موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


مطلب في من يريد العروج إلى الجناب الأقدس

فمن أراد العروج إلى الجناب الأقدس ولم يرق في المعراج الذي نصبته الرسل صلوات اللّه عليهم فقد ضل سواء السبيل، فلا يصل أحد إلى اللّه إلا من الطريق الذي شرعه بواسطة الرسل صلوات اللّه عليهم. مطلب في بيان من رقي المعراج المشروع ووصل إلى غايته

وإذا وصل الراقي في المعراج المشروع ووصل إلى غايته فشاهد الأمر على ما هو عليه في نفسه، علم أنه ما رحل من وطنه وما انتقل من مسكنه لأنه على حالة واحدة من الأزل إلى الأبد، وما كان تنزله إلا بحسب الشعور بالمراتب، وما كان ترقيه إلا بالغفلة عنها، وهو على حالة واحدة ما انتقل عنها إلى غيرها، ولا انتقل غيره إليه، وذلك أنه لما أراد التنزل في أول الأمر إلى نشأة العقل، كان تنزله إليها عبارة عن شعوره بها لأنه لما شعر بها وشعوره عينه وعين ما شعر به انصبغت ذاته عنده بها فظهر عند نفسه بصورتها، لا أنها انتقلت إليه وقامت به، أو هو انتقل إليها ولبسها، ثم إن ذاته الظاهرة بصورة العقل عنده لما شعرت بنشأة النفس انصبغت بها، ولهذا

يقول الشيخ رضي اللّه عنه: إن النفس خاطر من خواطر العقل، وهكذا إلى آخر التنزلات، ولما أراد الترقي إلى حقيقته الإطلاقية وكانت مراتب شعوراته قد حكمت عليه، أخذ في تعطيل مداركه ومشاعره بإجماعها، واستعان على ذلك بالمجاهدة والرياضة الشرعية، وعلق شعوره وإدراكه بحقيقته المطلقة فقط، وأعرض عن كل ما عداها، فلما تعطلت مراتب شعوره انعدمت هذه النشأة التي ظهر فيها عند نفسه عنده، فعندما وصل إلى حقيقته الإطلاقية علم أنه كان ولا شيء من هذه النشآت، وهو الآن على ما عليه كان، وعلم أن تنزله إلى جميع النشآت وتقيده بها إنما كان بالنسبة إلى شعوره وإدراكه لا غير، وإن ذلك لا يحجبه عن شهود حقيقته لأنها ثابتة في نفس الأمر، والشيء لا يغفل عن نفسه إلا إذا اشتغل بغيره، بل لا يغفل عن نفسه أصلا لأن اشتغاله بغيره إنما هو من نفسه بنفسه في نفسه، فهو مثل الذي يعلم ولا يعلم أنه يعلم، فلما علم ما قلناه وكان قد شهد في تلك النشآت ما لم يشهده من حقيقته إلا بواسطتها، علم أن الرجوع إليها أكمل والعود إليها أتم، فأخذ يلبس الثياب التي خلعها مرة ثانية لكن لا على الوجه الذي لبسها أول مرة لأنه لما خلعها ما رفعها عن نفسه إلا من أذيالها، فصارت ظواهرها بواطنها وبواطنها ظواهرها، فلما لبسها في المرة الثانية لم يقبلها حتى تعود إلى حالها الأول بل لبسها

كذلك، فصورة اللبس الأول حق ظهر بخلق، باطنه حق وظاهره خلق، وفي صورة اللبس الثاني خلق ظهر بحق، باطنه خلق وظاهره حق، فلما نزل إلى بني نوعه بهذه الصورة أنشد رضي اللّه عنه:

جلّ الإله الحق أن يبدو لنا * فردا وعيني ظاهر وبقائي

لو كان ذاك لكان فردا طالبا * متحسسا متجسسا لثنائي

هذا محال فليصحّ وجوده * في غيبه في عينه وفنائي

فمتى ظهرت إليكم أخفيته * إخفاء عين الشمس في الأنواء

فالناظرون يرون نصب عيونهم * سحبا تصرفها يد الأهواء

والشمس خلف الغيم تبدي نورها * للسحب والإبصار في الظلماء

فتقول قد بخلت عليّ وإنها * مشغولة بتحلل الأجزاء

لتجود بالمطر الغزير على الثرى * من غير ما نصب ولا اعياء

وكذاك عند شروقها في نورها * تمحو طوالع نجم كل سماء

فإذا مضت بعد الغروب بساعة * ظهرت لعينك أنجم الجوزاء

هذا لمنتها وذاك لحبها * في ذاتها وتقول من رداء

فخفاؤه من أجلنا وظهوره * من أجله والرمز في أولياء

كخفائنا من أجله وظهورنا * من أجلنا فسناه عين ضياء

ثم التقت بالعكس رمزا ثانيا * جلت عوارفه عن الإحصاء

فكأننا سيان في أعياننا * كصفا الزجاجة في صفا الصهباء

فالعلم يشهد مخلصين تكلفا * والعين تعطي واحدا للرائي

فالروح ملتذ بمبدع ذاته * وبذاته من جانب الأكفاء

والحس ملتذ برؤية ربه * فان عن الإحساس بالنعماء

فاللّه أكبر والكبير ردائي * والنور بدري والضياء ذكائي

والشرق غربي والمغارب مشرقي * والبعد قربي والدنو تنائي

والنار غيبي والجنان شهادة * وحقائق الخلق الجديد أمائي

وإذا أردت تنزها في روضة * أبصرت كل الخلق في مرآئي

وإذا انصرفت أنا الإمام وليس لي * أحد أخلفه يكون ورائي

فالحمد للّه الذي أنا جامع * لحقائق المنشيّ والإنشاء

هذا قريضي منبىء بعجائب * ضاقت مسالكها على الفصحاء

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!