موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

قراءة في كتاب الفتوحات المكية:

قراءة في كتاب الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي - الجزء الأول من السفر الأول - 2

[رسالة إلى الشيخ عبد العزيز المهدوي‏]
لما انتهى للكعبة الحسناء * جسمي وحصل رتبة الأمناء
وسعى وطاف وثم عند مقامه * صلى وأثبته من العتقاء
من قال هذا الفعل فرض واجب * ذاك المؤمل خاتم النباء
ورأى بها الملأ الكريم وآدم * قلبي فكان لهم من القرناء
ولآدم ولدا تقيا طائع * ضخم الدسيعة أكرم الكرماء
والكل بالبيت المكرم طائف * وقد اختفى في الحلة السوداء
يرخي ذلاذل برده ليريك في * ذاك التبختر نخوة الخيلاء
وأبي على الملإ الكريم مقدم * يمشي بأضعف مشية الزمناء
والعبد بين يدي أبيه مطرق * فعل الأديب وجبرئيل إزائي‏
يبدي المعالم والمناسك خدمة * لأبي ليورثها إلى الأبناء
فعجبت منهم كيف قال جميعهم * بفساد والدنا وسفك دماء
إذ كان يحجبهم بظلمة طينة * عما حوته من سنا الأسماء
وبدا بنور ليس فيه غيره * لكنهم فيه من الشهداء
إن كان والدنا محلا جامع * للأولياء معا وللأعداء
ورأى المويهة والنويرة جاءت * كرها بغير هوى وغير صفاء
فبنفس ما قامت به أضداده * حكموا عليه بغلظة وبذاء
وأتى يقول أنا المسبح والذي * ما زال يحمدكم صباح مساء
وأنا المقدس ذات نور جلالكم * وأتوا في حق أبي بكل جفاء
لما رأوا جهة الشمال ولم يرو * منه يمين القبضة البيضاء
ورأوا نفوسهم وعبيدا خشع * ورأوه ربا طالب استيلاء
لحقيقة جمعت له أسماء من * خص الحبيب بليلة الإسراء
ورأوا منازعة اللعين بجنده * يرنو إليه بمقلة البغضاء
وبذات والدنا منافق ذاته * حظ العصاة وشهوتا حواء
علموا بأن الحرب حتما واقع * منه بغير تردد وإباء
فلذاك ما نطقوا بما نطقوا به * فأعذرهم فهم من الصلحاء
فطروا على الخير الأعم جبلة * لا يعرفون مواقع الشحناء
ومتى رأيت أبي وهم في مجلس * كان الإمام وهم من الخدماء
وأعاد قولهم عليهم ربن * عدلا فأنزلهم إلى الأعداء
فحرابة الملإ الكريم عقوبة * لمقالهم في أول الآباء
أو ما ترى في يوم بدر حربهم * ونبينا في نعمة ورخاء
بعريشه متملقا متضرع * لإلهه في نصرة الضعفاء
لما رأى هذي الحقائق كله * معصومة قلبي من الأهواء
نادى فاسمع كل طالب حكمة * يطوي لها بشملة وجناء
طي الذي يرجو لقاء مراده * فيجوب كل مفازة بيداء
البلدة الزهراء بلدة تونس * الخضرة المزدانة الغراء
بمحله الأسنى المقدس تربه * بحلوله ذي القبلة الزوراء
في عصبة مختصة مختارة * من صفة النجباء والنقباء
يمشي بهم في نور علم هداية * من هديه بالسنة البيضاء
والذكر يتلى والمعارف تنجلي * فيه من الإمساء للامساء
بدرا لأربعة وعشر لا يرى * أبدا منور ليلة قمراء
وابن المرابط فيه واحد شأنه * جلت حقائقه عن الإفشاء
وبنوه قد حفوا بعرش مكانه * فهو الإمام وهم من البدلاء
فكأنه وكأنهم في مجلس * بدر تحف به نجوم سماء
وإذا أتاك بحكمة علوية * فكأنه ينبي عن العنقاء
فلزمته حتى إذا حلت به * أنثى لها نجل من الغرباء
حبر من الأحبار عاشق نفسه * سر المجانة سيد الظرفاء
من عصبة النظار والفقهاء * لكنه فيهم من الفضلاء
وافى وعندي للتنفل نية * في كل وقت من دجى وضحاء
فتركته ورحلت عنه وعنده * مني تغير غيرة الأدباء
وبدأ يخاطبني بأنك خنتني * في عترتي وصحابتي القدماء
وأخذت تائبنا الذي قامت به * داري ولم تخبر به سجرائي‏
والله يعلم نيتي وطويتي * في أمر تائبه وصدق وفائي‏
فإنا على العهد القديم ملازم * فوداده صاف من الأقذاء
ومتى وقعت على مفتش حكمة * مستورة في الغضة الحوراء
متحير متشوف قلنا له * يا طالب الأسرار في الإسراء
أسرع فقد ظفرت يداك بجامع * لحقائق الأموات والأحياء
نظر الوجود فكان تحت نعاله * من مستواه إلى قرار الماء
ما فوقه من غاية يعنو له * إلا هو فهو مصرف الأشياء
لبس الرداء تنزها وإزاره * لما أراد تكون الإنشاء
فإذا أراد تمتعا بوجوده * من غير ما نظر إلى الرقباء
شال الرداء فلم يكن متكبر * وإزار تعظيم على القرناء
فبدا وجود لا تقيده لن * صفة ولا اسم من الأسماء
إن قيل من هذا ومن تعني به * قلنا المحقق آمر الأمراء
شمس الحقيقة قطبها وإمامه * سر العباد وعالم العلماء
عبد تسود وجهه من همه * نور البصائر خاتم الخلفاء
سهل الخلائق طيب عذب الجنى * غوث الخلائق أرحم الرحماء
جلت صفات جلاله وجماله * وبهاء عزته عن النظراء
يمضي المشيئة في البنين مقسم * بين العبيد الصم والأجراء
ما زال سائس أمة كانت به * محفوظة الأنحاء والأرجاء
شري إذا نازعته في ملكه * أرى إذا ما جئته لحباء
صلب ولكن لين لعفاته * كالماء يجري من صفا صماء
يغني ويفقر من يشاء فأمره * محيي الولاة ومهلك الأعداء
لا أنس إذ قال الإمام مقالة * عنها يقصر أخطب الخطباء
كنا بنا ورداء وصلى جامع * لذواتنا فإنا بحيث ردائي‏
فانظر إلى السر المكتم درة * مجلوة في اللجة العمياء
حتى يحار الخلق في تكييفه * عينا كحبرة عودة الإبداء
عجبا لها لم تخفها أصدافه * الشمس تنفي حندس الظلماء
فإذا أتى بالسر عبد هكذ * قيل اكتبوا عبدي من الأمناء
إن كان يبدي السر مستورا فم * تدري به أرضي فكيف سمائي‏
لما أتيت ببعض وصف جلاله * إذ كان عيي واقفا بحذائي‏
قالوا لقد ألحقته بإلهن * في الذات والأوصاف والأسماء
فبأي معنى تعرف الحق الذي * سواك خلقا في دجى الأحشاء
قلنا صدقت وهل عرفت محقق * من موجد الكون الأعم سوائي‏
فإذا مدحت فإنما أثنى على * نفسي فنفسي عين ذات ثنائي‏
وإذا أردت تعرفا بوجوده * قسمت ما عندي على الغرماء
وعدمت من عيني فكان وجوده * فظهوره وقف على إخفائي‏
جل الإله الحق أن يبدو لن * فردا وعيني ظاهر وبقائي‏
لو كان ذاك لكان فردا طالب * متجسسا متجسسا لثنائي‏
هذا محال فليصح وجوده * في غيبتي عن عينه وفنائي‏
فمتى ظهرت إليكم أخفيته * إخفاء عين الشمس في الأنواء
فالناظرون يرون نصب عيونهم * سحبا تصرفها يد الأهواء
والشمس خلف الغيم تبدي نوره * للسحب والأبصار في الظلماء
فيقول قد بخلت علي وإنه * مشغولة بتحلل الأجزاء
لتجود بالمطر الغزير على الثرى * من غير ما نصب ولا إعياء
وكذاك عند شروقها في نوره * تمحو طوالع نجم كل سماء
فإذا مضت بعد الغروب بساعة * ظهرت لعينك أنجم الجوزاء
هذا لميتها وذاك لحيه * في ذاتها وتقول حسن رآء
فخفاؤه من أجلنا وظهوره * من أجله والرمز في الأفياء

مقاطع مشابهة
مقاطع تتعلق بهذا الباب
مقاطع أخرى من كتاب الفتوحات المكية


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!