موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

كتاب شمس المغرب

سيرة الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ومذهبه

جمع وإعداد: محمد علي حاج يوسف

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


قلنا هو مثل الأشياء وليست الأشياء مثله إذ كان عينها وليست عينه. ويقول الشيخ محي الدين أن هذا من العلم الغريب الذي تغرّب عن وطنه وحيل بينه وبين سكنه، فإن نكرته العقول لأنها معقولة (أي مقيّدة) غير مسرّحة. ولذلك نجد أن الكثيرين ممن انتقدوا الشيخ الأكبر وحتى من الدارسين والمحبين له قد أشكل عليهم بعض أقواله التي تنطلق من هذه المشكاة ومن هذا النوع من النور الذي لا يتميّز إلا لصاحب القلب الذي ألقى السمع وكثيرا ما يقف عندها صاحب العقل لأن عقله يقيّده من قبول هذه المعاني التي قد تفوق طوره مع أنه يمكن أن يعقلها حين يدرسها ويتلقاها بصدر رحب من غير حكم مسبق.

ثمّ يتكلم الشيخ محي الدين رضي الله عنه في هذا الباب البديع عن بقية أنواع الأنوار كأنوار المعاني المجردة عن المواد وأنوار الأرواح والأنوار الطبيعية وأنوار الرياح التي ذكرنا من قبل أنها تجلّت له حين كان في قرطبة كما ذكرنا في الفصل الثاني.[1]

وما أطلنا الشرح في هذا المقام إلا لأهميّته وفائدته العظيمة، وأنه ربما يزيل الغطاء عن بعض القلوب المعاندة ويكشف ظلمة بعض العقول الغافلة، ومن أراد الزيادة فليراجع الباب المذكور من الفتوحات المكية وهو الباب السادس ومائتين.

ويقول الشيخ الأكبر رضي الله عنه في الباب الخامس والأربعين وثلاثمائة "في معرفة منزل سرٍّ صدق فيه بعض العارفين فرأى نوره كيف ينبعث من جوانب ذلك المنزل، وهو من الحضرات المحمدية" أن هذا المنزل من منازل التوحيد والأنوار وقد أدخله الله تعالى هذا المنزل مرتين وصار فيه نوراً كما قال صلّى الله عليه وسلّم في دعائه "واجعلني نوراً". ثم يقول إنه من هذا المنزل علم الفرقان بين الأجسام والأجساد؛ فالأجسام هي هذه المعروفة في العموم لطيفها وشفافها وكثيفها، ما يُرى منها وما لا يُرى، أما الأجساد فهي ما يظهر فيها الأرواح في اليقظة الممثلة في صور الأجسام وما يُدركه النائم في نومه من الصور المشبّهة بالأجسام فيما يعطيه الحسّ وهي في نفسها ليست بالأجسام.

ثم يقول إنه لما أعطي هذا المنزل وأقام فيه سنة إحدى وتسعين وخمسمائة (وكان في فاس) شُبّه له بالماء في النهر إذ لا يتميز فيه صورة معيّنة قبل أن يحصل في الأواني، بل هو عين الماء لا غير، فإذا حصل ما حصل منه في الأواني تعيّن عند ذلك ماءُ الحَبّ من ماء الجرّة من ماء الكوز وظهر فيه شكل إنائه ولون إنائه، فحكمت عليه الأواني بالتجزيء والأشكال مع أننا نعلم أنه هو عين الماء الذي النهر مما لم يظهر فيه شكل، ولكن الفرقان بين الصورتين في ضرب المثل هو أن ماء الأواني إذ فقدت الأواني رجعت إلى النهر الأصلي، وكذلك أنوار المنازل إذا فُقدت المنازل رجعت إلى النور الأصلي، ولكن لمّا أراد الله بقاء هذه الأنوار على ما قبلَته من التمييز خلق لها أجساداً برزخية تميّزت فيها هذه الأرواح عند انتقالها عن هذه الأجسام الدنيوية في النوم وبعد الموت، وخلق لها في الآخرة أجساماً طبيعية كما جعل لها في الدنيا



[1] الفتوحات المكية: ج2ص488.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

هذا الموقع مخصص للطبعة الجديدة من شمس المغرب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!