه بالعقل مسترشدا *** سَرَّحَهُ في حَيْرَة يَلْهو

وشَاب بالتلبيس أسْرَارَه *** يقول من حَيْرَتِهِ: هل هو؟

وقال بعض الكبار: لا يعرفه إلا من تعرف إليه، ولا يوحده إلا من توحد له، ولا يؤمن به إلا من لطف به، ولا يصفه إلا من تجلى لسره، ولا يخلص له إلا من جذبه إليه، ولا يصلح له إلا من اصطنَعَه لنفسه ". معنى (من تعرف إليه): أي من تعرف الله إليه، ومعنى (من توحد له): أي أراه أنه واحد.

وقال الجنيد: المعرفة معرفتان: معرفة تَعَرُّف، ومعرفة تَعْرِيف، معنى التعرف: أن يعرفهم الله عز وجل نفسه، ويعرفهم الأشياء به؛ كما قال إبراهيم عليه السلام : {لا أحب الآفلين}. ومعنى التعريف: أن يريهم آثار قدرته في الآفاق والأنفس، ثم يحدث فيهم لطفا تدلهم الأشياء: أن لها صانعا، وهذه معرفة عامة المؤمنين. والأولى معرفة الخواص، وَكُلٌّ لم يعرفه في الحقيقة إلا به ". >

وهذا كما قال محمد بن واسع: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله فيه ".

وقال غيره: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ".

وقال ابن عطاء: تَعَرَّفَ إلى العامة بخلقه؛ لقوله: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} الآية، وإلى الخاصة بكلامه وصفاته؛ بقوله: {أفلا يتدبرون القرآن}، وقال: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}، {ولله الأسماء الحسنى}، وإلى الأنبياء بنفسه؛ كما قال: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} الآية، وقال: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} الآية. >

وقال بعض الكبراء من أهل المعرفة:

لم يبق بيني وبين الحق تبياني *** ولا دليلٌ ولا آيات برهاني

هذا تجلى طلوع الحق نَائِرةً *** قد أزهرَت في تَلالِيْهَا بسلطان

لا يعرفُ الحَقَّ إلا مَن يُعَرِّفُه *** لا يَعْرِفُ القِدَمِيَّ المُحْدَثُ الفاني

لا يُسْتَدَلُّ على الباري بصنعته *** رأيتُمُ حدَثاً يُنْبِي عن أزمان

كان الدَّليلَ لهُ منه إليه بِهِ *** مَنْ شاهد الحق في تنزيل فرقان

كان الدَّليلَ لهُ منه بِهِ وله *** حَقاً وجدناه، بل عِلماً بتبيان

هذا وجودي وتشريحي ومعتقدي *** هذا توحُّدُ توحيدٍ وإيماني

هذا عِبَارة أهل الانفراد بهِ *** ذَوي المعارف في سِرٍّ وإعلان

هذا وُجودُ وجود الواجدين لهُ *** بني التجانس، أصحابي وخلاني

وقال بعض الكبراء: إن الله تعالى عرفنا نفسه بنفسه، ودلنا على معرفة نفسه بنفسه، فقام شاهد المعرفة من المعرفة بالمعرفة بعد تعريف المعرف بها ". معناه: أن المعرفة لم يكن لها سبب غير أن الله تعالى عرف العارف، فعرف بتعريفه.

وقال بعض الكبار من المشايخ: البادي من المكونات معروف بنفسه؛ لهجوم العقل عليه، والحق أعزّ من أن تهجم العقول عليه؛ وأنه عرفنا نفسه أنه ربنا فقال: {ألست بربكم}، ولم يقل: من أنا؟ فتهجم العقول عليه حين بدا معرفا، فلذلك انفرد عن العقول، وتنزه عن التحصل غير الإثبات ". >

وأجمعوا: أنه لا يعرفه إلا ذو عقل؛ لأن العقل آلة للعبد يعرف به ما عرف، وهو بنفسه لا يعرف الله تعالى؛ وقال أبو بكر السباك: لما خلق الله العقل قال له: {من أنا}؟ فسكت، فكحَّلَه بنور الوحدانية، ففتح عينيه، فقال: أنت الله لا إله إلا أنت. فلم يكن للعقل أن يعرف الله إلا بالله ". >



  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!