موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


[مطلب في بيان أن الطرق شتى وطريق الحق مفرد]

فاعلم أيها الأخ الكريم أن الطرق شتى والطريق إلى الحق مفرد.

والسالكون طريق الحق أفراد، ومع أن طريق الحق واحد، فإنه تختلف وجوهه بحسب اختلاف سالكيه، من اعتدال المزاج وانحرافه، وملازمة الباعث ومغيبه، وقوة روحانيته وضعفها، واستقامة همته وميلها، وصحة توجهه وسقمه.

فمنهم من تجمع له، ومنهم من يكون له بعض هذه الأوصاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ساحة القلب للواصل الراجع والروح للمستهلك ( وما يقوله لك ) ويخاطبك به في سرّك ( وكيفية الرجوع من عنده إلى حضرة أفعاله به وإليه ) وأبين لك ( الاستهلاك فيه ) أي في الحق ( وهو ) أي الاستهلاك ( مقام دون الرجوع ) لأن الاستهلاك فناء لا يحس معه بتنوعات ظهورات الذات واختلاف تنزلاتها في حضرات الأسماء الذي هو من خواص البقاء بعد الفناء وهو العلة الغائية من الظهور والإظهار والمعرفة المحبوبة التي لأجلها خلق العالم.

مطلب في بيان أن الطرق شتى وطريق الحق مفرد ( فاعلم أيها الأخ الكريم أن الطرق ) الموصلة إلى الأكوان أو الأسماء والمخترعة التي اخترعتها العقلاء ( شتى ) متعددة مختلفة ( والطريق ) الموصل ( إلى ) ذات ( الحق ) من حيث الأسماء ( مفرد ) معزول عن سمات تلك الطرق لا يشبهها بوجه من الوجوه لأحديّته من ليس كمثله شيء، وواحد لأحدية الغاية وهو الذي أشار إليه صلى اللّه عليه وسلم حين خط بيده خطّا في الأرض هكذا «1» وتلا: وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [ الأنعام: الآية 153 ] .

( والسالكون ) من الناس ( طريق الحق أفراد ) آحاد معدودون متفردون عنهم بصفات اختصوا بها دون غيرهم، فهم على صفة الطريق والطريق على صفة الغاية،

المصطلحات الصوفية، أبو خزام، مكتبة لبنان ). وقال القاشاني: هي رؤية الحق من غير تهمة.

وتطلق على رؤية الأشياء بدلائل التوحيد، وتطلق بإزاء التوحيد، وتطلق بإزاء رؤية الحق في الأشياء، وتطلق بإزاء حقيقة اليقين من غير شك. ( لطائف الإعلام، القاشاني، 2 / 306 ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) ونص الحديث هو كما رواه أحمد في المسند: «عن عبد اللّه بن مسعود قال: خطّ لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطّا ثم قال: «هذا سبيل اللّه»، ثم خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله، ثم قال: «هذه سبل»، قال يزيد: متفرقة، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: «إن هذا صراطي مستقيما، فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله». ( 1 / 563، حديث رقم 4141، طبعة دار الكتب العلمية - بيروت ).

"***"

فقد يكون مطلب الروحانية شريفا، ولا يساعده المزاج، وكذلك حكم ما بقي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لا بل هم على صفة الغاية والطريق على صفتهم ( ومع أن طريق الحق واحد ) بالشخص لا تعدد فيه ( فإنه تختلف وجوهه بحسب اختلاف سالكية ) كما أن الحق الذي هو غايته واحد بالذات، وتختلف وجوه تجلياته بحسب اختلاف صفاته، وما اختلفت وجوه الطريق الواحد إلا ( من ) أجل اختلاف السالكين في ( اعتدال المزاج ) فإنه إذا اعتدل سلمت النفس من غوائل الأفكار الردية والآراء الذميمة والاتصاف بسفاسف الأخلاق، فكانت ذات نعمة وسرور في سفرها، محمولة على مركب جيد مطواع سريع السير، يقرب البعيد ولا يبعد القريب ولا يحيد بصاحبه عن سواء السبيل فليتبعه ( وانحرافه ) وإذا انحرف أدى إلى خلاف ذلك، فكانت الطريق إلى خلاف ذلك، فكانت الطريق في حق صاحبه بعيدة وعرة ( وملازمة الباعث ومغيبه ) فإن الباعث على السلوك إذا لازم السالك هوّن عليه عقبات الطريق، وإذا غاب عنه صعبت عليه. فالعاشق الصّبّ لا تبعد عليه ديار محبوبه، وإن كانت بعيدة قرّبها الوجد والشوق ( وقوة روحانيته )، أي روحانية السالك ( وضعفها ) وذلك أن الروحانية إذا كانت ضعيفة غلبت أحكام الحيوانية على السالك، فكانت الطريق في حقه مظلمة مخوفة هائلة أجنبية، فربما وقف في أثنائها وربما وقف في بدايتها، وإذا كانت قوية كانت أحوال السالك على خلاف ذلك وخذ على هذا القياس ( واستقامة همته ) أي همة السالك وميلها ( وصحة توجهه وسقمه فمنهم ) أي من السالكين من تجتمع له هذه الأوصاف الذميمة، فتحول بينه وبين السلوك، أو مقابلاتها فتعينه عليه ( ومنهم من يكون له بعض هذه الأوصاف ) الذميمة أو ما يقابلها فيكون من المتوسطين.

وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ( فقد يكون مطلب الروحانية شريفا ولا يساعده المزاج ) لعدم استعداده وقبوله ما تريده الروحانية فيكون صاحبه بمثابة مريض ذهبت قوته، فهو لا يقدر على القيام والكلام، وهو يريد أداء الصلاة والسعي إلى القربات، وبث الحقائق الإلهيات، فلا يقدر على ذلك بل هو كزمن عديم الأسباب وهو يريد السياحة في العالم للاعتبار ( وكذلك حكم ما بقي ) من الأوصاف التي تماثل ما ذكرناه.

اعلم أن طريق الأنبياء إنما اختلفت من حيث الفروع، واختلاف الفروع من اختلاف الأمزجة، واختلاف الأمزجة باختلاف الأعصار، واختلاف البواعث لاختلاف 

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!