المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة التوبة: [الآية 61]
سورة التوبة | ||
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
«فَإِنْ تَوَلَّوْا» عما دعوتموهم إليه «فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» أي في اللّه الكفاية يكفيني أمرهم
[ توحيد الاستكفاء ]
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ» وهذا هو التوحيد الحادي عشر ، وهو توحيد الاستكفاء ، وهو من توحيد الهوية لما قال تعالى : «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» فأحالنا علينا بأمره فبادرنا لامتثال أمره ، فمنا من قال التعاون على البر والتقوى أن يرد كل واحد صاحبه إلى ربه في ذلك ، ويستكفي به فيما كلفه ،
وهو قوله : (واستعينوا بالله) خطاب تحقيق «عليه توكلت» التوكل اعتماد القلب على اللّه تعالى مع عدم الاضطراب عند فقد الأسباب الموضوعة في العالم ، التي من شأن النفوس أن تركن إليها ، فإن اضطرب فليس بمتوكل ، وهو من صفات المؤمنين «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ»
فإذا كان رب العرش والعرش محيط بعالم الأجسام وأنت من حيث جسميتك أقل الأجسام فاستكف باللّه ، الذي هو رب مثل هذا العرش ، ومن كان اللّه حسبه انقلب بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسه سوء ، وجاء في ذلك بما يرضي اللّه ، واللّه ذو فضل عظيم على من جعله حسبه .
(10) سورة يونس مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(129) الفتوحات ج 2 / 409 ، 199 ، 409تفسير ابن كثير:
يقول تعالى : ومن المنافقين قوم يؤذون رسول - الله - صلى الله عليه وسلم - بالكلام فيه ويقولون : ( هو أذن ) أي : من قال له شيئا صدقه ، ومن حدثه فينا صدقه ، فإذا جئنا وحلفنا له صدقنا . روي معناه عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . قال الله تعالى : ( قل أذن خير لكم ) أي : هو أذن خير ، يعرف الصادق من الكاذب ، ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) أي : ويصدق المؤمنين ، ( ورحمة للذين آمنوا منكم ) أي : وهو حجة على الكافرين ؛ ولهذا قال : ( والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) .
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
أي: ومن هؤلاء المنافقين {الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} بالأقوال الردية، والعيب له ولدينه، {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} أي: لا يبالون بما يقولون من الأذية للنبي، ويقولون: إذا بلغه عنا بعض ذلك، جئنا نعتذر إليه، فيقبل منا، لأنه أذن، أي: يقبل كل ما يقال له، لا يميز بين صادق وكاذب، وقصدهم ـ قبحهم اللّه ـ فيما بينهم، أنهم غير مكترثين بذلك، ولا مهتمين به، لأنه إذا لم يبلغه فهذا مطلوبهم، وإن بلغه اكتفوا بمجرد الاعتذار الباطل.
فأساءوا كل الإساءة من أوجه كثيرة، أعظمها أذية نبيهم الذي جاء لهدايتهم، وإخراجهم من الشقاء والهلاك إلى الهدى والسعادة.
ومنها: عدم اهتمامهم أيضًا بذلك، وهو قدر زائد على مجرد الأذية.
ومنها: قدحهم في عقل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعدم إدراكه وتفريقه بين الصادق والكاذب، وهو أكمل الخلق عقلا، وأتمهم إدراكا، وأثقبهم رأيا وبصيرة، ولهذا قال تعالى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} أي: يقبل من قال له خيرا وصدقا.
وأما إعراضه وعدم تعنيفه لكثير من المنافقين المعتذرين بالأعذار الكذب، فلسعة خلقه، وعدم اهتمامه بشأنهم ، وامتثاله لأمر اللّه في قوله: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ}
وأما حقيقة ما في قلبه ورأيه، فقال عنه: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} الصادقين المصدقين، ويعلم الصادق من الكاذب، وإن كان كثيرا ما يعرض عن الذين يعرف كذبهم وعدم صدقهم، {وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} فإنهم به يهتدون، وبأخلاقه يقتدون.
وأما غير المؤمنين فإنهم لم يقبلوا هذه الرحمة بل ردوها، فخسروا دنياهم وآخرتهم، {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ} بالقول أو الفعل {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الدنيا والآخرة، ومن العذاب الأليم أنه يتحتم قتل مؤذيه وشاتمه.
تفسير البغوي
( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ) نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقولون ما لا ينبغي ، فقال بعضهم : لا تفعلوا ، فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا . فقال الجلاس بن سويد منهم : بل نقول ما شئنا ، ثم نأتيه فننكر ما قلنا ، ونحلف فيصدقنا بما نقول ، فإنما محمد أذن أي : أذن سامعة ، يقال : فلان أذن وأذنة على وزن فعلة إذا كان يسمع كل ما قيل له ويقبله . وأصله من أذن يأذن أذنا أي : استمع . وقيل : هو أذن أي : ذو أذن سامعة .
وقال محمد بن إسحاق بن يسار : نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحارث ، وكان رجلا أذلم ، ثائر شعر الرأس ، أحمر العينين ، أسفع الخدين ، مشوه الخلقة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث " ، وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين ، فقيل له : لا تفعل ، فقال : إنما محمد أذن فمن حدثه شيئا صدقه ، فنقول ما شئنا ، ثم نأتيه ونحلف بالله فيصدقنا . فأنزل الله تعالى هذه الآية .
قوله تعالى : ( قل أذن خير لكم ) قرأه العامة بالإضافة ، أي : مستمع خير وصلاح لكم ، لا مستمع شر وفساد . وقرأ الأعمش والبرجمي عن أبي بكر : " أذن خير لكم " مرفوعين منونين ، يعني : أن يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل قولكم ، ثم كذبهم فقال : ( يؤمن بالله ) أي : لا بل يؤمن بالله ، ( ويؤمن للمؤمنين ) أي : يصدق المؤمنين ويقبل منهم لا من المنافقين . يقال : أمنته وأمنت له بمعنى صدقته . ( ورحمة ) قرأ حمزة : " ورحمة " بالخفض على معنى أذن خير لكم ، وأذن رحمة ، وقرأ الآخرون : " ورحمة " بالرفع ، أي : هو أذن خير ، وهو رحمة ( للذين آمنوا منكم ) لأنه كان سبب إيمان المؤمنين . ( والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) .
الإعراب:
(وَمِنْهُمُ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر، والواو استئنافية.
(الَّذِينَ) اسم موصول في محل رفع مبتدأ.
(يُؤْذُونَ) فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل.
(النَّبِيَّ) مفعول به. والجملة صلة الموصول.
(وَيَقُولُونَ) الجملة معطوفة.
(هُوَ) ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.
(أُذُنٌ) خبر، والجملة مقول القول.
(قُلْ) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.
(أُذُنٌ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أذن خير، وخير مضاف إليه، والجملة مقول القول كذلك. وجملة قل هو أذن.. مستأنفة.
(لَكُمْ) متعلقان بخير قبلهما.
(يُؤْمِنُ بِاللَّهِ) مضارع تعلق به الجار والمجرور بعده، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، والجملة في محل رفع صفة أذن. وجملة (يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) معطوفة.
(وَرَحْمَةٌ) عطف على أذن.
(لِلَّذِينَ) متعلقان برحمة.
(آمَنُوا) الجملة صلة (مِنْكُمْ) متعلقان بمحذوف حال.
(وَالَّذِينَ) اسم موصول في محل رفع مبتدأ، والواو للاستئناف.
(يُؤْذُونَ) مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل.
(رَسُولَ) مفعول به.
(اللَّهِ) لفظ الجلالة مضاف إليه والجملة صلة الموصول.
(لَهُمْ) متعلقان بمحذوف خبر مقدم.
(عَذابٌ) مبتدأ.
(أَلِيمٌ) صفة. والجملة الاسمية في محل رفع خبر المبتدأ.