موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[مطلب ما يتعيّن علينا]

فأول ما يتعين علينا أن نبينه لك، معرفة أمهات المواطن، ما تقتضي مما أريد منها ههنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأمزجة، فالطريق في الحقيقة واحد ووجوهه مختلفة، ولكل نبي ورسول في كل عصر وجه على حسب حقيقته وحقائق أمته، ورسول كل أمة مجموع تلك الأمة، ولرسولنا صلى اللّه عليه وسلم جميع الوجوه لأنه مجموع العالم، ولهذا بعث إلى الأسود والأحمر ونسخت شريعته جميع الشرائع وطريق الأنبياء من حيث الأصول واحد لا تعدد فيه بوجه من الوجوه البتّة، وأعلم أنه إنما اختلفت الشرائع لاختلاف النسب الإلهية، لأنه لو كانت النسبة الإلهية لتحليل أمر ما في شرع عين النسبة لتحريم ذلك الأمر بعينه لما صح تعين الحكم، وإنما اختلفت النسب لاختلاف الأحوال، ففي حالة المرض يقول: يا معافي، وفي حالة الجوع يقول: يا رزاق، وإنما اختلفت الأحوال لاختلاف الأزمان، فإن أحوال الخلق سبب اختلافها اختلاف الزمان عليها، فحالها في الربيع يخالف حالها في الصيف، وحالها في الصيف يخالف حالها في الخريف، وحالها في الخريف يخالف حالها في الشتاء، وحالها في الشتاء يخالف حالها في الربيع، وإنما اختلفت الأزمان لاختلاف الحركات الفلكية، وإنما اختلفت الحركات لاختلاف التوجّهات، أي توجهات الحق على إيجاد الأفلاك فلو كان التوجه واحدا عليها لما اختلفت الحركات، فدل أن التوجه الذي حرك القمر في فلكه غير التوجه الذي حرك الشمس، وهكذا جميع حركات الأفلاك، وإنما اختلفت التوجهات لاختلاف المقاصد، فلو كان قصد الحركة القمرية بذلك التوجهات عين الحركة الشمسية بذلك التوجه لم يتميز أثر عن أثر، والآثار مختلفة بلا شك، وإنما اختلفت المقاصد لاختلاف التجليات، فإن التجليات لو كانت في صورة واحدة من جميع الوجوه لم يصح أن يكون لها سوى قصد واحد، وقد ثبت اختلاف المقاصد، وإنما اختلفت التجليات لاختلاف الشرائع، فإن لكل شريعة طريق موصلة إليه وهي مختلفة، فلا بد أن تختلف التجليات، وقد تقدم أن علة اختلاف الشرائع هي اختلاف النسب، وصار الأمر دوريّا أي شيء أخذته صلح أن يكون أولا وآخرا ووسطا هكذا قال الشيخ رضي اللّه عنه.

مطلب ما يتعيّن علينا ( فأول ما يتعين علينا أن نبينه لك معرفة أمهات المواطن ) وكلياتها لا جزئياتها، لأنها لا تنحصر حتى نعرف من أين جئت وأين أنت وإلى أين تذهب، فتعرف ما

"***"

والموطن عبارة عن محل أوقات الوارد، الذي يكون فيه، وينبغي لك أن تعرف ما يريده الحق منك في ذلك الموطن، فتبادر إليه من غير تثبط ولا كلفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يقتضيه كل واحد منها لنفسه بنفسه أو بغيره أو بهما، وبغيره بنفسه أو بغيره أو بهما على سبيل الإجمال، فتستعد لمعاملة الموطن الذي أنت فيه بما هو أهله، وللموطن الذي تنتقل إليه بتحصيل ما يراد له مما أمكن تحصيله في الموطن الذي أنت ( فيه ) وأبين ( ما تقتضي ) هذه المواطن ( مما أريد منها ) أي من المواطن ( ههنا ) أي في الموطن الذي أنت فيه الآن لا مطلقا، فإن ذلك لا يحصل لك إلا إذا انتقلت إليها، فلا فائدة في ذكره، لأن الذي ينبغي للسالك مبادرة الأهم فالأهم ومراعاة كل موطن بما يستحقه لنفسه، لأن السالك إذا انتقل من موطن وقد فاته فيه ما كان ينبغي له أن يحصله هنالك، فإنه لا يقضيه أبدا ويؤدي ذلك إلى نقصانه سرمدا، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، والوقت سيف قاطع إن لم تقطعه قطعك، والصوفي ابن وقته، والماضي لا يعاد.

واعلم أن العالم في كل آن ينعدم لقهر الأحدية وغلبتها على الكثرة ويوجد مثله لحكم المحبة الذاتية فإن وجوده آن عدمه، فالظاهر يقضي على الباطن الأول بالظهور فيوجد العالم، والباطن الآخر يقضي على الظاهر الأول بالبطون فينعدم العالم، ثم يرجع الحكم إلى الظاهر وهكذا إلى ما لا نهاية له، وهذا هو المسمى بالخلق الجديد والامتداد المتوهم من سيلان الأمثال، هو الزمان والحركة مكياله، فكل ما سوى اللّه زماني، وإذا استحال بقاء المحدث أزيد من آن كان كل محدث ابن وقته لا غيره، فهو لازم لوقته ووقته لازم له بل هو عينه ويستحيل انتقاله عن وقته، فوقته وطنه والأوقات لا نهاية لها، فالمواطن لا نهاية لها واعلم أن تجدد الأمثال هو أن يعدم الشيء ويعقبه مثله بياض يعدم وبياض يوجد، وإذا عدم وأعقبه ضده فذلك تغير الخلقة بياض يعدم وسواد يوجد، وإذا كان وطن الأمثال أوقاتها، كان وطن أوقاتها الصور التي تتجدد الأمثال عليها، فالمواطن الكلية التي بالنسبة إلى جميع المواطن كالأمهات عبارة عن هذه الصور، ولهذا قال الشيخ:

( والموطن عبارة عن محل أوقات الوارد ) أي القادم من العدم إلى الوجود بالخلق الجديد، وهذا المحل هو ( الذي يكون فيه ) الوارد حالة حدوثه فافهم، فإنه دقيق ( وينبغي لك ) أيها الطالب بعد معرفتك بالموطن ( أن تعرف ما يريده الحق منك في ذلك الموطن ) الذي أنت حال فيه ( فتبادر إليه ) وتأتي به على أحسن الوجوه ( من غير تثبط ) أي تشاغل

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!