موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[ مطلب في السفر ]

فاعلم أن الناس مذ خلقهم اللّه، وأخرجهم من العدم إلى الوجود، لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط عن رحالهم، إلا في الجنة أو في النار، وكل جنة ونار بحسب أهلها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المواطن التي بعده، وليس في المواطن موطن هو محل التكليف إلا هذا الموطن، وذلك لسر لا يسع الوقت إيراده، فإن قلت: قد ورد تكليف الصبيان والمجانين في موطن الحشر إن هذا الموطن هو الأصل لبقية المواطن فجميع المواطن التي هي البرزخ والحشر والجنة والنار والكثيب مراتب لظهور هذا الموطن الدنيوي ولهذا أخصّ بالتكليف دونها فافهم غير الذي قلت إن تأمّلت ذلك التكليف وجدته من مواطن الدنيا حقيقة وإن ظهر في الحشر فليس ظهوره في موطن الحشر لذاته إذ موطن الحشر لا يقتضي التكليف لذاته أصلا وإنما يقتضي الحساب والجزاء لا غير بخلاف موطن الدنيا فإنه يقتضي التكليف لذاته، وقد يقتضي الجزاء لغيره كما اقتضى موطن الحشر التكليف لغيره ولما أشار الشيخ رضي اللّه عنه إلى أمهات المواطن فقرر أنه لا نحتاج في هذا الموضع إلى أن نبين منها إلا موطن الدنيا شرع في ذلك وصدره بما يحصل للمسافر من المشقة في سفره حتى يكون السالك على بصيرة من أمره فتطيب نفسه على تحمّل المشاق فقال:

مطلب في السفر ( فاعلم أن الناس مذ خلقهم اللّه تعالى وأخرجهم من العدم ) الإضافي ( إلى الوجود ) الإضافي ( لم يزالوا مسافرين وليس لهم حطّ عن رحالهم إلا في الجنة أو في النار، وكل جنة ونار بحسب أهلها )، فجنة الخواص الوصال ونارهم البعد، وجنة العوام محسوسة ونارهم معروفة. واعلم أن السفر الذي أشار إليه الشيخ رضي اللّه تعالى عنه لا يصح أن يكون عبارة عن الخلق الجديد، لأنه لا نهاية له ولو كان فإنه لا ينتهي إلى الجنة أو النار كما لا يخفى، فلم يبق إلا أن يكون عبارة عن تغيّر الخلقة، فيكون حط رحال السعداء في موطن الكثيب وهو محسوب من الجنة، وحط رحال الأشقياء في النار، أو عبارة عن السفر في أنواع الأعمال والأقوال والأحوال والاعتقادات والعلوم بحسب الفطرة، أو الرؤية أو بهما، والسفر الفطري لا يكون إلا في الأحوال والعلوم لا غير، فالناس مسافرون بالفطرة من حين أخرجوا من العدم إلى وقت التكليف، ومن وقت التكليف إلى الموت بالرؤية والفطرة، ومن بعد الموت بالفطرة فقط في حق قوم وهم العوامّ، وبالفطرة والرؤية معا في حق قوم وهم

فالواجب على كل عاقل، أن يعلم، أن السفر مبنيّ على المشقة وشظف العيش والمحن والبلايا وركوب الأخطار والأهوال العظام.

فمن المحال أن يصح فيه للمسافرين نعيم أو أمان أو لذة، فإن المياه مختلفة الطعم، والأهوية مختلفة التصريف، وطبع كل منهل يخالف طبع المنهل الآخر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الخواصّ، والسفر بالرؤية بعد الموت لا يكون إلا في الأحوال والعلوم، فإن قلت:

السفر بالحال والعلم لا نهاية له، قلت: المراد بالسفر في العلم والحال المكتسبين بالأعمال، والناس من بعد الموت مسافرون في الأحوال والعلوم المكتسبة بالأعمال الدنيوية، وليس لهم حط عن رحالهم إلا في الجنة أو النار، لأنه لا حكم للحال والعلم الكسبي هناك، لأن غايتهما الحصول في الجنة أو النار، ولا حكم بعد هذا إلا للعناية لا غير، فإن قلت الرؤية التي هي آخر المواطن لا تحصل إلا على حسب العلم المكتسب، وهي لا نهاية لها، قلنا: الرؤية لا تحصل إلا بالعناية، فإنه ما ثمّ عمل يقاومها وتكون نتيجة عنه، ولا دخل للعمل المكتسب إلا في مقدار الرؤية لا غير، فعلى قدر العلم تكون الرؤية، فمن اتّسع علمه اتّسعت رؤيته، فالعلم كالشعاع وإذا كان السفر لازما ولا غنى عنه.


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!