موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة يوسف: [الآية 36]

سورة يوسف
وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّىٓ أَرَىٰنِىٓ أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ ٱلْءَاخَرُ إِنِّىٓ أَرَىٰنِىٓ أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِۦٓ ۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴿36﴾

تفسير الجلالين:

«ودخل معه السجن فتيان» غلامان للملك أحدهما ساقيه والآخر صاحب طعامه فرأياه يعبر الرؤيا فقالا لنختبرنه «قال أحدهما» وهو الساقي «إني أراني أعصر خمرا» أي عنبا «وقال الآخر» وهو صاحب الطعام «إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا» خبرنا «بتأويله» بتعبيره «إنا نراك من المحسنين».

تفسير الشيخ محي الدين:

وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْ فَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)

اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولولا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .

(13) سورة الرّعد مدنيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(111) كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار - الفتوحات ج 3 / 471 - كتاب الإسفار

تفسير ابن كثير:

قال قتادة : كان أحدهما ساقي الملك ، والآخر خبازه .

قال محمد بن إسحاق : كان اسم الذي على الشراب " نبوا " ، والآخر " مجلث " .

قال السدي : وكان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمالآ على سمه في طعامه وشرابه .

وكان يوسف ، عليه السلام ، قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة وصدق الحديث ، وحسن السمت وكثرة العبادة - صلوات الله عليه وسلامه - ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة مرضاهم والقيام بحقوقهم . ولما دخل هذان الفتيان إلى السجن ، تآلفا به وأحباه حبا شديدا ، وقالا له : والله لقد أحببناك حبا زائدا . قال : بارك الله فيكما ، إنه ما أحبني أحد إلا دخل علي من محبته ضرر ، أحبتني عمتي فدخل علي الضرر بسببها ، وأحبني أبي فأوذيت بسببه ، وأحبتني امرأة العزيز فكذلك ، فقالا : والله ما نستطيع إلا ذلك ، ثم إنهما رأيا مناما ، فرأى الساقي أنه يعصر خمرا - يعني عنبا - وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود : " إني أراني أعصر عنبا " . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أحمد بن سنان ، عن يزيد بن هارون ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن ابن مسعود : أنه قرأها : " أعصر عنبا " .

وقال الضحاك في قوله : ( إني أراني أعصر خمرا ) يعني : عنبا . قال : وأهل عمان يسمون العنب خمرا .

وقال عكرمة : رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب ، فنبتت . فخرج فيه عناقيد ، فعصرتهن ثم سقيتهن الملك . قال تمكث في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج فتسقيه خمرا .

وقال الآخر ، وهو الخباز : ( إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين )

والمشهور عند الأكثرين ما ذكرناه ، وأنهما رأيا مناما وطلبا تعبيره .

وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : ما رأى صاحبا يوسف شيئا ، إنما كانا تحالما ليجربا عليه .


تفسير الطبري :

قوله تعالى {ودخل معه السجن فتيان} و{فتيان} تثنية فتى؛ وهو من ذوات الياء، وقولهم : الفتو شاذ. قال وهب وغيره : حمل يوسف إلى السجن مقيدا على حمار، وطيف به (هذا جزاء من يعصي سيدته) وهو يقول : هذا أيسر من مقطعات النيران، وسرابيل القطران، وشراب الحميم، وأكل الزقوم. فلما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم؛ فجعل يقول لهم : اصبروا وأبشروا تؤجروا؛ فقالوا له : يا فتى ! ما أحسن حديثك! لقد بورك لنا في جوارك، من أنت يا فتى؟ قال : أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب، ابن ذبيح الله إسحاق، ابن خليل الله إبراهيم. وقال ابن عباس : لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني، وأنا أريد أن تسجنه، فسجنه في السجن؛ فكان يعزي فيه الحزين، ويعود فيه المريض، ويداوي فيه الجريح، ويصلي الليل كله، ويبكي حتى تبكي معه جدر البيوت وسقفها والأبواب، وطهر به السجن، واستأنس به أهل السجن؛ فكان إذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن مع يوسف، وأحبه صاحب السجن فوسع عليه فيه؛ ثم قال، له : يا يوسف! لقد أحببتك. حبا لم أحب شيئا حبك؛ فقال : أعوذ بالله من حبك، قال : ولم ذلك؟ فقال : أحبني أبي ففعل بي أخوتي ما فعلوه، وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى، فكان في حبسه حتى غضب الملك على خبازه وصاحب شرابه، وذلك أن الملك عمر فيهم فملوه، فدسوا إلى خبازه وصاحب شرابه أن يسماه جميعا، فأجاب الخباز وأبى صاحب الشراب، فانطلق صاحب الشراب فأخبر الملك بذلك، فأمر الملك بحبسهما، فاستأنسا بيوسف، فذلك قوله {ودخل معه السجن فتيان} وقد قيل : إن الخباز وضع السم في الطعام، فلما حضر الطعام قال الساقي : أيها الملك! لا تأكل فإن الطعام مسموم. وقال الخباز : أيها الملك لا تشرب! فإن الشراب مسموم؛ فقال الملك للساقي : اشرب! فشرب فلم يضره، وقال للخباز : كل؛ فأبى، فجرب الطعام على حيوان فنفق مكانه، فحبسهما سنة، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف. واسم الساقي منجا، والآخر مجلث؛ ذكره الثعلبي عن كعب. وقال النقاش : اسم أحدهما شرهم، والآخر سرهم؛ الأول، بالشين المعجمة. والآخر بالسين المهملة. وقال الطبري : الذي رأى أنه يعصر خمرا هو نبو، قال السهيلي : وذكر اسم الآخر ولم أقيده. وقال {فتيان} لأنهما كانا عبدين، والعبد يسمى فتى، صغيرا كان أو كبيرا؛ ذكره الماوردي. وقال القشيري : ولعل الفتى كان اسما للعبد في عرفهم؛ ولهذا قال {تراود فتاها عن نفسه} [يوسف : 30]. ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا. ويمكن أن يكون حبسهما مع حبس يوسف أو بعده أو قبله، غير أنهما دخلا معه البيت الذي كان فيه. {قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله} {قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا} أي عنبا؛ كان يوسف قال لأهل السجن. إني أعبر الأحلام؛ فقال أحد الفتيين لصاحبه : تعال حتى نجرب هذا العبد العبراني؛ فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا؛ قاله ابن مسعود. وحكى الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال : إني أعبر الرؤيا؛ فسألاه عن رؤياهما. قال ابن عباس ومجاهد : كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها؛ ولذلك صدق تأويلها. وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا). وقيل : إنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجريبا؛ وهذا قول ابن مسعود والسدي. وقيل : إن المصلوب منهما كان كاذبا، والآخر صادقا؛ قاله أبو مجلز. وروى الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : (من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما). قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة). قال : حديث حسن. قال ابن عباس : لما رأيا رؤياهما أصبحا مكروبين؛ فقال لهما يوسف : ما لي أراكما مكروبين؟ قالا : يا سيدنا! إنا رأينا ما كرهنا؛ قال : فقصَّا علي، فقصا عليه؛ قالا : نبئنا بتأويل ما رأينا؛ وهذا يدل على أنها كانت رؤيا منام. {إنا نراك من المحسنين} فإحسانه، أنه كان يعود المرضى ويداويهم، ويعزي الحزاني؛ قال الضحاك : كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به، وإذا ضاق وسع له، وإذا احتاج جمع له، وسأل له. وقيل {من المحسنين} أي العالمين الذين أحسنوا العلم، قال الفراء. وقال ابن إسحاق {من المحسنين} لنا إن فسرته، كما يقول : افعل كذا وأنت محسن. قال : فما رأيتما؟ قال الخباز : رأيت كأني اختبزت في ثلاثة تنانير، وجعلته في ثلاث سلال، فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منه. وقال الآخر : رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض، فعصرتهن في ثلاث أوان، ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى، فذلك قوله {إني أراني أعصر خمرا} أي عنبا، بلغة عمان، قال الضحاك. وقرأ ابن مسعود {إني أراني أعصر عنبا}. وقال الأصمعي : أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا ومعه عنب فقال له : ما معك؟ قال : خمر. وقيل : معنى. {أعصر خمرا} أي عنب خمر، فحذف المضاف. ويقال : خمرة وخمر وخمور، مثل تمرة وتمر وتمور. قال لهما يوسف‏ {‏لا يأتيكما طعام ترزقانه‏}‏ يعني لا يجيئكما غدا طعام من منزلكما ‏{‏إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما‏}‏ لتعلما أني أعلم تأويل رؤياكما، فقالا‏:‏ افعل‏!‏ فقال لهما‏:‏ يجيئكما كذا وكذا، فكان على ما قال؛ وكان هذا من علم الغيب خُص به يوسف‏.‏ وبين أن الله خصه بهذا العلم لأنه ترك ملة قوم لا يؤمنون بالله، يعني دين الملك‏.‏ ومعنى الكلام عندي‏:‏ العلم بتأويل رؤياكما، والعلم بما يأتيكما من طعامكما والعلم بدين الله، فاسمعوا أولا ما يتعلق بالدين لتهتدوا، ولهذا لم يعبر لهما حتى دعاهما إلى الإسلام، فقال‏ {‏يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون‏} الآية [‏يوسف‏:‏39‏]‏كلها، على ما يأتي‏.‏ وقيل‏:‏ علم أن أحدهما مقتول فدعاهما إلى الإسلام ليسعدا به‏.‏ وقيل‏:‏ إن يوسف كره أن يعبر لهما ما سألاه لما علمه من المكروه على أحدهما فأعرض عن سؤالهما، وأخذ في غيره فقال‏ {‏لا يأتيكما طعام ترزقانه‏}‏ في النوم {‏إلا نبأتكما‏}‏ بتفسيره في اليقظة، قاله السدي، فقالا له‏:‏ هذا من فعل العرافين والكهنة، فقال لهما يوسف عليه السلام‏:‏ ما أنا بكاهن، وإنما ذلك مما علمنيه ربي، إني لا أخبركما به تكهنا وتنجيما، بل هو بوحي من الله عز وجل‏.‏ وقال ابن جريج‏:‏ كان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاما معروفا فأرسل به إليه، فالمعنى‏:‏ لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة، فعلى هذا ‏{‏ترزقانه‏}‏ أي يجري عليكما من جهة الملك أو غيره‏.‏ ويحتمل يرزقكما الله‏.‏ قال الحسن‏:‏ كان يخبرهما بما غاب، كعيسى عليه السلام‏.‏ وقيل‏:‏ إنما دعاهما بذلك إلى الإسلام؛ وجعل المعجزة التي يستدلان بها إخبارهما بالغيوب‏.‏ قوله تعالى‏ {‏واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب‏}‏ لأنهم أنبياء على الحق‏.‏ ‏{‏ما كان لنا‏}‏ أي ما ينبغي لنا‏.‏ {‏أن نشرك بالله من شيء‏}‏ {‏من‏}‏ للتأكيد، كقولك‏:‏ ما جاءني من أحد‏.‏ ‏{ذلك من فضل الله علينا‏}‏ إشارة إلى عصمته من الزنى‏.‏ {‏وعلى الناس‏}‏ أي على المؤمنين الذين عصمهم الله من الشرك‏.‏ وقيل‏ {‏ذلك من فضل الله علينا‏}‏ إذ جعلنا أنبياء، ‏{‏وعلى الناس‏}‏ إذ جعلنا الرسل إليهم‏.‏ ‏{‏ولكن أكثر الناس لا يشكرون‏}‏ على نعمة التوحيد والإيمان‏.

التفسير الميسّر:

ودخل السجن مع يوسف فَتَيان، قال أحدهما: إني رأيت في المنام أني أعصر عنبًا ليصير خمرًا، وقال الآخر: إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه، أخبرنا -يا يوسف -بتفسير ما رأينا، إنا نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله، ومعاملتهم لخلقه.

تفسير السعدي

أي: { و } لما دخل يوسف السجن، كان في جملة من { دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ } أي: شابان، فرأى كل واحد منهما رؤيا، فقصها على يوسف ليعبرها، .فـ { قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا } وذلك الخبز { تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ } أي: بتفسيره، وما يؤول إليه أمرهما، وقولهما: { إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } أي: من أهل الإحسان إلى الخلق، فأحسن إلينا في تعبيرك لرؤيانا، كما أحسنت إلى غيرنا، فتوسلا ليوسف بإحسانه.


تفسير البغوي

قوله تعالى : ( ودخل معه السجن فتيان ) وهما غلامان كانا [ للريان بن الوليد بن شروان العمليق ] ملك مصر الأكبر ، أحدهما : خبازه وصاحب طعامه ، والآخر : ساقيه وصاحب شرابه . غضب الملك عليهما فحبسهما .

وكان السبب فيه : أن جماعة من أهل مصر أرادوا المكر بالملك واغتياله ، فضمنوا لهذين مالا ليسما الملك في طعامه وشرابه فأجاباهم ، ثم إن الساقي نكل عنه ، وقبل الخباز الرشوة فسم الطعام ، فلما أحضر الطعام والشراب قال الساقي : لا تأكل أيها الملك فإن الطعام مسموم ، وقال الخباز : لا تشرب فإن الشراب مسموم .

فقال الملك للساقي : اشرب فشربه فلم يضره ، وقال للخباز : كل من طعامك ، [ فأبى فجرب ] ذلك الطعام على دابة فأكلته فهلكت ، فأمر الملك بحبسهما .

وكان يوسف حين دخل السجن جعل ينشر علمه ويقول : إني أعبر الأحلام ، فقال أحد الفتيين لصاحبه : هلم فلنجرب هذا العبد العبراني ، فتراءيا له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا ، قال ابن مسعود : ما رأيا شيئا وإنما تحالما ليجربا يوسف .

وقال قوم : بل كانا رأيا حقيقة ، فرآهما يوسف وهما مهمومان ، فسألهما عن شأنهما ، فذكرا أنهما صاحبا الملك ، حبسهما ، وقد رأيا رؤيا غمتهما . فقال يوسف : قصا علي ما رأيتما ، فقصا عليه .

( قال أحدهما ) وهو صاحب الشراب ( إني أراني أعصر خمرا ) أي : عنبا ، سمى العنب خمرا باسم ما يئول إليه ، كما يقال : فلان يطبخ الآجر أي : يطبخ اللبن للآجر . وقيل : الخمر العنب بلغة عمان ، وذلك أنه قال : إني رأيت كأني في بستان ، فإذا بأصل حبلة عليها ثلاث عناقيد من عنب فجنيتها ، وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه .

( وقال الآخر ) وهو الخباز : ( إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ) وذلك أنه قال : إني رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الأطعمة ، وسباع الطير تنهش منه . ( نبئنا بتأويله ) أخبرنا بتفسيره وتعبيره وما يئول إليه أمر هذه الرؤيا .

( إنا نراك من المحسنين ) أي : العالمين بعبارة الرؤيا ، والإحسان بمعنى العلم .

وروي أن الضحاك بن مزاحم سئل عن قوله : ( إنا نراك من المحسنين ) ما كان إحسانه ؟ قال : كان إذا مرض إنسان في السجن عاده وقام عليه ، وإذا ضاق [ عليه المجلس ] وسع له ، وإذا احتاج جمع له شيئا ، وكان مع هذا يجتهد في العبادة ، ويقوم الليل كله للصلاة .

وقيل : إنه لما دخل السجن وجد فيه قوما اشتد بلاؤهم وانقطع رجاؤهم وطال حزنهم ، فجعل يسليهم ويقول : أبشروا واصبروا تؤجروا ، فيقولون : بارك الله فيك يا فتى ، ما أحسن وجهك وخلقك وحديثك ، لقد بورك لنا في جوارك فمن أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف بن صفي الله يعقوب بن ذبيح الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم فقال له عامل السجن : يا فتى ، والله لو استطعت لخليت سبيلك ، ولكن سأحسن جوارك فتمكن في أي بيوت السجن شئت .

ويروى أن الفتيين لما رأيا يوسف قالا له : لقد أحببناك حين رأيناك ، فقال لهما يوسف : أنشدكما بالله أن لا تحباني ، فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل علي من حبه بلاء ، لقد أحبتني عمتي فدخل علي بلاء ، ثم أحبني أبي فألقيت في الجب ، وأحبتني امرأة العزيز فحبست . فلما قصا عليه الرؤيا كره يوسف أن يعبر لهما ما سألاه لما علم في ذلك من المكروه على أحدهما ، فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره في إظهار المعجزة والدعاء إلى التوحيد .


الإعراب:

(وَدَخَلَ) الواو عاطفة وماض (مَعَهُ) ظرف مكان متعلق بدخل والهاء مضاف إليه (السِّجْنَ) مفعول به مقدم (فَتَيانِ) فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى والجملة معطوفة (قالَ أَحَدُهُما) ماض وفاعله والجملة معطوفة والهاء مضاف إليه والجملة مستأنفة (إِنِّي) إن واسمها (أَرانِي) مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والنون للوقاية والياء مفعول به أول (أَعْصِرُ خَمْراً) مضارع ومفعوله وفاعله مستتر والجملة مفعول به ثان لأراني (وَقالَ الْآخَرُ) ماض وفاعله والجملة معطوفة (إِنِّي أَرانِي) إن واسمها وجملة أراني التي سبق إعرابها خبر والجملة مقول القول (أَحْمِلُ) مضارع فاعله مستتر (فَوْقَ) ظرف مكان متعلق بأحمل (رَأْسِي) مضاف إليه والياء مضاف إليه (خُبْزاً) مفعول به (تَأْكُلُ الطَّيْرُ) مضارع وفاعله والجملة صفة لخبز.

(مِنْهُ) متعلقان بتأكل أو بحال محذوفة.

(نَبِّئْنا) أمر ومفعوله وفاعله مستتر والجملة مقول القول (بِتَأْوِيلِهِ) متعلقان بنبئنا (إِنَّا) إن واسمها (نَراكَ) مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والكاف مفعوله وفاعله مستتر والجملة خبر إن والجملة الاسمية تعليل لا محل لها (مِنَ الْمُحْسِنِينَ) متعلقان بنراك

---

Traslation and Transliteration:

Wadakhala maAAahu alssijna fatayani qala ahaduhuma innee aranee aAAsiru khamran waqala alakharu innee aranee ahmilu fawqa rasee khubzan takulu alttayru minhu nabbina bitaweelihi inna naraka mina almuhsineena

بيانات السورة

اسم السورة سورة يوسف (Yusuf - Joseph)
ترتيبها 12
عدد آياتها 111
عدد كلماتها 1795
عدد حروفها 7125
معنى اسمها (يُوسُفُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ بِنُ يعقُوبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، ابنُ ثلاثةِ أنْبِيَاءَ، ويُوصَفُ بأنَّه الكَريمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ
سبب تسميتها أنَّ السُّورةَ كُلَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ قِصَّةِ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَسُمِّيَت بِهِ
أسماؤها الأخرى لَا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام)
مقاصدها ذِكْرُ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام كَامِلَةً لِتَكُونَ زَادًا لِلدُّعَاةِ إِلى اللهِ تَعَالَى
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، فَعَنْ سَعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُنزِل القرآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَلَا عَلَيهِم زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَو قَصَصْتَ عَلَينَا، فَأنزَلَ اللهُ: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ حِبَّان)
فضلها هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام وَأَهَمِيَّتِها، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ ...١١١﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام): خَاطَبَ اللهُ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَاخِرِ (هُودٍعليه السلام): فَقَالَ: ﴿وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ ...١٢٠﴾، فَكَانَ مِمَّا ثَبَّتَ بِهِ فُؤَادَهُ ﷺ قِصَّةُ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَقَالَ: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!