موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[مطلب في بيان ما يتجلى للسالك في الخلوة ]

فكل ما يتجلى لك من الصور ويقول لك: أنا اللّه، فقل: سبحان اللّه آمنت باللّه.

واحفظ صورة ما رأيت واله عنها، واشتغل بالذكر دائما، هذا عقد واحد. والعقد الثاني: أن لا تطلب منه في خلوتك سواه،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فكيف أن يصل إلى مقامات الكمل، وأنت إن أخللت بشيء مما ذكرته لك فلا تتعب نفسك ولا تدخل الخلوة بل ولا العزلة فإنها لا تنتج لك إلا الخيبة والخسران، فإن الإسلام والإيمان أول الطريق الموصل إلى اللّه، ومن زعم أنه يصل إليه بدونهما فهو جاهل كذاب، هذا لا شك فيه عند من شم رائحة من العلم، ولا نعني بالإيمان إلا التصديق بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام على النحو الذي عليه الفقهاء وأرباب الحديث لا غير، وأما النحو الذي اخترعه من لا خلاق له فهو كفر وضلال، ونعوذ باللّه من ذلك، وإذا كان اعتقادك على هذا الأسلوب القويم فأنت على الصراط المستقيم، وأبشر بإنتاج خلوتك إذا أيقنت أن اللّه ليس كمثله شيء.

مطلب في بيان ما يتجلى للسالك في الخلوة ( فكل ما يتجلى لك من الصور ) الروحانية والجسمانية والعقلية ( ويقول لك: أنا اللّه ) لأن هوية الحق سبحانه وتعالى سارية في جميع الموجودات، فللحق في كل موجود وجه خاص منه يقول لك ذلك الموجود أنا اللّه، كما جاء الخطاب والنداء لموسى عليه السلام من الشجرة ( فقل ) في جوابه ( سبحان اللّه ) أن يتقيد في مظهر لأنه مطلق عن جميع القيود وقد ( آمنت باللّه ) أنه يظهر بأي صورة شاء لأنه مطلق عن قيد الإطلاق، وفي نسخة أنت باللّه. وفيه إشارة حسنة لأنك بعد التسبيح عن التقييد تخاطب الحق سبحانه من حيث الوجه الخاص الظاهر في تلك الصورة وتنزهه عن الإطلاق كما نزهته عن التقييد.

( واحفظ صورة ما رأيت ) فإن ذلك ينفعك إذا بلغت إلى مقام التكميل والتربية، فإن أكثر المشايخ غلطوا في التربية لأنهم فرطوا فيما شهدوه في بدايتهم ( واله عنها ) أي عن الصورة واحذر أن تشغلك عن التوجه ( واشتغل ) عنها ( بالذكر ) والمراقبة ( دائما ) بحيث لا يتخلل ذلك غفلة أصلا ( هذا ) الذي ذكرناه ( عقد واحد ) وهو العقد الأول. ( و ) أما ( العقد الثاني ) فهو ( أن لا تطلب منه ) أي من الحق ( في خلوتك سواه ) أي سوى الحق فإنك إن فعلت ذلك فسدت قواعد خلوتك لأنك بنيتها على عدم الاختيار وأحدية المقصد وعدم الالتفات إلى غير الحق، وهذا معنى الإرادة فإن المريد

ولا تعلق الهمة بغيره، ولو عرض عليك كل ما في الكون فخذه بأدب، ولا تقف عنده، وصمم على طلبك، فإنه يبتليك. ومهما وقفت مع شيء فاتك، وإذا حصلته لم يفتك شيء.

فإذا عرفت هذا، فاعلم أن اللّه تعالى يبتليك بما يعرضه عليك، فأول ما يفتح لك أن أعطاك الأمر على الترتيب كما أقوله لك.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!