موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


في الإسلام وعبر التاريخ في الحضارات المختلفة،[1] ولكن تفسير ابن العربي رضي الله عنه لهذه الرؤية هو تفسير فريد وبديع يصلح أن يكون أساسا لنظرية كونية تستطيع تفسير الكثير من المعضلات الفلسفية والفيزيائية التي نشأت من عدم تكامل النظريات الحديثة مثل النسبية وميكانيك الكم. وهذه الرؤية تعتمد على أساس أن الله سبحانه وتعالى يخلق العالم بشكل مستمر، والعالمُ في كل لحظة، وهي الزمن الفرد أو يوم الشأن، يتردد بين الوجود والعدم؛ فهو في أصله قابع في ظلمة العدم، ثم يخرجه الله إلى نور الوجود بشكل مستمر في كل زمن فرد، شخصاً شخصاً، لا يوجد شخصان معا في نفس الوقت. ونقصد هنا بالوقت الزمن الحقيقي وليس الزمن المشهود، ففي كل لحظة من الزمن الحقيقي هناك فقط جوهر فرد واحد يظهر للوجود ثم يتلوه جوهر غيره وهكذا فيكون العالم المتكثّر هو مجموع صور هذه الجواهر التي تظهر واحدا بعد واحد: حرام على الأدوار شخصان يوجد. فالله واحد، ولا ينتج عن الواحد إلا واحد، ولو نتج عنه الكثرة، فهي بالنظر إلى أحدية الزمن واحد، أي في كل زمن فرد ينتج شخص واحد، بمعنى جوهرٌ واحد أو جزء واحد من أجزاء العالم، ولذلك قال الله تعالى في سورة الرحمن: ((كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [29]))، أي في شأن واحد، واليوم هنا هو الزمن الفرد وهو يعادل لحظة واحدة بالنسبة لنا.

ومعرفة الزمن هي المفتاحُ الأساسيُ لإدراك العالم الروحي وفتح عين البصيرة. يقول ابن العربي في الفتوحات المكية أن علم الزمان هو علم شريف منه يُعرف الأزل ومنه ظهر قوله عليه السلام "كان الله ولا شيء معه"، وهذا علم لا يعلمه إلا الأفراد من الرجال[2] وهو المعبّر عنه بالدهر الأول ودهر الدهور، وعن هذا الأزل وُجد الزمان وبه تسمّى الله بالدهر وهو قوله عليه السلام "لا تسبوا الدهر فإنّ الله هو الدهر".[3]

ومن يتحقّق في معرفة الزمان يخرج حقيقة عن الزمان ويحكم هو على الزمان بدلاً من أن يحكم الزمان عليه؛ فنحن أبناء الزمان لأننا نعيش فيه والمحقق أبو الزمان لأنه يجاريه، فلا تمرّ عليه اللحظات في غفلة أبداً! وهذا معنى قول ابن العربي في هذه القصيدة: أقابل عضّات الزمان، وليس ذلك بالأمر اليسير، ولذلك أضاف: بهمّة تذلّ لها السبع الشداد وتخمد. ولكن يعترف الشيخ رضي الله عنه أنه ليس في ذلك فضل ولا دعوى، بل الفضل من الله تعالى فهو الذي يؤيّده في الثبات على هذه المقامات العالية الرفيعة.

ثم يصرّح الشيخ في بقية القصيدة أن الفتح الذي حصل له، والعلوم التي أتى بها من هذا الفتح، لم يكن عن سلوك طريق المجاهدة كما هي العادة عند الصوفية وإنما عن طريق جذبة كما سنوضح ذلك بالتفصيل في الفصل الثاني إن شاء الله تعالى.



[1] لم يذكر الشيخ محي الدين كلمة "وحدة الوجود" أبدا ولم يقل بها على الشكل المعروف والمتداول، وإنما له رؤية خاصة في ذلك كما سنرى في الفصل السابع والأخير من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

[2] الأفراد فئة من رجال الله خارجين عن دائرة القطب. ...

[3] الفتوحات المكية: ج1ص156-157.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!