الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
الباب: | فى معرفة الأسماء الحسنى التى لرب العزة وما يجوز أن يطلق عليه منها لفظا وما لا يجوز |
الصفحة 324 - من الجزء الرابع (عرض الصورة)عبيد وأن الله هو الكبير العلي العظيم الحفيظ بكونه بكل شيء محيط فاحتاط بالأشياء ليحفظ عليها وجودها فإنها قابلة للعلم كما هي قابلة للوجود فمن شاء سبحانه أن يوجده فأوجده حفظ عليه وجوده ومن لم يشأ أن يوجد وشاء أن يبقيه في العدم حفظ عليه العدم فلا يوجد ما دام يحفظ عليه العدم فأما أن يحفظه دائما أو إلى أجل مسمى المقيت بما قدر في الأرض من الأقوات وبما أوحى في السماء من الأمور فهو سبحانه يعطي قوت كل متقوت على مقدار معلوم الحسيب إذا عدد عليك نعمه ليريك منته عليك لما كفرت بها فلم يؤاخذك لحلمه وكرمه وبما هو كافيك عن كل شيء لا إله إلا هو العليم الحكيم الجليل لكونه عز فلم تدركه الأبصار ولا البصائر فعلا ونزل بحيث إنه مع عباده أينما كانوا كما يليق بجلاله لي أن بلغ في نزوله أن قال لعبده مرضت فلم تعدني وجعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني فأنزل نفسه من عباده منزلة عباده من عباده فهذا من حكم هذا الاسم الإلهي الرقيب لما هو عليه من لزوم الحفظ لخلقه فإن ذلك لا يثقله وليعلم عباده أنه إذا راقبهم يستحيون منه فلا يراهم حيث نهاهم ولا يفقدهم حيث أمرهم المجيب من دعاه لقربه وسماعه دعا عباده كما أخبر عن نفسه وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فوصف نفسه بأنه متكلم إذ المجيب من كان ذا إجابة وهي التلبية الواسع العطاء بما بسط من الرحمة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وهي مخلوقة فرحم بها كل شيء وبها أزال غضبه عن عباده فانظر فهنا سر عجيب في قوله ورَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ وقوله كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ الحكيم بإنزال كل شيء منزلته وجعله في مرتبته ومن أوتي الحكمة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وقد قال عن نفسه أن بيده الخير وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم له والخير كله بيديك فلم يبق منه شيئا والشر ليس إليك الْوَدُودُ الثابت حبه في عباده فلا يؤثر فيما سبق لهم من المحبة معاصيهم فإنها ما نزلت بهم إلا بحكم القضاء والقدر السابق لا للطرد والبعد لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ فسبقت المغفرة للمحبين اسم المفعول المجيد لما له من الشرف على كل موصوف بالشرف فإن شرف العالم بما هو منسوب إلى الله إنه خلقه وفعله فما هو شرفه بنفسه فالشريف على الحقيقة من شرفه بذاته وليس إلا الله الباعث عموما وخصوصا فالعموم بما بعث من الممكنات إلى الوجود من العدم وهو بعث لم يشعر به كل أحد إلا من قال بأن للممكنات أعيانا ثبوتية وإن لم يعثر على ما أشرنا إليه القائل بهذا ولما كان الوجود عين الحق فما بعثهم إلا الله بهذا الاسم خاصة ثم خصوص البعث في الأحوال كبعث الرسل والبعث من الدنيا إلى البرزخ نوما وموتا ومن البرزخ إلى القيامة وكل بعث في العالم في حال وعين فمن الاسم الباعث فهو من أعجب اسم تسمى الحق به تعريفا لعباده الشهيد لنفسه بأنه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ولعباده بما فيه الخير والسعادة لهم بما جاءوا به من طاعة الله وطاعة رسوله وبما كانوا عليه من مكارم الأخلاق وشهيد عليهم بما كانوا فيه من المخالفات والمعاصي وسفساف الأخلاق ليريه منة الله وكرمه بهم حيث غفر لهم وعفا عنهم وكان مالهم عنده إلى شمول الرحمة ودخولهم في سعتها إذ كانوا من جملة الأشياء وإن تلك الأشياء المسماة مخالفة لم يبرزها الله من العدم إلى الوجود إلا برحمته فهي مخلوقة من الرحمة وكان المحل الذي قامت به سببا لوجودها لأنها لا تقوم بنفسها وإنما تقوم بنفس المخالف وقد علمت أنها مخلوقة من الرحمة ومسبحة بحمد خالقها فهي تستغفر للمحل الذي قامت به حتى ظهر وجود عينها لعلمها بأنها لا تقوم بنفسها الحق الوجود الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ وهو العدم من بَيْنِ يَدَيْهِ ولا من خَلْفِهِ فمن بين يديه من قوله لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ومن خلفه لقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ليس وراء الله مرمى فنسب إليه الوراء وهو الخلف فهو وجود حق لا عن عدم ولا يعقبه عدم بخلاف الخلق فإنه عن عدم ويعقبه العدم من حيث لا يشعر به فإن الوجود والإيجاد لا ينقطع فما ثم في العالم من العالم إلا وجود وشهود دنيا وآخرة من غير إنهاء ولا انقطاع فأعيان تظهر فتبصر الوكيل الذي وكله عباده على النظر في مصالحهم فكان من النظر في مصالحهم أن أمرهم بالإنفاق على حد معين فاستخلفهم فيه بعد ما اتخذوه وكيلا فالأموال له بوجه فاستخلفهم فيها والأموال لهم بوجه فوكلوه في النظر فيها فهي لهم بما لهم فيها من المنفعة وهي له بما هي عليه من تسبيحه بحمده فمن اعتبر التسبيح قال إن الله ما خلق العالم إلا لعبادته ومن راعى المنفعة قال إن الله ما خلق العالم إلا لينفع بعضه بعضا أول المنفعة فيهم للإيجاد فأوجد المحال لينتفع بالوجود من لا يقوم من الموجودات إلا بمحل وأوجد من لا قيام له بنفسه |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |