المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (30)]
(صحيح مسلم) - [الحديث رقم: (30)]
و حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا و قَالَ الْآخَرَانِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ
;فِيهِ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُسَيَّب بِفَتْحِ الْيَاء عَلَى الْمَشْهُور وَقِيلَ : بِكَسْرِهَا. وَفِيهِ أَحْمَد اِبْن عَبْدَة بِإِسْكَانِ الْبَاء. قَوْله : ( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَمَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَاله وَنَفْسه إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابه عَلَى اللَّه ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : مَعْلُوم أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا أَهْل الْأَوْثَان دُون أَهْل الْكِتَاب لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ثُمَّ يُقَاتِلُونَ , وَلَا يُرْفَع عَنْهُمْ السَّيْف. قَالَ : وَمَعْنَى وَحِسَابه عَلَى اللَّه أَيْ فِيمَا يَسْتَسِرّون بِهِ وَيُخْفُونَهُ دُون مَا يَخْلُونَ بِهِ فِي الظَّاهِر مِنْ الْأَحْكَام الْوَاجِبَة قَالَ : فَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَظْهَر الْإِسْلَام , وَأَسَرَّ الْكُفْر , قُبِلَ إِسْلَامه فِي الظَّاهِر. وَهَذَا قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء. وَذَهَبَ مَالِك إِلَى أَنَّ تَوْبَة الزِّنْدِيق لَا تُقْبَل , وَيُحْكَى ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا. هَذَا كَلَام الْخَطَّابِيّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاض مَعْنَى هَذَا , وَزَادَ عَلَيْهِ وَأَوْضَحَهُ فَقَالَ : اِخْتِصَاص عِصْمَة الْمَال وَالنَّفْس بِمَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه تَعْبِير عَنْ الْإِجَابَة إِلَى الْإِيمَان , وَأَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا مُشْرِكُو الْعَرَب وَأَهْل الْأَوْثَان وَمَنْ لَا يُوَحِّد. وَهُمْ كَانُوا أَوَّل مَنْ دُعِيَ إِلَى الْإِسْلَام وَقُوتِلَ عَلَيْهِ. فَأَمَّا غَيْرهمْ مِمَّنْ يُقِرّ بِالتَّوْحِيدِ فَلَا يَكْتَفِي فِي عِصْمَته بِقَوْلِهِ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه إِذْ كَانَ يَقُولهَا فِي كُفْره , وَهِيَ مِنْ اِعْتِقَاده , فَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخَر : "" وَأَنِّي رَسُول اللَّه , وَيُقِيم الصَّلَاة , وَيُؤْتِي الزَّكَاة "" هَذَا كَلَام الْقَاضِي. قُلْت وَلَا بُدّ مَعَ هَذَا مِنْ الْإِيمَان بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَأَبِي هُرَيْرَة هِيَ مَذْكُورَة فِي الْكِتَاب : "" حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْت بِهِ "" وَاللَّهُ أَعْلَم. قُلْت اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي قَبُول تَوْبَة الزِّنْدِيق هُوَ الَّذِي يُنْكِر الشَّرْع جُمْلَة فَذَكَرُوا فِيهِ خَمْسَة أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا أَصَحّهَا وَالْأَصْوَب مِنْهَا قَبُولهَا مُطْلَقًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمُطْلَقَة. وَالثَّانِي : لَا تُقْبَل وَيَتَحَتَّم قَتْله , لَكِنَّهُ إِنْ صَدَقَ فِي تَوْبَته نَفَعَهُ ذَلِكَ فِي الدَّار الْآخِرَة وَكَانَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة. وَالثَّالِث : إِنْ تَابَ مَرَّة وَاحِدَة قُبِلَتْ تَوْبَته , فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَل. وَالرَّابِع : إِنْ أَسْلَمَ اِبْتِدَاء مِنْ غَيْر طَلَب قُبِلَ مِنْهُ , وَإِنْ كَانَ تَحْت السَّيْف فَلَا. وَالْخَامِس : إِنْ كَانَ دَاعِيًا إِلَى الضَّلَال لَمْ يُقْبَل مِنْهُ , وَإِلَّا قُبِلَ مِنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَم. قَوْله رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : ( وَاَللَّه لَأُقَاتِلَنّ مَنْ فَرَّقَ بَيْن الصَّلَاة وَالزَّكَاة ) ضَبْطنَا بِوَجْهَيْنِ فَرَقَ وَفَرَّقَ بِتَشْدِيدِ الرَّاء وَتَخْفِيفهَا وَمَعْنَاهُ مَنْ أَطَاعَ فِي الصَّلَاة وَجَحَدَ الزَّكَاة أَوْ مَنَعَهَا. وَفِيهِ جَوَاز الْحَلِف وَإِنْ كَانَ فِي غَيْر مَجْلِس الْحَاكِم , وَأَنَّهُ لَيْسَ مَكْرُوهًا إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ مِنْ تَفْخِيم أَمْر وَنَحْوه.



