المكتبة الأكبرية: موسوعة الحديث الشريف: (صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (103)]
(صحيح البخاري) - [الحديث رقم: (103)]
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ قَالَ سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجْ النَّارَ
قَوْله : ( مَنْصُور ) هُوَ اِبْن الْمُعْتَمِر الْكُوفِيّ , وَهُوَ تَابِعِيّ صَغِير , وَرِبْعِيّ بِكَسْرِ أَوَّله وَإِسْكَان الْمُوَحَّدَة , وَأَبُوهُ حِرَاش بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة أَوَّله وَهُوَ مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ. قَوْله : ( سَمِعْت عَلِيًّا ) هُوَ اِبْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ. قَوْله : ( لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ ) هُوَ عَامّ فِي كُلّ كَاذِب , مُطْلَق فِي كُلّ نَوْع مِنْ الْكَذِب , وَمَعْنَاهُ لَا تَنْسِبُوا الْكَذِب إِلَيَّ. وَلَا مَفْهُوم لِقَوْلِهِ : "" عَلَيَّ "" لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّر أَنْ يُكْذَب لَهُ لِنَهْيِهِ عَنْ مُطْلَق الْكَذِب. وَقَدْ اِغْتَرَّ قَوْم مِنْ الْجَهَلَة فَوَضَعُوا أَحَادِيث فِي التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب وَقَالُوا : نَحْنُ لَمْ نَكْذِب عَلَيْهِ بَلْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَأْيِيدِ شَرِيعَته , وَمَا دَرَوْا أَنَّ تَقْوِيله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ يَقْتَضِي الْكَذِب عَلَى اللَّه تَعَالَى ; لِأَنَّهُ إِثْبَات حُكْم مِنْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة سَوَاء كَانَ فِي الْإِيجَاب أَوْ النَّدْب , وَكَذَا مُقَابِلهمَا وَهُوَ الْحَرَام وَالْمَكْرُوه. وَلَا يُعْتَدّ بِمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنْ الْكَرَامِيَّة حَيْثُ جَوَّزُوا وَضْع الْكَذِب فِي التَّرْغِيب وَالتَّرْهِيب فِي تَثْبِيت مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآن وَالسُّنَّة وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ كَذِب لَهُ لَا عَلَيْهِ , وَهُوَ جَهْل بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّة. وَتَمَسَّكَ بَعْضهمْ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث مِنْ زِيَادَة لَمْ تَثْبُت وَهِيَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود بِلَفْظِ : "" مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ لِيُضِلّ بِهِ النَّاس "" الْحَدِيث , وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَصْله وَإِرْسَاله , وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِم إِرْسَاله , وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ حَدِيث يَعْلَى بْن مُرَّة بِسَنَدٍ ضَعِيف , وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوته فَلَيْسَتْ اللَّام فِيهِ لِلْعِلَّةِ بَلْ لِلصَّيْرُورَةِ كَمَا فُسِّرَ قَوْله تَعَالَى : ( فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا لِيُضِلّ النَّاس ) وَالْمَعْنَى أَنَّ مَآل أَمْره إِلَى الْإِضْلَال , أَوْ هُوَ مِنْ تَخْصِيص بَعْض أَفْرَاد الْعُمُوم بِالذِّكْرِ فَلَا مَفْهُوم لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَة - وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ مِنْ إِمْلَاق ) فَإِنَّ قَتْل الْأَوْلَاد وَمُضَاعَفَة الرِّبَا وَالْإِضْلَال فِي هَذِهِ الْآيَات إِنَّمَا هُوَ لِتَأْكِيدِ الْأَمْر فِيهَا لَا لِاخْتِصَاصِ الْحُكْم. قَوْله : ( فَلْيَلِجْ النَّار ) جَعَلَ الْأَمْر بِالْوُلُوجِ مُسَبَّبًا عَنْ الْكَذِب ; لِأَنَّ لَازِم الْأَمْر الْإِلْزَام وَالْإِلْزَام بِوُلُوجِ النَّار سَبَبه الْكَذِب عَلَيْهِ أَوْ هُوَ بِلَفْظِ الْأَمْر وَمَعْنَاهُ الْخَبَر , وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة مُسْلِم مِنْ طَرِيق غُنْدَر عَنْ شُعْبَة بِلَفْظِ "" مَنْ يَكْذِب عَلَيَّ يَلِج النَّار "" وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيق شَرِيك عَنْ مَنْصُور قَالَ : "" الْكَذِب عَلَيَّ يُولِج - أَيْ : يُدْخِل - النَّار "".