موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


بمنصب كاتبٍ في الديوان كما ذكر ابن العبّار في "التكملة".[1] ولكن محمداً لم يكن يتجه بهذا الاتجاه، وكأن مستقبلاً آخراً، أكثر إشراقاً وأكثر سعادةً في الدنيا وفي الآخرة، كان يُرسم له من حيث لا يدري، وهو التصوُّف والزهد والتفرُّغ لعبادة الله سبحانه وتعالى.

وكما رأينا أعلاه فإنّ ميول محمّد كانت منذ فترة طفولته تتّجه نحو أهل الله من الفقراء والعبّاد وكان يدافع عنهم ويؤويهم. ومع مصاحبته لهؤلاء الفقراء أمثال عبد الله القطّان وصحبته لمحمد الخيّاط الذي دخل طريق التصوّف أيضاً فكان مثالا لأخيه أحمد ولمحمد ابن العربي.

ولكن، على الرغم من ميوله المبكّر إلى طريق التصوّف، لا نعرف على وجه التحديد متى دخل الشيخ محي الدين فعليّا في هذا الطريق ولا كيفيّة ذلك. وعلى الرغم مما توحيه بعض القصص حوله وحتّى بعض أقواله في الفتوحات والمكية وغيرها، فإن ابن العربي لم يتحوّل إلى التصوف بشكل مفاجئ عن طريق ما يُعرف بالجذبة بعد فراره من حفلة مجون كان يُقدَّم فيها الخمر، كما يقول بعض الرواة. فحتى لو كانت هذه القصة صحيحة فهذا لا يعارض أن الشيخ كان كثيراً ما تراوده الرغبة في الزهد والعزلة مع نفسه ولكنه ربّما تردد قليلا قبل أن يُقدِم على مثل هذه الخطوة الجريئة. ومثل هذا التردّد أمرٌ طبيعيٌّ لأن الإنسان لا يستطيع أن يفارق تعلّقه بالدنيا وملذّاته خاصة وإن كان قد أوتي منها الكثير، فيذكر الإمام أبو حامد الغزالي مثلا أنه بقي سنوات طوالا يتردّد في دخول طريق الله ويعتزل الناس والجاه والمال، إلى أن أقدم على ذلك. صحيح أن الشيخ محي الدين يقول إن فتحه كان نتيجة جذبة كما سنرى بعد قليل، ولكن ذلك كما قلنا لا يعني أنه قد دخل طريق التصوّف بهذا الشكل، بل من المرجّح أنّه كان يتهيّأ إلى ذلك منذ طفولته.

على كلّ حال نحن نعرف من خلال النصوص التي تركها لنا الشيخ محي الدين أن دخوله طريق التصوّف قد حصل قبل أن يتمّ العقد الثاني من عمره، أي قبل سنة 580/1184، كما ذكر هو نفسه في الفتوحات المكية في أثناء حديثه عن بعض المقامات التي ينالها المقرّبون، فقال: "ونلت هذه المقامات في دخولي هذه الطريقة سنة ثمانين وخمسمائة في مدة يسيرة."[2] وقد حصل ذلك أيضاً بعد وفاة عمّه عبد الله، كما رأينا أعلاه، والذي دخل طريق التصوف وكان عمره ثمانين سنة ثم مات في الثالثة والثمانين من العمر قبل أن يدخل محمد التصوف. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه دخل الطريق في هذه السنة وإنما قد يكون قبل ذلك بقليل. ورغم أنه نال هذه المقامات بسرعة فهذا لا يعني كما قلنا أن دخول ابن العربي الطريق كان نتيجة جذبة، ولكنه وصل للفتح بنتيجة هذه الجذبة، كما سنرى معنى ذلك بعد قليل.



[1] انظر في البحث عن الكبريت الأحمر: ص31. وقد ذكر الشيخ محي الدين في "محاضرة الأبرار" (ج2ص11) أن بعض السلاطين طلبه للولاية، وليس فقط لمنصب كاتب كما يذكر ابن العبّار، ولكننا لا نعرف على وجه التحديد متى حصل ذلك ولا المكان أو البلد أو السلطان؛ فقد يكون سلطان الموحدين يعقوب المنصور الذي التقى به الشيخ محي الدين بعد عودته من فاس، وقد يكون السلطان كيكاوس الذي كان له علاقة حميمة معه، وقد يكون أحد الملوك الأيوبيين في حلب أو في دمشق كما سنرى ذلك لاحقا.

[2] الفتوحات المكية: ج2ص425.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!