موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[مطلب في غذاء الجسم وقت الخلوة وتفصيله ]

وتحفظ في غذائك، واجتهد أن يكون دسما، ولكن من غير حيوان فإنه أحسن، واحذر من الشبع، ومن الجوع المفرط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بحيث غفلت عمن سواه فظنت أنها هو كما ظنت أولا أنها عين الهيكل وهي غيره فافهم فإنه من لباب المعرفة واللّه أعلم.

مطلب في غذاء الجسم وقت الخلوة وتفصيله ( وتحفظ في غذائك ) وأبذل جهدك في أن يكون من وجه لا يريبك فإن الورع في المطعم عماد طريق اللّه، ولا يصح السلوك ولا ينتج إلا به ( واجتهد أن يكون دسما ) حتى لا ينحرف المزاج لغلبة اليبس ( ولكن من غير حيوان ) فإن دسم الحيوان يقوي الحيوانية ويغلب أحكامها على أحكام الروحانية، وذلك لأن كل جسم ظهرت فيه الحياة السببية لتعلق روح من الأرواح به إذا صار غذاء جسم آخر واختلط بالروح البخاري الساري فيه واستحال إليه وإلى الدم، فإن خاصية روحه تتبعه لأنها معه وتظهر فيما استحال إليه، وإذا كان الأمر على هذا فعليك بالدسم الغير الحيواني مثل دهن اللوز والسمسم والزيتون ( فإنه أحسن، واحذر من الشبع ) المؤدي إلى النوم والكسل وتقوية شهوة الفرج والحركة المستغنى عنها وكثرة الكلام والغضب وفضول الجوارح ( ومن الجوع المفرط ) المؤدي إلى سقوط القوة ويبس الدماغ وفساد الخيال وانحراف المزاج.

قال الشيخ رضي اللّه عنه: ولا تأكل إلا عن فاقة، ولا تشبع ولا تكثر شرب الماء ولا تأكل تصنعا ولا تعززا ولكن كل على قدر حاجتك إلى الطعام، ولا تشره إليه لجوعك بل خذ اللقمة متوسطة فإذا جعلتها في فيك فاشدد مضغها، وسمّ اللّه تعالى عليها فإذا مضغتها فابلعها ثم أحمد اللّه الذي سوّغها وحينئذ تمد يدك إلى لقمة أخرى فتسمي اللّه أيضا مثل الأخرى حتى تبلعها ثم تحمد اللّه تعالى وحينئذ تمد يدك إلى لقمة غيرها حتى تأخذ حاجتك، وكل مما يليك ولو كنت وحدك لئلا تعتاد سوء الأدب، واحذر الشهوة ولا تنظر إلى وجه أكيلك ولا إلى يده ولتنظر بقلبك في ذلك إلى تنزيه من يطعم ولا يطعم فيتبين لك نقصك وعجزك فتكون في عبادة في أكلك، ولا تلتفت ولا تصغ لمن يقول لك إنك تأكل قليلا فيؤذيك ذلك إلى تركه رياء حتى يقال: إنك تأكل قليلا، وإذا حضرت على مائدة طعام فكن آخر من يرفع يده ولا تفم حتى ترفع المائدة، ولا تأكل في بيتك ثم تأتي الجماعة فتأكل معها بالتعزز كأنك قليل الأكل فإن ذلك من شيم المنافقين، وليكن أكلك من وقت إلى وقت انتهى. ولا يصح تعيين الغذاء فإن الأغذية تابعة للمزاج فتختلف باختلافه قال الشيخ رضي اللّه عنه: وأما

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأكل فخذه ما دمت تدبر نفسك واحذر أن تجوع الجوع المشغل ولا تشبع الشبع المثقل ولا تترك الطبيعة تتغذا منك ولا تترك عندها فضلا عن الوقت حتى يكون آخر خلاء المعدة أول تحصيل الغذاء وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «حسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه» «1» لكن من وجه لا يريبك ولا يتضرر فيه مخلوق بكلفة، ولا سبيل إلى أكل حيوان البتة ولا أن يتسخر لك في غذائك سواك بل تستعد غذاءك لخلوتك وعزلتك ولا يتصرف في تحصيله غيرك البتّة، وإن جهلت مزاجك فأعرض نفسك على الأطباء فهم ينظرون لك في الغذاء الذي يلائم طبعك ويصلح لمزاجك ولتقل لهم ما تريد أن تفعله في التقليل وعدم الفضول من التصريف والحركات والثقل المؤدي إلى النوم والكسل فهم يركبون لك غذاء تبقى عليه الأيام الكثيرة لا تحتاج فيه لغذاء ولا لبراز، وإنما لم نعين في هذه الأوراق غذاء مخصوصا لما ذكرناه من اختلاف الأمزجة، والذين يقرؤون هذه الأوراق كثيرون فربما يستعمل ذلك الغذاء من لا يلائم طبعه فيتضرر فنعاقب عند اللّه، هذا وإن حصرت الأمزجة في أمهات ولكن فيها دقائق وتفصيل لا يعرف إلا بمشاهدة الشخص في الوقت، ويحتاج في الغذاء بعد معرفة الشخص وسنه إلى معرفة الزمان والمكان فهذا منعني من أن أبين غذاء، لكن الذي لنا تبين الأمر الكلي وهو أن لا يستعمل إلا الغذاء الخفيف الملائم للطبع البطيء الهضم المشبع الذي لا يحتاج معه لتصرف. انتهى كلام الشيخ رضي اللّه تعالى عنه.

واعلم أن المطلوب الكلي من الجوع هو السهر كما أن المطلوب من العزلة الصمت فإثنان فاعلان وهما الجوع والعزلة واثنان منفعلان عنهما وهما السهر والصمت. وبهذه الأربعة تصير الأبدال أبدالا، وقد أبان الشيخ رضي اللّه تعالى عنه عن حقائقها في حلية الأبدال فعليك بها إن أردت معرفتها، وللشيخ فيها كلام طويل إن أوردناه طال الأمر وفيما أتينا به كفاية لأهل الدراية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) رواه ابن ماجة في سننه، كتاب الأطعمة، باب الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع حديث رقم ( 3349 )، ونصّه: «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن. حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس». ورواه ابن حبان في صحيحه كتاب الأطعمة، باب آداب الأكل، ذكر وصف أكل المسلمين الذي يجب عليهم استعماله رجاء ثواب نوال الخير في الدارين به، حديث رقم ( 5213 ). ورواه غيرهما.

والزم طريق اعتدال المزاج، فإن المزاج إذا أفرط فيه اليبس أدى إلى خيالات فاسدة وهذيان طويل، وإذا كان الوارد هو الذي يعطي الانحراف، فذلك هو المطلوب


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!