موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

الذخائر والأعلاق في شرح ترجمان الأشواق

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

تحقيق الدكتور محمد حاج يوسف

 

 


61- القصيدة الحادية والستين وهي تسعة أبيات من البحر الهزج

وقال رضي الله عنه:

1

لَا يَا بَانَة الْوَادِي

***

بِشَاطِي نَهْرِ بَغْدَادِ

2

شَجَانِي فِيكِ مَيَّادٌ،

***

طَرُوبٌ فَوْقَ مَيَّادِ

3

يُذَكِّرُنِي تَرَنُّمُهُ

***

تَرَنُّمَ رَبَّة النَّادِي

4

إِذَا اسْتَوَتْ مَثَالِثُهَا،

***

فَلَا تَذْكُرْ أَخَا الْهَادِي!

5

وَإِنْ جَادَتْ بِنَغْمَتِهَا،

***

فَمَنْ أَنْجِشَة الْحَادِي؟

6

بِذِي الْخَضِمَاتِ مِنْ سَلْمَى

***

يَمِيناً ثُمَّ سِنْدَادِ

7

لَقْدْ أَصْبَحْتُ مَشْغُوفاً

***

بِمَنْ سَكَنَتْ بِأَجْيَادِ

8

غَلِطْنَا إِنَّمَا سَكَنَتْ

***

سُوَيْدَا خِلْبِ أَكْبَادِ

9

لَقَدْ تَاهَ الْجَمَالُ بِهَا،

***

وَفَاحَ الْمِسْكُ وَالْحَادِي

شرح البيتين الأول والثاني:

1

لَا يَا بَانَة الْوَادِي

***

بِشَاطِي نَهْرِ بَغْدَادِ

2

شَجَانِي فِيكِ مَيَّادٌ،

***

طَرُوبٌ فَوْقَ مَيَّادِ

يقول للشجرة المباركة (أي: "البانة") من جانب "الوادي" الطاهر، و"بغداد" منزل الإمام، يريد مقام القطب، وهي شجرة النور، فإنّ دهن البان له أثر في النور، وجعلها بـ"الشاطئ" لأنها أكشف، وجعله "نهراً" لاتساع الرحمة.

وقوله: "شجاني"، يقول: أحزنني "فيك (ميَّادٌ، أي)" طائر، يريد روحا علويا، "طروبٌ"، يقول: مطربا صوته، إلا أنّ المحزون يُبكيه (هذا الصوت)، فهو شجو في حقه، وغناءٌ في حق المسرور. وقوله: "ميَّاد" (الثانية)، يشير إلى النشأة الإنسانية في مقام القيومية.

شرح الأبيات من الثالث إلى الخامس:

ثم قال:

3

يُذَكِّرُنِي تَرَنُّمُهُ

***

تَرَنُّمَ رَبَّة النَّادِي

4

إِذَا اسْتَوَتْ مَثَالِثُهَا،

***

فَلَا تَذْكُرْ أَخَا الْهَادِي

5

وَإِنْ جَادَتْ بِنَغْمَتِهَا،

***

فَمَنْ أَنْجِشَةُ الْحَادِي

يقول: يذكِّرُني بنغمته نغمة سيِّد المجلس، وهي كلُّ حقيقة لها الحكم في عالمها. وقوله: "إذا استوت مثالثها"، (المثالث أو المثلث: آلة ايقاعية عبارة عن قضيب معدني ملتوٍ على هيئة مثلث مفتوح لا يُقبض عليه أثناء العزف، وهو هنا) يعني الجسم؛ وجعله مثالث للطول والعرض والعمق، وقد يريد بالمثالث مراتب الأسماء الثلاثة (الله، الرحمن، الرحيم) التي هي بمنزل الإمامين والقطب.

وقوله "فَمَن أنجشة الحادي": حادٍ كان يحدو في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان يُهلك الإبل بحسن صوته. وقوله "فلا تذكر أخا الهادي": ("الهادي" هو موسى بن المهدي، توفي 170 ه، وأخوه "أخا الهادي") هو (أبو إسحق إبراهيم بن المهدي، توفي سنة 225 ه، وهو) عَمُّ أمير المؤمنين (عبد الله) المأمون (توفي سنة 218 ه)، وكان (أبو إسحق) من أهل الغناء والتلحين، يقول: هي أحسن منه.

شرح الأبيات من السادس إلى التاسع:

ثم يقول:

6

بِذِي الْخَضِمَاتِ مِنْ سَلْمَى

***

يَمِيناً ثُمَّ سِنْدَادِ

7

لَقْدْ أَصْبَحْتُ مَشْغُوفاً

***

بِمَنْ سَكَنَتْ بِأَجْيَادِ

8

غَلِطْنَا إِنَّمَا سَكَنَتْ

***

سُوَيْدَا خِلْبِ أَكْبَادِ

9

لَقَدْ تَاهَ الْجَمَالُ بِهَا،

***

وَفَاحَ الْمِسْكُ وَالْحَادِي

أَقْسَم "بذي الخضمات"، وهو حال عام كليّ جامع. وقوله: "مِن سلمى"، يريد مقام سليمانيا، فأنزله باسم الأنثى لتجانس الغزل والتشبيب. وقوله: "يمينا"، أي قَسَماً، ثم أقسمت بمنازل الملوك. وقوله: "سكنت بأجياد"، إشارة إلى مجاري الأنفاس، أي سكنت مجرى نَفَسي، وهو (أيضاً) موضع بمكة، لكنَّ الإشارة (هنا) إلى أنه جمع "جِيد"، وهو العنق، ثم قال: "بَل مسكنها الكبد"، يقول: هي غِذائي وروحي، لأنّ الغذاء مادة الروح، فلهذا وقع الغلط وجعلها في محلِّ الإمداد لا في محلِّ الاستمداد، أي تُمِدّ ولا تَستمدّ.

وقوله: "لقد تاه"، أي حار، "الجمال" فيها من حسنها، و"فاح المسك والحادي"، أي الذوات الطيبة الريح، إنما يُكسب الطيب من ريحها لطيب نفحتها.



 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!