معرض الصور
قراءة وشرح كتب الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع القناة على اليوتيوب
القائمة --- https://www.youtube.com/watch?v=Sbw8QcQlo28&list=PLRRCc31dI4PuNFsyGDN6cuRZg43STssro
------- الحديث في هذا الفيديو عن: شرح مفهوم سيدي الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للزمن والخلق في ستة أيام، وما هي هذه الأيام، ولماذا هي ستة، وهل الزمن أمر وجودي أم عدمي أم متوهم، وهل هو مطلق أم نسبي، وما علاقة الزمان بالمكان وبالأجسام المتحيزة والجواهر غير المتحيزة، وما معنى يوم الرب الذي مقداره ألف سنة مما تعدون، ويوم ذي المعارج الذي مقداره خمسون ألف سنة، وما معنى يوم الشأن، وبالتالي هل الزمن كمية منفصلة أم متصلة، وهل يمكن اختراق الزمان، والكثير من الأسئلة التي لا شكَّ قد خطرت على بال الكثيرين.
يعدّ موضوع الزّمن أساساً لا بدّ من دراسته من أجل فهم كيفية خلق العالَم وفهم علاقته بالخالق سبحانه وتعالى من جهة، وعلاقة أجزائه ببعضها البعض من جهة أخرى، وبالتالي تفسير الحركة؛ سواء حركة الأجرام السماوية في الأفلاك أو حركة الأجسام المرئيّة وغير المرئيّة كالذرّات والجسيمات الأوّلية وكذلك حركة الأمواج وحتى العالَم الغيبي كالنفس والروح والجنِّ والملائكة.
ولقد كان هذا الموضوع الهاجس الأوّل للعديد من الفلاسفة والحكماء على مدى العصور، وكذلك علماء الكون والفيزياء على مدى القرون السابقة وخاصّة في العقود الأخيرة مع تطور النظريّات العلميّة الحديثة كالنظريّة النسبيّة ونظريّة الكمّ ونظريّة الأوتار الفائقة وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ كلمة الزّمن أو الزّمان لم ترد في القرآن الكريم مطلقاً بهذا الجذر (ز م ن)، في حين وردت آيات كثيرة تتكلّم عن النهار والليل والأيّام والشهور والسنين، ولعلّ ذلك من معجزات القرآن الكريم الخفيّة حيث إنّنا سنجد أن الزّمن في الحقيقة أمرٌ وهميٌّ ولا يوجد إلاّ على شكل أيّام ومركّباتها وليس على شكل دقائقَ وثوانٍ كما نتعامل معه ونقيسه بشكل اصطلاحي في حياتنا اليومية.
وبالتالي فإنّ القرآن الكريم يَعدُّ الزّمن دائريّاً ومكمّماً وليس خطّياً مستمرّاً كما هو الحال في أغلب النظريّات العلميّة بدءً من نظريّة نيوتن في علم الميكانيكا الكلاسيكي وانتهاءً بالنظريّة النسبيّة وحتى ميكانيكا الكمّ المبنيّ على أساس التكميم، أي تكميم الطاقة والحقول، دون تكميم الزمان والمكان، مع أن هناك بعض النظريّات الحديثة التي حاولت دراسة الزّمان والمكان على أساس أنّهما كميات منفصلة ولكنها لم تنجح في ذلك حتى الآن.
ولن نستطيع فهم حقيقة الزمن إلا بعد فهم الآيات القرآنية الخاصة بهذا الموضوع، مثل قوله تعالى في سورة يس: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ (37)﴾، وكذلك في الآيات التي ذكرناها أعلاه أنَّ الله يُغشي الليل النهار، وأنَّه سبحانه وتعالى كلَّ يوم هو في شأن، إضافة لقوله في آيات أخرى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ﴾ و ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾. وبالتالي سوف نجد كيف أنَّ الزمن يصدر عن توالج الأيام الأصلية وسلخ لياليها من نهاراتها وتكويريها على بعضها البعض بطريقة ما كان يمكن لأحد أن يكتشفها لولا الإشارات التي بثَّها الشيخ الأكبر في كتبه الكثيرة.
ومع أنَّ هناك قياسات تجريبية كثيرة تؤكد هذه النظريات، فعلماء الكون والفيزياء لا يتكلمون دون وجود براهين أو دلالات مؤكدة، ومع ذلك فكل هذه النظريات هي في النهاية غير صحيحة، أو لنقل: غير دقيقة بالحد الأدنى المطلوب، فهي صحيحة من جهة وخاطئة بنفس الوقت. ولذلك يقول الشيخ الأكبر في فصوص الحكم:
إنما الكون خيال *** وهو حق في الحقيقة
والذي يدرك هذا * حاز أسرار الطريقة
فالخيال هو ما نراه، والحقيقة هي ما قرَّره القرآن الكريم في سورة ق، في قوله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)﴾. واللبس، بالسين، هو الحجاب، مثل اللباس.
أي أنَّ الناس لا يُدركون أنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (في ستة أيام) وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ، كما قال اليهود إنّه سبحانه استراح يوم السبت، فردَّ عليهم بقوله: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ۚبَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)﴾.
فالله يخلق السموات والأرض في ستة أيام، أي في ست جهات، وهي جهات المكان، أي الأبعاد الثلاثة، كما سنوضحه لاحقاً، ثم يستوي على العرش في يوم السبت، وهو الزمان، وذلك في كلِّ آن!
فهذا الخلق في الجهات الست هو حال دائم، لكننا لا نراه إلا بعد حدوثة، ولا نرى الكون أثناء خلقه المتجدد، ولذلك قال سبحانه في آية أخرى من سورة الكهف: ﴿مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)﴾.
فلو أشهدنا الله ذلك لشهدنا أنه يخلق السموات والأرض في ستة أيام في كلِّ آن ثم يستوي على العرش. و"ثم" هنا ليست للتراخي الزماني، فالله سبحانه وتعالى ليس موضعاً للحدوث والتغير الزماني ... سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيرا، بل إنَّ الزمان أمرٌ متوهَّم ناتج عن كوننا في لبس، أي مغيَّبون ومحجوبون أثناء عملية الخلق، فعندما نرى الخلق يتجدد نتوهم الحركة والتغير والزمان، ولأنَّه أمر خيالي نستطيع أن نقسمه إلى أجزاء لا نهائية كالثواني وأجزاء الثواني.
في حين إن أصغر حال لحدوث الخلق، أي أصغر مدة للزمن هي اليوم، ولا يمكن تقسيمه إلا إلى ليل ونهار، لأنه تردد بين الغيب والشهادة، ولذلك وصف الله نفسه بقوله: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾، فلم يقل شؤون؛ أي بما أنَّه شأن واحد، فاليوم هو زمن واحد فردٌ لا يتجزَّأ.
وهذا اليوم، أي اليوم الفرد أو يوم الشأن، هو نفسه ذلك الذي نقيسه ونعيش فيه من شروق الشمس إلى غروبها ثم شروقها مرة أخرى، ونقول إنَّ مدَّته 24 ساعة، وهكذا نحن نعيش في هذا الخيال الذي لا نشكُّ أنّه حقيقي، لأننا في لبس من خلق جديد، ولأنَّ الله تعالى ما أشهدنا خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسنا، بل أشهدنا ذلك بعد خلقه، فنتخيل أنه خلق مستمر، وهو في الحقيقة خلق متجدد في كل آن.