«ثم بدا» ظهر «لهم من بعد ما رأوا الآيات» الدالات على براءة يوسف أن يسجنوه دل على هذا «ليسجننه حتى» إلى «حين» ينقطع فيه كلام الناس فسجن.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْ فَلا تَعْقِلُونَ (109) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
اعلم أن جميع هذا القصص إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها لنا معبرا ، لذلك قال تعالى «لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ» فإن اللب يحجب بصورة القشر ، فلا يعلم اللب إلا من علم أن ثم لبا ، ولولا ذلك ما كسر القشر ، فيكون هذا القصص يذكرك بما فيك «ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .
(13) سورة الرّعد مدنيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(111) كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار - الفتوحات ج 3 /
471 - كتاب الإسفار
يقول تعالى : ثم ظهر لهم من المصلحة فيما رأوه أنهم يسجنونه إلى حين ، أي : إلى مدة ، وذلك بعد ما عرفوا براءته ، وظهرت الآيات - وهي الأدلة - على صدقه في عفته ونزاهته . فكأنهم - والله أعلم - إنما سجنوه لما شاع الحديث إيهاما أن هذا راودها عن نفسها ، وأنهم سجنوه على ذلك . ولهذا لما طلبه الملك الكبير في آخر المدة ، امتنع من الخروج حتى تتبين براءته مما نسب إليه من الخيانة ، فلما تقرر ذلك خرج وهو نقي العرض ، صلوات الله عليه وسلامه .
وذكر السدي : أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقه ، ويبرأ عرضه فيفضحها .
فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى {ثم بدا لهم} أي ظهر للعزيز وأهل مشورته {من بعد أن رأوا الآيات} أي علامات براءة يوسف - من قد القميص من دبر؛ وشهادة الشاهد، وحز الأيدي، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف : أن يسجنوه كتمانا للقصة ألا تشيع في العامة، وللحيلولة بينه وبينها. وقيل : هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم؛ والأول أصح. قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات} قال : القميص من الآيات، وشهادة الشاهد من الآيات، وقطع الأيدي من الآيات، وإعظام النساء إياه من الآيات. وقيل : ألجأها الخجل من الناس، والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب، لتشتفي إذا منعت من نظره، قال : وما صبابة مشتاق على أمل ** من اللقاء كمشتاق بلا أمل أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه. الثانية: قوله تعالى {ليَسْجُنُنه} {يُسْجُنُنه} في موضع الفاعل؛ أي ظهر لهم أن يسجنوه؛ هذا قول سيبويه. قال المبرد : وهذا غلط؛ لا يكون الفاعل جملة، ولكن الفاعل ما دل عليه {بدا} وهو مصدر؛ أي بدا لهم بداء؛ فحذف لأن الفعل يدل عليه؛ كما قال الشاعر : وحقَّ لمن أبو موسى أبوه ** يوفِّقه الذي نصب الجبالا أي وحق الحق، فحذف. وقيل : المعنى ثم بدا لهم رأي لم يكونوا يعرفونه؛ وحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه، وحذف أيضا القول؛ أي قالوا : ليسجننه، واللام جواب ليمين مضمر؛ قاله الفراء، وهو فعل مذكر لا فعل مؤنث؛ ولو كان فعلا مؤنثا لكان يسجنانه؛ ويدل على هذا قوله {لهم} ولم يقل لهن، فكأنه أخبر عن النسوة وأعوانهن فغلب المذكر؛ قاله أبو علي. وقال السدي : كان سبب حبس يوسف أن امرأة العزيز شكت إليه أنه شهرها ونشر خبرها؛ فالضمير على هذا في {لهم} للملك. الثالثة: قوله تعالى {حتى حين} أي إلى مدة غير معلومة؛ قاله كثير من المفسرين. وقال ابن عباس : إلى انقطاع ما شاع في المدينة. وقال سعيد بن جبير : إلى ستة أشهر. وحكى الكيا أنه عَنَى ثلاثة عشر شهرا. عكرمة : تسع سنين. الكلبي : خمس سنين. مقاتل : سبع. وقد مضى في [البقرة] القول في الحين وما يرتبط به من الأحكام. وقال وهب : أقام في السجن اثنتي عشرة سنة. و {حتى} بمعنى إلى؛ كقوله {حتى مطلع الفجر} [
القدر : 5]. وجعل الله الحبس تطهيرا ليوسف صلى الله عليه وسلم من همه بالمرأة. وكأن العزيز - وإن عرف براءة يوسف - أطاع المرأة في سجن يوسف. قال ابن عباس : عثر يوسف ثلاث عثرات : حين هم بها فسجن، وحين قال للفتى {اذكرني عند ربك} [
يوسف : 42] فلبث في السجن بضع سنين، وحين قال لإخوته {إنكم لسارقون}[
يوسف : 70] فقالوا {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}. [
يوسف : 77]. الرابعة: أكره يوسف عليه السلام على الفاحشة بالسجن، وأقام خمسة أعوام، وما رضي بذلك لعظيم منزلته وشريف قدره؛ ولو أكره رجل بالسجن على الزنى ما جاز له إجماعا. فإن أكره بالضرب فقد اختلف فيه العلماء، والصحيح أنه إذا كان فادحا فإنه يسقط عنه إثم الزنى وحده. وقد قال بعض علمائنا : إنه لا يسقط عنه الحد، وهو ضعيف؛ فإن الله تعالى لا يجمع على عبده العذابين، ولا يصرفه بين بلاءين؛ فإنه من أعظم الحرج في الدين. {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [
الحج : 78]. وسيأتي بيان هذا في [النحل] إن شاء الله. وصبر يوسف، واستعاذ به من الكيد، فاستجاب له على ما تقدم.
ثم ظهر للعزيز وأصحابه -من بعد ما رأوا الأدلة على براءة يوسف وعفته- أن يسجنوه إلى زمن يطول أو يقصر؛ منعًا للفضيحة.
{ بَدَا لَهُمْ } أي: ظهر لهم { مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ } الدالة على براءته، { لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ } أي: لينقطع بذلك الخبر ويتناساه الناس، فإن الشيء إذا شاع لم يزل يذكر ويشاع مع وجود أسبابه، فإذا عدمت أسبابه نسي، فرأوا أن هذا مصلحة لهم، فأدخلوه في السجن.
( ثم بدا لهم ) أي : للعزيز وأصحابه في الرأي ، وذلك أنهم أرادوا أن يقتصروا من أمر يوسف على الأمر بالإعراض . ثم بدا لهم أن يحبسوه . ( من بعد ما رأوا الآيات ) الدالة على براءة يوسف من قد القميص ، وكلام الطفل ، وقطع النساء أيديهن ، وذهاب عقولهن ( ليسجننه حتى حين ) إلى مدة يرون فيه رأيهم .
وقال عطاء : إلى أن تنقطع مقالة الناس .
قال عكرمة : سبع سنين .
وقال الكلبي : خمس سنين .
قال السدي : وذلك أن المرأة قالت لزوجها : إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس ، يخبرهم أني راودته عن نفسه ، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس ، وإما أن تحبسه ، فحبسه ، وذكر أن الله تعالى جعل ذلك الحبس تطهيرا ليوسف عليه السلام من همه بالمرأة .
قال ابن عباس : عثر يوسف ثلاث عثرات : حين هم بها فسجن ، وحين قال " اذكرني عند ربك " فلبث في السجن بضع سنين ، وحين قال للإخوة " إنكم لسارقون " ، فقالوا : " إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل " .
(ثُمَّ) عاطفة (بَدا) ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر (لَهُمْ) متعلقان ببدا (مِنْ بَعْدِ) متعلقان ببدا (ما) مصدرية (رَأَوُا) ماض والواو فاعله وما بعدها في تأويل المصدر في محل جر مضاف إليه (الْآياتِ) مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم (لَيَسْجُنُنَّهُ) اللام واقعة في جواب قسم محذوف ويسجننه مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والهاء مفعوله وواو الجماعة المحذوفة فاعله والجملة فاعل بدا (حَتَّى) حرف غاية وجر (حِينٍ) مجرور بحتى ومتعلقان بيسجننه.
Traslation and Transliteration:
Thumma bada lahum min baAAdi ma raawoo alayati layasjununnahu hatta heenin
And it seemed good to them (the men-folk) after they had seen the signs (of his innocence) to imprison him for a time.
Sonra onun suçsuzluğuna dair bunca deliller görmekle beraber gene de bir müddet hapsedilmesini muvafık bir tedbir saydılar.
Puis, après qu'ils eurent vu les preuves (de son innocence), il leur sembla qu'ils devaient l'emprisonner pour un temps.
Danach ging es ihnen auf, nachdem sie die Ayat gesehen hatten, daß sie ihn doch für eine Weile ins Gefängnis schicken.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة يوسف (Yusuf - Joseph) |
ترتيبها |
12 |
عدد آياتها |
111 |
عدد كلماتها |
1795 |
عدد حروفها |
7125 |
معنى اسمها |
(يُوسُفُ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ يُوسُفُ بِنُ يعقُوبَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، ابنُ ثلاثةِ أنْبِيَاءَ، ويُوصَفُ بأنَّه الكَريمُ ابنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ |
سبب تسميتها |
أنَّ السُّورةَ كُلَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ قِصَّةِ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَسُمِّيَت بِهِ |
أسماؤها الأخرى |
لَا يُعْرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) |
مقاصدها |
ذِكْرُ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام كَامِلَةً لِتَكُونَ زَادًا لِلدُّعَاةِ إِلى اللهِ تَعَالَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، فَعَنْ سَعدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ: «أُنزِل القرآنُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَلَا عَلَيهِم زَمَانًا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَو قَصَصْتَ عَلَينَا، فَأنزَلَ اللهُ: ﴿الٓرۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ١﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ ابنُ حِبَّان) |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) بِآخِرِهَا:
الحَدِيثُ عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عليه السلام وَأَهَمِيَّتِها، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾،
وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا:
﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ ...١١١﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (يُوسُفَ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام):
خَاطَبَ اللهُ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَوَاخِرِ (هُودٍعليه السلام): فَقَالَ: ﴿وَكُلّٗا نَّقُصُّ عَلَيۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَۚ ...١٢٠﴾، فَكَانَ مِمَّا ثَبَّتَ بِهِ فُؤَادَهُ ﷺ قِصَّةُ (يُوسُفَ عليه السلام)؛ فَقَالَ: ﴿نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ ...٣﴾. |