موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


مطلب في كيفية السلوك إلى ربّ العزّة تعالى

أجبت سؤالك أيها الوليّ الكريم والصفيّ الحميم في كيفية السلوك إلى ربّ العزّة تعالى، والوصول إلى حضرته، والرجوع به من عنده إلى خلقه من غير مفارقته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والوحدة «1» والكثرة «2» وهو ( الذي أضل اللّه به من شاء ) من حيث إحاطته بالحقائق «3» الجلالية ( وهدى ) من حيث إحاطته بالحقائق الجمالية قال اللّه تعالى في حق القرآن: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً [ البقرة: الآية 26 ] ( وعلى آله الأكرمين وأصحابه الطاهرين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ).

( أجبت سؤالك أيها الوليّ الكريم والصفيّ ) أي المصافي في الودّ ( الحميم ) وهو قريب الرجل الذي يهتم لأمره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) الوحدة: يعبّرون بها عن تعقّل الحق نفسه بنفسه وإدراكه لها من حيث تعينه. وهذه هي الوحدة الحقيقية الماحية للاعتبارات والأسماء والصفات والنسب والإضافات. ( لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام، القاشاني ).

( 2 ) الكثرة: هي كثرة الأسماء والصفات ؛ أو هي صور النسب الأسمائية وحجابيتها التعددية. ( شرح فصوص الحكم، الفص النوحي، الجندي ).

( 3 ) الحقائق: هي أسماء الشؤون الذاتية عندما تتصوّر وتتميّز في المرتبة الثانية، فإن جميع الحقائق الإلهية والكونية إنما تكون شؤونا وأحوالا ذاتية من اعتبارات الواحدية مندرجة فيها، في المرتبة الأولى على نحو ما بانت وتصوّرت في المرتبة الثانية، فتسمى الشؤون في هذه المرتبة بالحقائق. فإنه لمّا كان الغالب على أحكام هذه المرتبة الثانية إنما هو حكم تميّزات الأبدية مع آثار ظلمة غيب إطلاق الأزلية لكون هذه المرتبة هي حضرة العلم الذاتي لا يطّلع عليه غير كنه الذات الأقدس تعالى صار ذلك موجبا، لأن حقّت أحكام هذه المرتبة الثانية بكل شأن من تلك الشؤون، فكانت تلك الأحكام كحقّه لذلك الشأن فصار ذا حق وحقيقة، وتسمى عينا ثابتة وماهية. ( لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام، القاشاني، دار الكتب المصرية بالقاهرة ).

- الحقائق فعلى أربعة: حقائق ترجع إلى الذات المقدسة، وحقائق ترجع إلى الصفات المنزّهة وهي النسب، وحقائق ترجع إلى الأفعال وهي كن وأخواتها، وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكوّنات. وهذه الحقائق الكونية على ثلاث مراتب علوية وهي: المعقولات، وسفلية وهي المحسوسات، وبرزخية وهي المخيلات. ( الفتوحات المكية، الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، دار الكتب العلمية - بيروت ).

- الحقائق: هي المعاني القائمة بالقلوب وما اتّضح لها وانكشف من الغيوب وهي منح من اللّه وكرامات وبها وصلوا إلى البرّ والطاقات ودليلها قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لحارثة كيف أصبحت مؤمنا حقّا الحديث. ( جامع الأصول في الأولياء، أحمد الكمشخاوي، المطبعة الوهبية، مصر 1298 ه ).

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مطلب في كيفية السلوك إلى ربّ العزّة تعالى

( في كيفية السلوك إلى ربّ العزّة تعالى )

قال الشيخ رضي اللّه تعالى عنه:

السلوك عبارة عن الانتقال من منزل عبادة إلى منزل عبادة بالمعنى، وانتقال بالصورة من عمل مشروع بطريق القربة إلى اللّه إلى عمل مشروع بطريق القربة إلى اللّه بفعل وترك، فمن فعل إلى فعل، ومن ترك إلى ترك، أو من فعل إلى ترك، أو من ترك إلى فعل، وما ثم خامس للصورة. وانتقال بالعلم من مقام «1» إلى مقام، ومن اسم إلى اسم، ومن تجل إلى تجل، ومن نفس إلى نفس، والمنتقل هو السالك. والسالكون في سلوكهم أربعة أقسام: منهم سالك يسلك بربه، وسالك يسلك بنفسه، وسالك يسلك بالمجموع، وسالك لا سالك. فيتنوع السلوك بحسب قصد السالك «2» ورتبته في العلم باللّه. فأما السالك الذي يسلك بربه، فهو الذي يكون الحق سمعه وبصره وجميع قواه. والقسم الآخر السالك بنفسه، وهو المتقرب إلى ربه ابتداء بالفرائض ونوافل الخيرات. وإن كانوا قد سمعوا هذا الخبر الإلهي واعتقدوه إيمانا، ولكن ما حصل لهم هذا ذوقا، فيكون الحق قواهم، فهم السالكون بنفوسهم في جميع مراتب السلوك. وأما السالك بالمجموع، فهو السالك بعد أن ذاق كون الحق سمعه وبصره، وعلم سلوكه أولا بنفسه على الجملة من غير شهود نفسه على التعيين، فلما علم أن الحق سمعه وعلم أن السامع بالسمع ما هو عين السمع، ورأى ثبوت هذا الضمير وعاين على من عاد، فعلم أن نفسه وعينه هي السميعة باللّه والناطقة باللّه والمتحركة باللّه والساكنة باللّه، وأنها المخاطبة بالسلوك والانتقال فسلك بالمجموع. وأما القسم الرابع وهو سالك لا سالك، فهو أنه رأى نفسه لا تستقل بالسلوك ما لم يكن الحق صفة لها، ولا تستقل الصفة بالسلوك ما لم تكن نفس المكلف موجودة وتكون

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) المقام: هو الذي يقوم بالعبد في الأوقات مثل مقام الصابرين والمتوكلين وهو مقام العبد بظاهره وباطنه في هذه المعاملات والمجاهدات والإرادات، فمتى أقام العبد في شيء منه على التمام فهو مقامه حتى ينتقل منه إلى مقام آخر. ( اللمع، الطوسي، دار الكتب العلمية - بيروت ).

( 2 ) السالك: هو من ترقى في إرادته بالسلوك عن المقامات ولم يصل بعد إلى مقام المعرفة. فمرتبته فوق المريد ودون العارف. ولا يطلق السالك عند الطائفة ( الصوفية ) إلا على من مشى على المقامات بحاله لا بعلمه، فكان العلم له عينا. ( لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام، القاشاني، دار الكتب المصرية بالقاهرة ).

"***"

……………………………………. .

كالمحل لها، فصدق له أنه سالك بالمجموع، فإذا تبين له أنه بالمجموع ظهر السلوك، بان له أن المظهر لا وجود له عينا، وأن الظاهر تقيد بحكم استعداد المظهر، ورأى الحق يقول: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [ الأنفال: الآية 17 ] . فمن وقف على هذا العلم من نفسه علم أنه سالك لا سالك. ثم اعلم أن السالكين الذين ذكرناهم على مراتب ؛ فمنهم السالك منه إليه، وهو المنتقل من تجلّ إلى تجلّ. ومنهم السالك منه إليه فيه، وهو السالك من اسم إلهي إلى اسم إلهي. ومنهم السالك منه لا فيه ولا إليه، وهو الذي خرج من عند اللّه في الكون إلى الكون. ومنهم السالك إليه لا منه ولا فيه، وهو الفار إليه في السلوك من الكون كفرار موسى عليه السلام. ومنهم السالك لا منه ولا فيه ولا إليه، وهو المنتقل في الأعمال الظاهرة من الدنيا إلى الآخرة وهو الزاهد. انتهى كلام الشيخ رضي اللّه عنه.

أقسام الواصلين ( والوصول إلى حضرته ) حضرة الرجل قربه وفناؤه، وحضرة اللّه عبارة عن أسمائه وصفاته. والوصول إلى اللّه من حيث الذات محال ومن حيث الأسماء واقع.

والواصلون على ثلاثة أقسام: القسم الأول وهو الأعلى هم الواصلون إلى الأسماء الذاتية «1»، والقسم الثاني هم الواصلون إلى الأسماء الصفاتية «2»، والقسم الثالث هم الواصلون إلى الأسماء الفعلية «3» ( والرجوع به ) أي باللّه لأنه من وصل إلى اللّه لا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) الأسماء الذاتية: هي التي لا يتوقف وجودها على وجود الغير وإن توقف على اعتباره وتعقّله، كالعليم والقدير وتسمى الأسماء الأولية، ومفاتيح الغيب، وأئمة الأسماء. ( اصطلاحات الصوفية، القاشاني، تحقيق محمد كمال جعفر، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب ).

والأسماء الذاتية عند الجيلي هي: اللّه والأحد والواحد والفرد والوتر والصمد والقدوس والحيّ والنور والحق ( الإنسان الكامل، الباب الرابع والعشرون ).

( 2 ) الأسماء الصفاتية: تنقسم عند الشيخ عبد الكريم الجيلي إلى أسماء صفاتية جلالية كالكبير والمتعال الخ. . . وإلى أسماء صفاتية جمالية كالعليم والرحيم والسلام والمؤمن الخ. . . وإلى أسماء صفاتية كمالية وهي المشتركة بين الجلال والجمال كالرحمن والملك والرب والمهيمن الخ. . . ( الإنسان الكامل، الجيلي، الباب الرابع والعشرون ).

( 3 ) الأسماء الفعلية: من مراتب الوجود وتنقسم إلى قسمين: قسم هي الأسماء الفعلية الجلالية كاسمه المميت والضارّ والمنتقم وأمثالها، وقسم هي الأسماء الفعلية الجمالية كالمحيي والرزّاق -

"***"

بأنه ما ثم في الوجود إلا اللّه وصفاته وأفعاله. فالكل هو وبه ومنه وإليه، ولو احتجب عن العالم طرفة عين لفني العالم دفعة واحدة، فبقاؤه بحفظه ونظره إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يفارقه، لأن اللّه تعالى ما تجلى لشيء وانحجب عنه ( من عنده ) أي من عند اللّه ( إلى خلقه ) لتكميلهم وإرشادهم ودعوتهم إليه. اعلم أن الراجعين على ثلاثة أقسام: منهم من يرجع من عند اللّه إلى اللّه، وهو الذي يرى الخلق عين الحق من حيث الأحدية.

ومنهم من يرجع من عند اللّه إلى خلق اللّه وهو الذي يفرق بينهما. ومنهم من يرجع من عند اللّه إلى المجموع وهو أكملهم. ورجوع الأول من اللّه إلى اللّه في اللّه، والثاني من اللّه إلى الخلق في الخلق، والثالث من اللّه إلى المجموع في المجموع، ورجوع هذه الأقسام الثلاثة ( من غير مفارقته ) أي اللّه لأنهم شهدوا سريان الوجود في الحقائق فجزموا.

( بأنه ما ثم في الوجود ) أي العالم ( إلا ) ذات ( اللّه ) التي هي عبارة عن الوجود البحت المطلق المتعين بحقائق الأكوان ( وصفاته الظاهرة ) بواسطة تعيناته «1» أو التي هي نفس تعيناته ( وأفعاله ) الصادرة عن صفاته. وإذا كان الأمر على هذا ( فالكل ) أي جميع ما سوى اللّه ( هو ) من حيث الظهور ( وبه ) قائمون ( ومنه ) يصدرون ( وإليه ) يرجعون قال تعالى وإليه يرجع الأمر كله ( و ) من علم هذا علم أنه ( لو احتجب ) الحق من حيث أسماؤه التي توجهت على إيجاد العالم وخفيت بالوجود عينه ( عن العالم ) الذي ظهر في الحق ظهور الصورة في المرآة ( طرفة عين لفني العالم دفعة واحدة ) وإذا ثبت أن وجود العالم بالحق ( فبقاؤه ) أي بقاء العالم لا يكون إلا ( بحفظه ) أي بحفظ الحق ( ونظره إليه ) نظر لطف ورحمة.

- والخلّاق إلى غير ذلك من الأسماء الفعلية الجمالية. ( مراتب الوجود وحقيقة كل موجود، الجيلي، مكتبة القاهرة ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) التعينات: التشخصّات أو مظاهر شؤون الذات المسماة أسماء وصفات. والتعيّنات هي المرتبة الثانية من مراتب الذات وهي الرتبة التي تظهر فيها الأشياء وتتميّز ظهورا، وتميزا علميّا، ولهذا تسمى هذه الحضرة بحضرة المعاني وبعالم المعاني وهذا التعيّن الثاني هو صورة التعيّن الأول الذي يعنون به الوحدة التي انتشت عنها الأحدية والواحدية، وهي أول رتب الذات وأول اعتباراتها. ( معجم اصطلاحات الصوفية، د. أنور أبو خزام، مكتبة لبنان ). و ( لطائف الإعلام، القاشاني، مادة [ التعين ] ، دار الكتب المصرية بالقاهرة ).

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مطلب شهودهم على وجهين اعلم أن أهل اللّه شهدوا ظهور العالم على وجهين ثابتين الواحد أن الحق مرآة «1» الخلق، فالخلق نظروا نفوسهم ببصر الحق في مرآة الحق وهو الناظر نفسه منهم. والثاني أن الخلق مرآة للحق، فهو يظهر لهم بصور استعداداتهم «2» ويبصر نفسه فيهم بصورهم. وعلى كلا الوجهين لو احتجب الحق عن العالم لفني من حينه دفعة واحدة، فعدم احتجابه من هذا الوجه لطف بالعالم ورحمة به، ومن وجه آخر احتجابه عن العالم هو سبب ظهور العالم، ورد «إن للّه سبعين ألف حجاب من نور» «3» وهي الأسماء الثبوتية «4» وظلمة وهي الأسماء السلبية «5» «لو كشفها لأحرقت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) مرآة: المرآة عند المحبوب أحبّ شيء لديه وأعزّ مرغوب إليه فاعلم أننا ما جئنا إلى هذا العالم إلا لأخذ المرآة منه وهي القلب السليم، إذ لا ينفع هناك لا مال ولا بنون سواه، كما أخبر به الكتاب الكريم. ومن المعلوم أن المرآة لا تري إلا إذا كان لها وجهان: وجه لطيف ووجه كثيف، وهذا هو السبب في تنزّل لطائف القلوب والأرواح إلى كثائف النفوس والأشباح، فلا توجد هذه المرآة إلا في هذا العالم وهو قلب ابن آدم الذي له وجهان: لطيف غيبي وكثيف شهادي. ( موسوعة مصطلحات التصوف الإسلامي، د. رفيق العجم، مادة مرآة ).

( 2 ) استعداد: هو أحكام العين الثابتة في العلم الأزلي، وكل معلومة يظهرها اللّه تعالى في عالم الشهادة حسب استعدادها الأزلي أي حسب أحكامها التي علمها اللّه تعالى عنها ثم أوجدها في الدنيا وفي العوالم الأخرى على وفق ما علمها. وقال مؤيد الدين الجندي في شرح الفصوص:

«الاستعداد حصول التهيّؤ والصلاحية والقابلية فهو مستلزم ظهور صورة الناظر في المنظور فيه، وهي لا تحصل للمظهر إلا بالفيض الذاتي الذي قبله قبل التسوية القابلة لظهور صورة الحق فيه ( فص حكمة إلهية في كلمة آدمية ).

( 3 ) الزبيدي ( إتحاف 2 / 72، 5 / 137، طبعة تصوير بيروت ). والعراقي ( المغني عن حمل الأسفار 1 / 101، عيسى الحلبي ). والشوكاني ( الفوائد المجموعة 450، طبعة السنة المحمدية ).

( 4 ) الأسماء الثبوتية، أي والصفات تنقسم إلى موجودة وغير موجودة، والموجودة هي صفات المعاني وتسمى صفات الذات والصفات الوجودية وهي كالقدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام. وغير الموجودة هي الصفات المسماة حالا، فإن لازمت صفة معنى سمّيت حالا معنوية، ككونه قادرا مريدا الخ. . . ، وإن لم تلازم معنى قائما بالذات سمّيت حالا نفسية كالوجود. ( عون المريد لشرح جوهرة التوحيد، عبد الكريم تتان وأديب الكيلاني، دار البشائر ). و ( عقد اللآلي في شرح بدء الأمالي، محمد الملا الأحسائي، تحقيق د. عاصم الكيالي، جامعة بيروت الإسلامية ).

(5) الأسماء السلبية أو الصفات السلبية: هي التي تسلب أي تنفي أمرا لا يليق بالمسمّى وهي أسماء 

"***"

غير أنه من اشتد ظهوره في نوره بحيث تضعف الإدراكات عنه يسمى ذلك الظهور حجابا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

سبحات وجهه» «1» وهي أنوار التنزيه الذاتي «كل ما أدركه بصره» «1». فمن هذا الوجه احتجابه عن العالم لطف ورحمة، فشدة ظهوره بالأسماء سبب بطونه بالذات، وإلى هذا أشار الشيخ بقوله: ( غير أنه من اشتد ظهوره في نوره كالشمس مثلا بحيث تضعف الإدراكات ) الكونية ( عنه يسمى ذلك الظهور حجابا ) «2» وهو في الحقيقة ظهور. واعلم أن ظهور الأسماء هو في الحقيقة ظهور الذات لأنها أي الأسماء أمور عدمية والظهور وجودي، وبطون الذات هو عين ظهور الأسماء، فظهور الحق عين بطونه وبطونه عين ظهوره من حيثية واحدة لأنه واحد من جميع الوجوه. قال الشيخ رضي اللّه عنه: فعين أوليته عين آخريته، وعين ظاهريته عين باطنيته، وإليه كان يشير الخراز بقوله: عرفت اللّه بجمعه بين الضدين ثم يتلو: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ [ الحديد: الآية 3 ] فافهم. وشدة ظهور الحق إنما هو تغيبه بالكثرات «3»، وذلك عين عدمية أي ليست بموجودة في الخارج. وسمّيت بهذا الاسم لأنها تعرف وتفسّر بالسلب والنفي والعدم كقولنا معنى القديم أو القدم: لا أول لوجوده تعالى، يعني: أن معنى كل اسم أو صفة من الأسماء والصفات السلبية عدم أمر لا يليق بمولانا جلّ وعزّ وليس معناها صفة موجودة في نفسها كالعلم والقدرة ونحوهما من سائر صفات المعاني فالقدم معناه سلب العدم السابق للوجود وهكذا بقيت الصفات السلبية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) هذا الحديث سبق تخريجه.

( 2 ) الحجاب: هو حائل يحول بين الشيء المطلوب المقصود وبين طالبه وقاصده. وهو انطباع الصور الكونية في القلب المانعة لقبول تجلّي الحقائق. قال محمد التهانوي في كشاف اصطلاحات الفنون: «اعلم أن الحجاب الذي يحتجب به الإنسان عن قرب اللّه إما نوراني وهو نور الروح، وإما ظلماني وهو ظلمة الجسم. والمدركات الباطنة من النفس والعقل والسر والروح الخفي كل واحد له حجاب، فحجاب النفس الشهوات واللذّات والأهوية، وحجاب القلب الملاحظة في غير الحق وحجاب العقل وقوفه مع المعاني المعقولة، وحجاب السر الوقوف مع الأسرار وحجاب الروح المكاشفة، والحجاب الخفي العظمة والكبرياء، والحجاب الظلماني هو مثل البطون والقهر والجلال وجملة الصفات الذميمة أيضا، والحجاب النوراني يعني ظهور اللطف والجمال وجميع الصفات الحميدة أيضا». ( 1 / 4، 376، دار الكتب العلمية ).

( 3 ) هي صور وظلالات للاعتبارات المندرجة في الوحدة تعينا تاليا لها. فذلك هو التعيّن الثاني لا محالة فجميع الأسماء الإلهية المنتمي إليها التأثير والفعل وجميع الشؤون والاعتبارات المندرجة - 

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!