موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

استعراض الفقرات الفصل الأول في المعارف الفصل الثانى في المعاملات الفصل الرابع في المنازل
مقدمات الكتاب الفصل الخامس في المنازلات الفصل الثالث في الأحوال الفصل السادس في المقامات
الجزء الأول الجزء الثاني الجزء الثالث الجزء الرابع
يرجى زيارة هذا الموقع المخصص لكتاب الفتوحات المكية

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى أسرار الزكاة
  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
 

الصفحة 547 - من الجزء الأول (عرض الصورة)


futmak.com - الفتوحات المكية - الصفحة  - من الجزء

الأمر بالفرض كما ورد بإعطاء الزكاة والفرق بينهما أن الزكاة موقنة بالزمان والنصاب وبالأصناف الذين تدفع إليهم والقرض ليس كذلك وقد تدخل الزكاة هنا في الفرض فكأنه يقول وآتُوا الزَّكاةَ قرضا لله بها فيضاعفها لكم مثل‏

قوله تعالى في الخبر الصحيح جعت فلم تطعمني فقال له العبد وكيف تطعم وأنت رب العالمين فقال الله له إن فلانا استطعمتك فلم تطعمه أما أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي‏

والخبر مشهور صحيح فالقرض الذي لا يدخل في الزكاة غير موقت لا في نفسه ولا في الزمان ولا بصنف من الأصناف‏

[الزكاة المشروعة والصدقة]

والزكاة المشروعة والصدقة لفظتان بمعنى واحد قال تعالى خُذْ من أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِمْ بِها وقال تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ فسماها صدقة فالواجب منها يسمى زكاة وصدقة وغير الواجب فيها يسمى صدقة التطوع ولا يسمى زكاة شرعا أي لم يطلق الشرع عليه هذه اللفظة مع وجود المعنى فيها من النمو والبركة والتطهير

في الخبر الصحيح أن الأعرابي لما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن رسوله زعم أن علينا صدقة في أموالنا وقال له صلى الله عليه وسلم صدق فقال له الأعرابي هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع‏

فلهذا سميت صدقة التطوع يقول إن الله لم يوجبها عليكم فمن تطوع خيرا فهو خير له ولهذا قال تعالى بعد قوله وأَقْرِضُوا الله قَرْضاً حَسَناً وما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ من خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ الله‏

[النفس مجبولة على حب المال وجمعه‏]

وإن كان الخير كل فعل مقرب إلى الله من صدقة وغيرها ولكن مع هذا فقد انطلق على المال خصوصا اسم الخير قال تعالى وإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً أي جبل على ذلك يؤيده ومن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فالنفس مجبولة على حب المال وجمعه قال تعالى وإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ يعني المال هنا فجعل الكرم فيه تخلقا لا خلقا ولهذا سماها صدقة أي كلفة شديدة على النفس لخروجها عن طبعها في ذلك ولهذا آنسها الحق تعالى‏

بقول نبيه للأنفس إن الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله‏

[الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها]

وذلك لأمرين أحدهما ليكون السائل يأخذها من يد الرحمن لا من يد المتصدق‏

فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنها تقع بيد الرحمن قبل أن تقع بيد السائل‏

فتكون المنة لله على السائل لا للمتصدق فإن الله طلب منه القرض والسائل ترجمان الحق في طلب هذا القرض فلا يخجل السائل إذا كان مؤمنا من المتصدق ولا يرى أن له فضلا عليه فإن المتصدق إنما أعطى لله للقرض الذي سأل منه وليربيها له فهذا من الغيرة الإلهية والفضل الإلهي والأمر الآخر ليعلمه أنها مودعة في موضع تربو له فيه وتزيد هذا كله ليسخو بإخراجها ويتقي شح نفسه‏

[في جبلة الإنسان طلب الأرباح في التجارة]

وفي جبلة الإنسان طلب الأرباح في التجارة ونمو المال‏

فلهذا جاء الخبر بأن الله يربي الصدقات‏

ليكون العبد في إخراج المال من الحرص عليه الطبيعي لأجل المعاوضة والزيادة والبركة بكونه زكاة كما هو في جمع المال وشح النفس من الحرص عليه الطبيعي فرفق الله به حيث لم يخرجه عما جبله الله عليه فيرى التاجر يسافر إلى الأماكن القاصية الخطرة المتلفة للنفوس والأموال ويبذل الأموال ويعطيها رجاء في الأرباح والزيادة ونمو المال وهو مسرور النفس بذلك فطلب الله منه المقارضة بالكل إذ قد علم منه أنه يقارض بالثلثين وبالنصف ويكون فرحه بمن يقارضه بالكل أتم وأعظم‏

[البخل بالصدقة دليل على قلة الايمان‏]

فالبخيل بالصدقة بعد هذا التعريف الإلهي وما تعطيه جبلة النفوس من تضاعف الأموال دليل على قلة الايمان عند هذا البخيل بما ذكرناه إذ لو كان مؤمنا على يقين من ربه مصدقا له فيما أخبر به عن نفسه في قرض عبده وتجارته لسارع بالطبع إلى ذلك كما يسارع به في الدنيا مع أشكاله عاجلا وآجلا فإن العبد إذا قارض إنسانا بالنصف أو بالثلث وسافر المقارض إلى بلد آخر وغاب سنين وهو في باب الاحتمال أن يسلم المال أو يهلك أو لا يربح شيئا وإذا هلك المال لم يستحق في ذمة المقارض شيئا ومع هذه المحتملات يعمى الإنسان ويعطي ماله وينتظر ما لا يقطع بحصوله وهو طيب النفس مع وجود الأجل والتأخير والاحتمال فإذا قيل له أقرض الله وتأخذ في الآخرة أضعافا مضاعفة بلا ثلث ولا نصف بل الربح ورأس المال كله لك وما تصبر إلا قليلا وأنت قاطع بحصول ذلك كما تأبى النفس وما تعطي إلا قليلا فهل ذلك إلا من عدم حكم الايمان على الإنسان في نفسه حيث لا يسخو بما تعطيه جبلته من السخاء به ويقارض زيدا وعمرا كما ذكرناه طيب النفس والموت أقرب إليه من شراك نعله كما كان يقول بلال‏

كل امرئ مصبح في أهله *** والموت أدنى من شراك نعله‏


مخطوطة قونية
2306
2307
2308
2309
2310
  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  
  الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين.

 

البحث في كتاب الفتوحات المكية

الصفحة 547 - من الجزء الأول (اقتباسات من هذه الصفحة)

[الباب: 560] - فى وصية حكمية ينتفع بها المريد السالك والواصل ومن وقف عليها إن شاء الله تعالى (مقاطع فيديو مسجلة لقراءة هذا الباب)



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!