موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مطلع خصوص الكلم
في معاني فصوص الحكم

تأليف: الشيخ داود القيصري

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب

  السابق

المحتويات

التالي  

مقدمة مع قراءة خطبة الكتاب


الفصل الأول في الوجود وانه هو الحق من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

اعلم، ان الوجود من حيث هو هو غير الوجود الخارجي والذهني.
إذ كل منهما نوع من أنواعه , فهو من حيث هو هو، أي لا بشرط شئ، غير مقيد بالاطلاق والتقييد ولا هو كلي ولا جزئي ولا عام ولا خاص .
ولا واحد بالوحدة الزائدة على ذاته ولا كثير، بل يلزمه هذه الأشياء بحسب مراتبه وتجلياته ومقاماته المنبهة عليها بقوله: "رفيع الدرجات ذو العرش".
فيصير مطلقا ومقيدا وكليا وجزئيا وعاما وخاصا وواحدا وكثيرا من غير حصول التغيير في ذاته وحقيقته.
وليس بجوهر لأنه موجود في الخارج لا في موضوع أو ماهية . لو وجدت لكانت لا في موضوع.
والوجود ليس كذلك والا يكون كالجواهر المتعينة المحتاجة إلى الوجود الزائد ولوازمه.
وليس بعرض لأنه عبارة عما هو موجود في موضوع أو ماهية لو وجدت لكانت في موضوع، والوجود ليس موجودا بمعنى ان له وجودا زائدا فضلاعن ان يكون موجودا في موضوع.
بل موجوديته بعينه وذاته لا بأمر آخر يغايره عقلا أو خارجا .
وأيضا، لو كان عرضا لكان قائما بموضوع موجود قبله بالذات فيلزم تقدم الشئ على نفسه.
وأيضا، وجودهما زايد عليهما والوجود لا يمكن ان يكون زائدا على نفسه ولأنه مأخوذ في تعريفهما لكونه أعم منهما، فهو غيرهما .
وليس أمرا اعتباريا، كما يقول الظالمون، لتحققه في ذاته مع عدم المعتبرين إياه فضلا عن اعتباراتهم، سواء كانوا عقولا أو غيرها كما قال صلى الله عليه وسلم عليه السلام: "كان الله ولم يكن معه شئ".
وكون الحقيقة بشرط الشركة أمرا عقليا اعتباريا لا يوجب ان يكون لا بشرط الشئ كذلك.
فليس صفة عقلية وجودية كالوجوب والامكان للواجب والممكن.
وهو أعم الأشياء باعتبار عمومه و انبساطه على الماهيات حتى يعرض مفهوم العدم المطلق والمضاف في الذهن عند تصورهما.
ولذلك يحكم العقل عليهما بالامتياز بينهما وامتناع أحدهما وامكان الآخر إذ كل ما هو ممكن وجوده ممكن عدمه.
وغير ذلك من الاحكام وهو أظهر من كل شئ تحققا وإنية حتى قيل فيه: انه بديهي ، وأخفى من جميع الأشياء ماهية وحقيقة، فصدق فيه ما قال اعلم الخلق به صلى الله عليه وسلم في دعائه: "ما عرفناك حق معرفتك".
ولا يتحقق شئ في العقل ولا في الخارج الا به،
فهو المحيط بجميعها بذاته وقوام الأشياء به، لان الوجود لو لم يكن لم يكن شئ لا فيالخارج و
لا في العقل فهو مقومها بل هو عينها إذ هو الذي يتجلى في مراتبه و يظهر بصورها وحقايقها في العلم والعين فيتسمى بالماهية والأعيان الثابتة.
كما نبينه في الفصل الثالث، انشاء الله تعالى.
فلا واسطة بينه وبين العدم، كمالا واسطة بين الموجود والمعدوم، مطلقا.
والماهية الحقيقية واسطة بين وجودها الخاص وعدمها والمطلقة الاعتبارية
لا تحقق لها في نفس الأمر والكلام فيما له تحقق فيه.
ولا ضد له ولا مثل لأنهما موجودان متخالفان أو متساويان ، فخالف
جميع الحقايق لوجود أضدادها وتحقق أمثالها دونه، فصدق فيه: "ليس كمثله شئ".
والوجود، من حيث هو واحد، لا يمكن ان يتحقق في مقابله وجود آخر، وبه يتحقق الضدان ويتقوم المثلان، بل هو الذي يظهر بصورة الضدين و غيرهما ويلزم منه الجمع بين النقيضين إذ كل منهما يستلزم سلب الآخر.
اختلاف الجهتين انما هو باعتبار العقل واما في الوجود فتتحد الجهات كلها،فان الظهور والبطون وجميع الصفات الوجودية المتقابلة مستهلكة في عين الوجود فلا مغايرة الا في اعتبار العقل.
والصفات السلبية مع كونها عايدة إلى العدم،أيضا راجعة إلى الوجود من وجه ، فكل من الجهات المتغايرة من حيث وجودها العقلي عين باقيها ولكونهما مجتمعين في عين الوجود يجتمعان أيضا في العقل. إذ لولا وجودهما فيه لما اجتمعا .
وعدم اجتماعهما في الوجود الخارجي الذي هو نوع من أنواع الوجود المطلق لا ينافي اجتماعهما في الوجود من حيث هو هو.
ولا يقبل الانقسام والتجزي أصلا خارجا وعقلا لبساطته، فلا جنس له ولا فصل فلا حد له.
ولا يقبل الاشتداد والضعف في ذاته لأنهما لا يتصوران الا في الحال القار كالسواد والبياض الحالين في محلين.
أو الغير القار متوجها إلى غاية ما من الزيادة أو النقصان كالحركة والزيادة والنقصان والشدة والضعف يقع عليه بحسب ظهوره وخفائه في بعض مراتبه كما في القار الذات كالجسم وغير القار الذات كالحركة والزمان.
وهو خير محض وكلما هو خيرفهو منه وبه. وقوامه بذاته لذاته إذ لا يحتاج في تحققه إلى امر خارج عن ذاته، فهو القيوم الثابت بذاته والمثبت لغيره.
وليس له ابتداء والا لكان محتاجا إلى علة موجودة لا مكانه حينئذ، ولا له انتهاء والا لكان معروضا للعدم فيوصف بضده أو يلزم الانقلاب.
فهو أزلي وأبدى: " فهو الأول والآخر والظاهر والباطن".
للرجوع كلما ظهر في الشهادة أو بطن في الغيب إليه.
وهو بكل شئ عليم لاحاطته بالأشياء بذاته، وحصول العلم لكل عالم انما هو بواسطته فهو أولى بذلك.
بل هو الذي يلزمه جميع الكمالات وبه تقوم كل من الصفات كالحياة والعلم والإرادةوالقدرة والسمع والبصر وغير ذلك.
فهو الحي العليم المريد القادر السميع البصير بذاته لا بواسطة شئ آخر إذ به يلحق الأشياء كلها كمالاتها ، بل هو الذي يظهر بتجليه وتحوله في صور مختلفة
بصور تلك الكمالات ، فيصير تابعا للذوات لأنها أيضا وجودات خاصة مستهلكة في مرتبة أحديته ظاهرة في واحديته.
وهو حقيقة واحدة لا تكثر فيها، وكثرة ظهوراتها وصورها لا يقدح في وحدة ذاتها وتعينها وامتيازها بذاتها لا بتعين زايد عليها .
إذ ليس في الوجود ما يغايره ليشترك معه في شئ ويتميز عنه بشئ.
وذلك لا ينافي ظهورها في مراتبها المتعينة،بل هو أصل جميع التعينات الصفاتية والأسمائية والمظاهر العلمية والعينية.
ولها وحدة لا يقابل الكثرة بل هي أصل الوحدة المقابلة لها وهي عين ذاتهاالأحدية. والوحدة الأسمائية المقابلة للكثرة التي هي ظل تلك الوحدةالأصلية الذاتية أيضا عينها من وجه كما سنبين، انشاء الله تعالى.
وهو نور محض أدبه يدرك الأشياء كلها لأنه ظاهر بذاته ومظهر لغيره و منور سماوات الغيوب والأرواح وارض الأجسام لأنها بهتوجد وتتحقق، ومنبع جميع الأنوار الروحانية والجسمانية.
وحقيقته غير معلومة لما سواه وليست عبارة عن الكون ولا عن الحصول والتحقق والثبوت، ان أريد بها المصدر، لان كلا منها عرض حينئذ ضرورة.
وان أريد بها ما يراد بلفظ الوجود فلا نزاع، كما أراد أهل الله بالكون وجود العالم وحينئذ لا يكون شئ منها جوهرا ولا عرضا كما مر.
ولا معلوما بحسب حقيقته وان كان معلوما بحسب إنيته، والتعريف اللفظي لا بدان يكون بالأشهر ليفيد العلم . والوجود أشهر من الكون وغيره ضرورة.
والوجود العام المنبسط على الأعيان في العلم ظل من أظلاله لتقيده بعمومه.
وكذلك الوجود الذهني والوجود الخارجي ظلان لذلك الظل لتضاعف التقييد.
وإليه الإشارة بقوله : "ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا".
فهو الواجب الوجود الحق، سبحانه وتعالى، الثابت بذاته المثبت لغيره الموصوفبالأسماء الإلهية المنعوت بالنعوت الربانية المدعو بلسان الأنبياء والأولياء الهاديخلقه إلى ذاته الداعي مظاهره بأنبيائه إلى عين جمعه ومرتبة ألوهيته.
أخبر بلسانهم انه بهويته مع كل شئ ، وبحقيقته مع كل حي.
ونبه الله تعالى أيضا انه عين الأشياء بقوله: "هو الأول ولآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم".
فكونه عين الأشياء بظهوره في ملابس أسمائه وصفاته في عالمي العلم والعين، وكونه غيرها باختفائه في ذاته واستعلائه بصفاته عما يوجب النقص والشين و تنزهه عن الحصر والتعيين وتقدسه عن سمات الحدوث والتكوين.
وايجاده للأشياء، اختفاؤه فيها مع اظهاره إياها واعدامه لها في القيامة الكبرى،ظهوره بوحدته وقهره إياها بإزالة تعيناتها وسماتها وجعلها متلاشية .
كما قال تعالى: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار" و "كل شئ هالك الا وجهه".
وفي الصغرى تحوله من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ، أو من صورة إلى صورة في عالم واحد.
فالماهيات صور كمالاته ومظاهر أسمائه وصفاته ، ظهرت أولا في العلم ثم في العين بحسب حبه اظهار آياته ورفع اعلامه وراياته فتكثر بحسب الصور وهو على وحدته الحقيقية وكمالاته السرمدية.
وهو يدرك حقايق الأشياء بما يدرك حقيقة ذاته لا بأمر آخر كالعقل الأول وغيره.
لان تلك الحقايق أيضا عين ذاته حقيقة وان كانت غيرها تعينا.
ولا يدركه غيره كما قال تعالى :
"لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار"
و "ولا يحيطون به علما"
و "ما قدروا الله حق قدره".
"ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد".
نبه عباده تعطفا منه ورحمة لئلا يضيعوا أعمارهم فيما لا يمكن حصوله.
وإذا علمت ان الوجود هو الحق وعلمت سر قوله تعالى :
" وهو معكم أينما كنتم"
"ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون".
" وفي أنفسكم أفلا تبصرون".
"وهو الذي في السماء اله وفي الأرض اله".
وقوله تعالى :
"الله نور السماوات والأرض".
"والله بكل شئ محيط" .
و "كنت سمعه وبصره".
وسر قوله صلى الله عليه وسلم عليه السلام: "لو دليتم بحبل لهبط على الله".
وأمثال ذلك من الاسرارالمنبهة للتوحيد بلسان الإشارة.
تنبيه للمستبصرين بلسان أهل النظر الوجود واجب لذاته إذ لو كان ممكنا لكان له علة موجودة فيلزم تقدم الشئ على نفسه.
لا يقال ، الممكن في وجوده لا يحتاج إلى علة وهو غير موجود عندنا لكونه اعتباريا.
لأنا لا نسلم ان الاعتباري لا يحتاج إلى علة فإنه لا يتحقق في العقل الا باعتبار المعتبر فهو علته.
وأيضا، المعتبر لا يتحققفي الخارج الا بالوجود إذ عند زوال الوجود عنه مطلقا لا يكون الا عدما محضا فلو كان اعتباريا لكان جميع ما في الوجود أيضا اعتباريا إذ الماهيات منفكة عن الوجود أمور اعتبارية وهو ظاهر البطلان.
وتحقق الشئ بنفسه لا يخرجه عن كونه أمرا حقيقيا ولأن طبيعة الوجود من حيث هي هي حاصلة للوجود الخاص الواجبي وهو في الخارج.
فيلزم ان يكون تلك الطبيعة موجودة فيه لكن لا بوجود زائد عليها، وحينئذ لو كانت ممكنة لكانت محتاجة إلى علة ضرورة.
تنبيه
وآخر الوجود ليس بجوهر ولا عرض لما مر، وكل ما هو ممكن فهو اما جوهر أو عرض ينتجان الوجود ليس بممكن فتعين ان يكون واجبا.
وأيضا، الوجود لا حقيقة له زائدة على نفسه والا يكون كباقي الموجودات فيتحققه بالوجود ويتسلسل، وكل ما هو كذلك فهو واجب بذاته لاستحالة انفكاك ذات الشئ عن نفسه.
فان قلت: الوجوب نسبة تعرض للشئ نظرا إلى الوجود الخارجي،
فمالا وجود له في الخارج زائدا على نفسه لا يكون متصفا بالوجوب.
قلت: الوجوب عارض للشئ الذي هو غير الوجود باعتبار وجوده، اماإذا كان ذلك الشئ عين الوجود فوجوبه بالنظر إلى ذاته لا غير لأن الوجوب يستدعى التغاير مطلقا لا بالحقيقة كما ان العلم يقتضى التغاير بين العالم و المعلوم .
تارة بالاعتبار وهو عند تصور الشئ نفسه، وتارة بالحقيقة، وهو عند تصوره غيره.
وأيضا، كل ما هو غير الوجود يحتاج إليه من حيث وجوده وتحققه، والوجود من حيث هو وجود لا يحتاج إلى شئ فهو غنى في وجوده عن غيره.
وكل ما هو غنى في وجوده عن غيره فهو واجب فالوجود واجب بذاته.
فان قلت: الوجود من حيث هو هو كلي طبيعي وكل كلي طبيعي لا يوجد الا في ضمن فرد من افراده، فلا يكون الوجود من حيث هو واجبا لاحتياجه في تحققه إلى ما هو فرد منه.
قلت: ان أردتم بالكبرى الطبايع الممكنة الوجود فمسلم، ولكن لا ينتج المقصود لان الممكنات من شأنها ان توجد وتعدم وطبيعة الوجود لا تقبل ذلك لما مر ، وإن أردتم ما هو أعم منها فالكبرى ممنوعة.
وليتأمل في قوله تعالى : "ليس كمثله شئ، الآية"،
بل لا نسلم ان الكلى الطبيعي في تحققه متوقف على وجود ما يعرض عليه ، ممكنا كان أو واجبا.
إذ لو كان كذلك لزم الدور، سواء كان العارض منوعا أو مشخصا ، لان العارض لا يتحقق الا بمعروضه فلو توقف معروضه عليه في تحققه لزم الدور.
والحق ان كل كلي طبيعي في ظهوره مشخص في عالم الشهادة يحتاج إلى تعينات مشخصة له فائضة عليه من موجده .
وفي ظهوره في عالم المعاني منوعا يحتاج إلى تعينات كلية منوعة له لا في تحققه في نفسه.
وأيضا، كل ما تنوع أو تشخص فهو متأخر عن الطبيعة الجنسية والنوعية
بالذات، والمتأخر لا يكون علة لتحقق المتقدم بل الامر بالعكس أولى، والجاعل للطبيعة طبيعة أولى منهما ان تجعل تلك الطبيعة نوعا أو شخصا بضم ما يعرض عليها من المنوع والمشخص وجميع التعينات الوجودية راجعة إلى عين الوجود.
فلا يلزم احتياج حقيقة الوجود في كونها في الخارج إلى غيرها وفي الحقيقة ليس في الوجود غيره.
تنبيه وآخر
كل ممكن قابل للعدم ولا شئ من الوجود المطلق بقابل له فالوجود واجب بذاته.
لا يقال، ان وجود الممكن قابل للعدم. لأنا نقول، وجود الممكن عبارة عن حصوله في الخارج وظهوره فيه، وهو من أعراض الوجود الحقيقي الراجعة إليه بوجه عند اسقاط الإضافة لا عينه.
وأيضا ، القابل لا بد أن يبقى مع المقبول والوجود لا يبقى مع العدم فالقابل له هو الماهية لا وجودها.
ولا يقال، ان أردتم ان العدم لا يعرض على الوجود فمسلم.
ولكن لم لا يجوز ان يزول الوجود في نفسه ويرتفع؟
لأنا نقول، العدم ليس بشئ حتى تعرض الماهية أو الوجود.
وقولنا الماهية تقبل العدم معناه انها قابلة لزوال الوجود عنها، وهذا المعنى لا يمكن في الوجود والا لزم انقلاب الوجود إلى العدم.
وأيضا امكان عدمه مقتضى ذاته حينئذ والوجود يقتضى بذاته نفسه ضرورة كما مر، وذات الشئ الواحد لا يمكن ان يقتضى نفسه وامكان عدم نفسه فلا يمكن زواله.
وفي الحقيقة الممكن أيضا لا ينعدم بل يختفي ويدخل في الباطن الذي ظهر منه، والمحجوب يزعم انه ينعدم.
وتوهم انعدام وجودالممكن أيضا، انما ينشأ من فرض الافراد للوجود كأفراد الخارجية التي للانسان،مثلا، وليس كذلك.
فان الوجود حقيقة واحدة لا تكثر فيها وافرادها باعتباراضافته إلى الماهيات والإضافة امر اعتباري ، فليس لها افراد موجودة ليعدم ويزول.
بل الزائل اضافتها إليها ولا يلزم من زوالها انعدام الوجود وزواله ليلزم انقلاب حقيقة الوجود بحقيقة العدم.
إذ زوال الوجود بالأصالة هو العدم ضرورة وبطلانه ظاهر.
تفريع
وإذا لم يكن للوجود افراد حقيقية مغايرة لحقيقة الوجود لا يكون عرضا عاماعليها.
وأيضا، لو كان عرضا عاما لكان اما جوهرا أو عرضا ، وقد بينا انه ليس بجوهر ولا عرض.
وأيضا، الوجود من حيث هو هو محمول على الوجودات المضافة لصدق قولنا هذا الوجود وجود.
كل ما هو محمول على الشئ لا بد ان يكون بينه وبين موضوعه
ما به الاتحاد وما به الامتياز ، وليس ما به الاتحاد هنا سوى نفس الوجود وما به التغاير سوى نفس الهذية .
فتعين ان يكون الوجود من حيث هو هو عين الوجودات المضافة حقيقة ، والا لم يكن وجودا ضرورة، والمنازع يكابر مقتضى عقله.
الا ان يطلق لفظ الوجود عليها وعلى الوجود من حيث هو هو بالاشتراك اللفظي وهو عين الفساد.
وما يقال بان الوجود يقع على افراده لا على وجه التساوي: فإنه يقع على وجود العلة ومعلولها بالتقدم والتأخر وعلى وجود الجوهر والعرض بالأولوية وعدمها .
وعلى وجود القار وغير القار بالشدة والضعف، فيكون مقولا عليها بالتشكيك.
وكل ما هو مقول بالتشكيك لا تكون ماهية شئ ولا جزوه ، ان أرادوا به ان التقدم والتأخر والأولوية وعدمها والشدة والضعف باعتبار الوجود من حيث هو هو فهو ممنوع.
لكونها من الأمور الإضافية التي لا تتصور الا بنسبة بعضها إلى بعض.
ولأن المقول على سبيل التشكيك انما هو باعتبار الكلية والعموم، والوجود من حيث هو لا عام ولا خاص.
وان أرادوا به انها تلحق الوجود بالقياس إلى الماهيات فهو صحيح.
لكن لا يلزم منه ان يكون الوجودمن حيث هو مقولا عليها بالتشكيك إذ اعتبار المعروضات غير اعتبار الوجود.
و ذلك بعينه كلام أهل الله، لأنهم ذهبوا إلى ان الوجود باعتبار تنزله في مراتب الأكوان وظهوره في حظاير الامكان وكثرة الوسايط يشتد خفاؤه فيضعف ظهوره وكمالاته.
وباعتبار قلته يشتد نوريته ويقوى ظهوره فتظهر كمالاته وصفاته فيكون اطلاقه على القوى أولى من اطلاقه على الضعيف.
وتحقيق ذلك بان تعلم ان للوجود مظاهر في العقل ، كما ان له مظاهرفي الخارج.
منها هي الأمور العامة والكليات التي لا وجود لها الا في العقل.
وكونه مقولا على الافراد المضافة إلى الماهيات بالتشكيك انما هو باعتبار ذلك الظهور العقلي، ولذلك قيل انه اعتباري.
فلا يكون من حيث هو هو مقولا عليها بالتشكيك بل من حيث انه كلي محمول عقلي.
وهذا المعنى لا ينافي كونه عين ماهية افراده باعتبار كليه الطبيعي كما ان الحيوان طبيعته فقط جزء الافراد غير محمول عليها وباعتبار اطلاقه.
أي لا بشرط شئ، جنس محمول عليها وباعتبار عروضه على فصول الأنواع التي تحتها عرض عام عليها، وهكذا الامر فيكل ما يقع على افراده بالتشكيك.
والتفاوت في افراد الوجود ليس في نفس الوجود بل في ظهور خواصه من العلية والمعلولية في العلة والمعلول .
وبكونه قائما بنفسه في الجوهر غير قائم بنفسه في العرض ولشدة الظهور في قار الذات وضعفه في غير قار الذات.
كما ان التفاوت بين افراد الانسان ليس في نفس الانسانية بل بحسب ظهور خواصها فيها.
فلو كان مخرجا للوجود من ان يكون عين حقيقة الافراد لكان مخرجا للانسانية من ان يكون عين حقيقة افرادها.
والتفاوت الذي بين الافراد الانسانية لا يمكن مثله في افراد شئ آخر من الموجودات ولذلك صار بعضها أعلى مرتبة وأشرف مقاما من الأملاك وبعضها أسفل رتبة وأخس حالا من الحيوان .
كما قال الله تعالى: "أولئك كالانعام بل هم أضل".
وقال تعالى: "لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين".
لذلك يقول الكافر: "يا ليتني كنت ترابا".
وهذا القدر كاف لأهل الاستبصار في هذا الموضع.
ومننور الله عين بصيرته وفهم ما مر، وأمعن النظر فيه لا يعجز عن دفع الشبه الوهمية والمعارضات الباطلة.
والله المستعان وعليه التكلان.
إشارة إلى بعض المراتب الكلية واصطلاحات الطائفة فيها:
حقيقة الوجود إذا اخذت بشرط ان لا يكون معها شئ، فهي المسماة عند القوم بالمرتبة الأحدية المستهلكة جميع الأسماء والصفات فيها وتسمى جمع الجمع وحقيقة الحقايق والعماء أيضا.
وإذا اخذت بشرط شئ :
فاما ان يؤخذ بشرط جميع الأشياء اللازمة لها كليها وجزئيها، المسماة بالأسماء والصفات فهي المرتبة الآلهية المسماة عندهم بالواحدية ومقام الجمع .
وهذه المرتبة باعتبار الايصال لمظاهر الأسماء التي هي الأعيان والحقايق إلى كمالاتها المناسبة لاستعداداتها في الخارج تسمى مرتبة الربوبية.
وإذا اخذت لا بشرط شئ ولا بشرط لا شيء: فهي المسماة بالهوية السارية في جميع الموجودات.
وإذا اخذت بشرط ثبوت الصور العلمية فيها : فهي مرتبة الاسم الباطن المطلق والأول والعليم رب الأعيان الثابتة.
وإذا اخذت بشرط كليات الأشياء فقط : فهي مرتبة الاسم الرحمان، رب العقل الأول المسمى بلوح القضا وأم الكتاب والقلم الاعلى.
وإذا اخذت بشرط ان يكون الكليات فيها جزئيات مفصلة ثابتة من غير احتجابها عن كلياتها: فهي مرتبة الاسم الرحيم رب النفس الكلية المسماة بلوح القدر وهو اللوح المحفوظ والكتاب المبين.
وإذا اخذت بشرط ان يكون الصور المفصلة جزئية متغيرة : فهي مرتبة الاسم الماحي والمثبت والمحيي والمميت، رب النفس المنطبعة في الجسم الكلى المسماة بلوح المحو والاثبات.
وإذا اخذت بشرط ان يكون قابلة للصور النوعية الروحانية والجسمانية: فهي مرتبة الاسم القابل، رب الهيولى الكلية المشار إليها بالكتاب المسطور والرق المنشور.
وإذا اخذت مع قابلية التأثر: فهي مرتبة الاسم الفاعل المعبر عنه بالموجد والخالق، رب الطبيعة الكلية.
وإذا اخذت بشرط الصور الروحانية المجردة، فهي مرتبة الاسم العليم والمفصل والمدبر، رب العقول والنفوس الناطقة.
وما يسمى باصطلاح الحكماء بالعقل المجرد يسمى باصطلاح أهل الله بالروح. لذلك يقال للعقل الأول روح القدس.
وما يسمى بالنفس المجردة الناطقة عندهم يسمى بالقلب، إذا كانت الكليات فيها مفصلة، وهي شاهدة إياها شهودا عيانيا. والمراد بالنفس عندهم النفس المنطبعة الحيوانية.
وإذا اخذت بشرط الصور الحسية الشهادية، فهي مرتبة الاسم الظاهرالمطلق والآخر، رب عالم الملك.
ومرتبة الانسان الكامل عبارة عن جمع جميع المراتب الآلهية والكونية من العقول والنفوس الكلية والجزئية ومراتب الطبيعة إلى آخر تنزلات الوجود ويسمى بالمرتبة العمائية أيضا.
فهي مضاهية للمرتبة الإلهية ولا فرق بينهما الا بالربوبية والمربوبية ، لذلك صار خليفة الله.
وإذا علمت هذا، علمت الفرق بين المراتب الإلهية والربوبية والكونية.
وجعل بعض المحققين المرتبة الإلهية هي بعينها مرتبة العقل الأول باعتبار جامعية الاسم الرحمان لجميع الأسماء كجامعية الاسم الله لها.
هذا وان كان حقا من وجه لكن كون الرحمان تحت حيطة اسم الله يقضى بتغاير المرتبتين، ولو "كان" لا وجه المغايرة بينهما ما كان تابعا للاسم الله في (بسم الله الرحمن الرحيم)، فافهم.
تنبيه آخر
قد مر ان كل كمال يلحق الأشياء بواسطة الوجود وهو الموجود بذاته.
فهوالحي القيوم العليم المريد القادر بذاته لا بالصفة الزائدة عليها والا يلزم الاحتياج في إفاضة هذه الكمالات منه إلى حياة وعلم وقدرة وإرادة أخرى،إذ لا يمكن إفاضتها الا من الموصوف بها.
وإذا علمت هذا، علمت معنى ما قيل ان صفاته عين ذاته ولاح لك حقيقته.
وان المعنى به ما ذكر، لا ما يسبق إلى الافهام من ان الحياة والعلم والقدرة الفائضة منه اللازمة له عين ذاته، وان كان هذا أيضا صحيحا من وجه آخر،.
فان الوجود في مرتبة أحديته ينفى التعينات كلها، فلا يبقى فيها صفة ولا موصوف ولا اسم ولا مسمى الا الذات فقط.
وفي مرتبة واحديته التي هي مرتبة الأسماء والصفات يكون صفة وموصوفا واسما ومسمى، وهي المرتبة الإلهية.
كما ان المراد من قولنا ان وجوده عين ذاته: انه موجود بذاته لا بوجود فايض منه وهو عين ذاته، فيتحد الحياة والعلم والقدرة وجميع الصفات الثبوتية كاتحاد الصفة والموصوف في المرتبة الأولى.
وحكم العقل بالمغايرة بينهما في العقل أيض كالحكم بالمغايرة بين الموصوف والصفة في العقل مع اتحادهما في نفس الوجود.
أي العقل يحكم ان العلم مغاير للقدرة والإرادة في العقل كما يحكم بالمغايرة بين الجنس والفصل.
واما في الوجود فليست الا الذات الأحدية فقط، كما انهما في الخارج شئ واحد وهو النوع.
لذلك قال أمير المؤمنين كرم الله وجهه: "كمال الاخلاص له نفى الصفات عنه".
وفي المرتبة الثانية يتميز العلم عن القدرة وهي عن الإرادة :
فيتكثر الصفات وبتكثرها يتكثر الأسماء ومظاهرها ويتميز الحقايق الإلهية بعضها عن بعض. فالحياةوالعلم والقدرة وغير ذلك من الصفات تطلق على تلك الذات وعلى الحقيقة اللازمة لها من حيث انها مغايرة لها بالاشتراك اللفظي لان هذه الحقايق اعراض من وجه لأنها اما إضافة محضة أو صفة حقيقية ذات إضافة، و جواهر من وجه آخر كما في المجردات.
إذ علمها بذواتها عين ذواتها من وجه ، و هكذا الحياة والقدرة، وتلك الذات جلت من ان يكون جوهرا أو عرضا.
و يظهر حقيقة هذا المعنى عند من ظهر له سريان الهوية الإلهية في الجواهر كلها التي
هذه الصفات عينها.
ومن حيث ان هذه الحقايق كلها وجودات خاصه والذات الأحدية وجود مطلق .
والمقيد هو المطلق مع إضافة التعين إليه .
وهو أيضا يحصل من تجلياته، تكون اطلاقها عليها وعلى تلك الذات بالاشتراك المعنوي على سبيل التشكيك.
وعلى افراد نوع واحد منها كالتعينات في العلم، مثلا، على سبيل التواطؤ.
فهذه الحقايق تارة لا جوهر ولا عرض وهي واجبة قديمة، وتارة جواهر ممكنة حادثة، وتارة اعراض تابعة للجواهر.
فمن لاح له حقيقة ما ذكر وظهرت وجوه الاعتبارات عنده خلص من الشكوك والشبهات، والله الهادي.
.

OU0X0JhQZ7Y

  السابق

المحتويات

التالي  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!