موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية: مكتبة الشيخ عبد الكريم الجيلي

الإسفار عن رسالة الأنوار فيما يتجلى لأهل الذكر من الأسرار

تأليف الشيخ عبد الكريم بن إبراهيم الجيلي)

والمتن للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

 

 


مطلب في المتن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه واهب العقل ومبدعة وناصب النقل ومشرّعه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مطلب في المتن ( الحمد ) اعلم أن الحمد الذي هو إظهار الكمال في مرتبتي الجمع «1» والفرق «2» خالص ( للّه ) المطلق عن جميع القيود، وحمد الحمد أحق محامد الحق، فإن قيام الصفة بالموصوف ما فيها دعوى ولا يتطرق إليها احتمال، والواصف نفسه أو غيره بصفة ما يفتقر إلى دليل على دعواه ( واهب العقل ) من حيث ذاته إن كان عبارة عن قائم بنفسه وإلا فمن حيث صفاته ( ومبدعة ) أي مخترعه لا على مثال وهو من حيث الفيض الأقدس «3» ظاهر من وجه، وأما بالنسبة إلى

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) الجمع: هو لفظ مجمل يعبّر عن إشارة من أشار إلى الحق بلا خلق. قال أبو سعيد الخراز:

معنى الجمع أنه أوجدهم نفسه في أنفسهم بل أعدمهم وجودهم لأنفسهم عند وجودهم له.

والجمع: عين الفناء باللّه وقد غلط قوم وادّعوا أنهم في عين الجمع وأشاروا إلى صرف التوحيد وعطّلوا الأسباب فتزندقوا وإنما الجمع حكم الروح، والتفرقة حكم القالب وما دام هذا التركيب ( أي الجسم ) باقيّا فلا بد من الجمع والتفرقة. ( عوارف المعارف للسهروردي ) و ( موسوعة مصطلحات التصوّف الإسلامي ).

( 2 ) الفرق أو التفرقة: إشارة من أشار إلى الكون والخلق، الفرق إشارة إلى خلق بلا حق وقيل مشاهدة العبودية. وكان الأستاذ أبو علي الدقاق يقول: الفرق ما نسب إليك والجمع ما سلب عنك، ومعناه أن ما يكون كسبا للعبد من إقامة العبودية وما يليق بأحوال البشرية فهو فرق وما يكون من قبل الحق عن إبداء معان وإسداء لطف وإحسان فهو جمع. ( الرسالة القشيرية ).

( 3 ) الفيض الأقدس: الفيض: هو التجلّي الدائم الذي لم يزل ولا يزال ؛ أو هو كون الجود الإلهي سببا لحدوث أنوار الوجود في كل ماهية قابلة للوجود. والفيض الأقدس: هو التجلّي من الكثرة الأسمائية غير المجعولة ؛ أو هو عبارة عن التجلّي الحبّي الذاتي الموجب لوجود الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية. أو هو التجلّي الذاتي والفيض الغيبي من غيوب الشؤون -

"***"

له المنّة والطّول ومنه «1» القوة والحول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الفيض المقدس «2» ففيه خفاء إلا أن يقال بعدم المثال العيني وقدّم الوهب على الإبداع رعاية للقافية ( وناصب النقل ) أي مقيم الأمور الشرعية الواردة عنه كالعلامة التي تنصب ليهتدى بها ( ومشرعه ) أي ومسننه للاهتداء. وكم للّه من علامة موصلة إليه ولم يسنها للاهتداء، بل عاقب من اهتدى بها مع أنها كلها موصلة إليه، وهي من هذه الحيثية مستقيمة لا إعوجاج فيها. ألا تراه كيف قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ( 6 ) [ الفاتحة: الآية 6 ] ثم قال لرفع الالتباس: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [ الفاتحة:

الآية 7 ] ولما كان من سلك تلك الطرق منعما عليه بالوصول فلم يحصل كمال التمييز قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ [ الفاتحة: الآية 7 ] وما صدرت الشرائع إلا عنه، وإن كان للرسل بحسب الظاهر دخل في شيء منها فإنه راجع إليه حقيقة، وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ( 3 ) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ( 4 ) [ النّجم: الآيتان 3، 4 ] كنت لسانه قال اللّه على لسان عبده: سمع اللّه لمن حمده. وقدم هبة العقل على نصب النقل وتشريعه لأن العقل مناط التكليف.

( له المنّة ) المنّة بالضم القوة، أي: له القوة على هبة العقل وإبداعه. ونصب النقل وتشريعه، وبالكسر الإنعام أي: الإنعام والجود بذلك يقال منّ عليه منّا أنعم.

والمنان: اسم من أسماء اللّه وحينئذ يكون من قبيل قوله: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ [ الحجرات: الآية 17 ] ( الطول ) أي الجود ( ومنه القوة والحول ) على استعمال ما وهبه والاهتداء بما نصبه وشرعه لأن المنّة له لا لغيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الذاتية ؛ أو هو تعيّن المعلومات في العلم الأزلي. ( شرح فصوص الحكم، مصطفى زادة الحنفي، دار الكتب العلمية. وشرح فصوص الحكم، مؤيد الدين الجندي، بوستان كتاب قم، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي ). و ( كشاف اصطلاحات الفنون، محمد التهانوي، دار الكتب العلمية - بيروت ).

( 1 ) وفي نسخة «له».

( 2 ) الفيض المقدس: هو التجلّي الوجودي العيني ؛ أو وجود العوالم في أعيانها ؛ أو ثبوت الحروف ( المعلومات أو الأعيان الثابتة في العلم ) في ألواح الوجود وارتسامها بحسب ما تعيّنت في صفحة أم الكتاب العلمي الأنفس. ( شرح الفصوص، الجندي، بوستان كتاب قم ). أو هو عبارة عن التجلّي الوجودي الموجب لظهور ما تقتضيه تلك الاستعدادات في الخارج ( كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوي، دار الكتب العلمية - بيروت ).

"***"

لا إله إلا هو ربّ العرش العظيم.

وصلّى اللّه على من أقام به أعلام الهدى، وأنزله بالنور الذي أضلّ به من شاء وهدى «1»، وعلى آله الأكرمين وأصحابه الطاهرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( لا إله ) يعبد ويقصد في السماوات والأرض ( إلا هو ) لأنه عين كل شيء «2».

( رب العرش ) أي مالك العرش الذي هو عبارة عن الروح الكلي «3» المحيط بجميع الممكنات، أو قلب الإنسان الكامل «4» المحيط بجميع الحقائق، أو جسم محيط بعالم الأجسام، أو مجموع العالم ( العظيم ) من حيث إحاطته.

( وصلّى اللّه ) من حيث أحدية «5» جمعه «6» ( على من أقام به أعلام الهدى ) بأجمعها لأنه مظهر «7» جميع الأسماء الجمالية «8» والجلالية «9»، ولهذا كانت شريعته

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

( 1 ) وفي نسخة: وهدى وسلّم.

( 2 ) يشير الشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه اللّه تعالى إلى تحقّق السالك إلى اللّه تعالى بالآية الكريمة: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ البقرة: الآية 115 ] ، أي وجوده. وبقوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ [ الحديد: الآية 3 ] . وبقوله صلى اللّه عليه وسلم: «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللّه باطل». ( البخاري، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر. . . ).

( 3 ) الروح الكلي هو: الملك المسمى في اصطلاح الصوفية بالحق المخلوق به والحقيقة المحمدية نظر اللّه تعالى إلى هذا الملك بما نظر به إلى نفسه، فخلقه من نوره وخلق العالم منه، وجعله محل نظره من العالم. ( الجيلي، الإنسان الكامل، الباب الحادي والخمسون».

( 4 ) الإنسان الكامل: هو سيّدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم، قال الشيخ عبد الكريم الجيلي: «الباب الموفّى ستين:

في الإنسان الكامل وأنه محمد صلى اللّه عليه وسلم وأنه مقابل للحق والخلق. . . فهو الإنسان الكامل والباقون من الأنبياء والأولياء والكمّل صلوات اللّه عليهم ملحقون به لحوق الكامل بالأكمل ومنتسبون إليه انتساب الفاضل إلى الأفضل». ( الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل، ص 207 طبعة دار الكتب العلمية ).

( 5 ) الأحدية: هي عبارة عن مجلى الذات ليس للأسماء ولا للصفات ولا لشيء من مؤثّراتها فيه ظهور، فهي اسم لصرافة الذات المجردة عن الاعتبارات الحقيّة والخلقية ( الإنسان الكامل، الجيلي، طبعة دار الكتب العلمية ).

( 6 ) أحدية الجمع: اعتبارها من حيث هي هي بلا إسقاطها ولا إثباتها بحيث يندرج فيها نسبة الحضرة الواحدية التي هي منشأ الأسماء الإلهية. ( اصطلاحات الصوفية، القاشاني ).

( 7 ) مظهر، الجمع مظاهر: قال الجيلي: «بعض المظاهر لما رأت حكمها في الظاهر تخيلت أن أعيانها اتّصفت بالوجود فلما علمنا أن ثمّ في الأعيان الممكنات من هو بهذه المثابة من الجهل بالأمر تعيّن علينا من كوننا على حالنا في العدم مع ثبوتنا أن نعلم من لا يعلم من أمثالنا ما هو

"***"

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أكمل الشرائع وأجمعها وأوسعها حيطة، إذ قد جمعت بين التشبيه «1» والتنزيه «2» والتصريح والتنبيه ( و ) لهذا ( أنزله ) من رتبة ولايته إلى رتبة رسالته ( بالنور ) المسمى بالقرآن لأنه قرن بين الجلال «3» والجمال «4» واللطف «5» والقهر «6»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

- الأمر عليه، ولا سيما وقد اتّصفنا بأنّا مظهر فتمكنّا بهذه النسبة من الإعلام لمن لا يعلم فأفدناه ما لم يكن عنده فقبله فأعلمناه أنه ما استفاد وجودا بكونه مظهرا فتخلّى عن هذا الاعتقاد لا عن الوجود المستفاد ( الرسالة التي بين أيدينا: الإسفار عن رسالة الأنوار ).

( 8 ) الأسماء الجمالية: من مراتب الوجود كاسمه الرحيم والسلام والمؤمن واللطيف إلى غير ذلك من الأسماء الجمالية ويلحق بها الأسماء الإضافية: وهي الأول والآخر والظاهر والباطن والقريب والبعيد. ( مراتب الوجود، الجيلي ).

( 9 ) الأسماء الجلالية: من مراتب الوجود كاسمه الكبير والعزيز والعظيم والجليل والماجد إلى غير ذلك من الأسماء الجلالية ( مراتب الوجود، الجيلي ).

( 1 ) التشبيه: عبارة عن صور الجمال، لأن الجمال الإلهي له معان وهي الأسماء والأوصاف الإلهية، وله صور وهي تجليات تلك المعاني فيما يقع عليه من المحسوس أو المعقول، فالمحسوس كما في قوله: «رأيت ربي في صورة شاب أمرد». ( كنز العمال ( 1152 ) والخطيب البغدادي 11 / 214 ). والمعقول كقوله: «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء» ( الإتحاف 9 / 169 و 221، وابن عساكر 5 / 22، وبنحوه أحمد 2 / 315 و 4 / 106 ). وهذه الصورة هي المرادة بالتشبيه، ولا شك أن اللّه تعالى في ظهوره بصورة جماله باق على ما استحقّه من تنزيه.

( الإنسان الكامل، الجيلي، طبعة دار الكتب العلمية ).

( 2 ) التنزيه: عبارة عن انفراد القديم بأوصافه وأسمائه وذاته، كما يستحقه من نفسه لنفسه بطريق الأصالة والتعالي. ( الإنسان الكامل، الجيلي، طبعة دار الكتب العلمية ).

( 3 ) الجلال: عبارة عن ذاته بظهوره في أسمائه وصفاته كما هي عليه على الإجمال ( المرجع السابق ).

( 4 ) الجمال: عبارة عن أوصافه العليا وأسمائه الحسنى وهو نوعان: الأول معنوي وهو معاني الأسماء الحسنى والأوصاف العلا وهذا النوع مختصّ بشهود الحق إياه. والنوع الثاني صوري وهو هذا العالم المطلق. . . فهو حسن مطلق إلهي ظهر في المجالي الإلهية وسمّيت تلك المجالي بالخلق. ( الإنسان الكامل، الجيلي، الباب الثالث والعشرون ).

( 5 ) اللطف: هو تأييد الحق ببقاء السر ودوام المشاهدة وقرار الحال في درجة الاستقامة إلى حدّ أن قالت طائفة: إن الكرامة من الحق حصول المراد وهؤلاء أهل اللطف ( كشف المحجوب، الهجويري ).

( 6 ) القهر: هو تأييد الحق بإفناء المرادات ومنع النفس عن الرغبات من غير أن يكون لهم في ذلك مراد. وقالت طائفة: إن الكرامة هي أن الحق تعالى يردّه عن مراد نفسه إلى مراده ويقهره بغير مراده. ( كشف المحجوب الهجويري ).

"***"


 

 

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!