فصوص الحكم وخصوص الكلم
للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
مع تعليقات الدكتور أبو العلا عفيفي
[نسخة أخرى فيها التعليقات فقط]
فإن عبادة العجل فرقت بينهم، فكان منهم من عبده اتباعاً للسامري وتقليداً له، ومنهم من توقف عن عبادته حتى يرجع موسى إليهم فيسألونه في ذلك.
فخشي هارون أن ينسب ذلك الفرقان بينهم «1» إليه، فكان «2» موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل، لعلمه بأن الله قد قضى ألَّا يُعْبَد «3» إلا إياه: وما حكم الله بشيء إلا وقع. فكان عتب موسى أخاه هارون لِمَا وقع الأمر في إنكاره وعدم اتساعه. فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه كل شيء. فكان موسى يربي هارون تربية علم وإن كان أصغر منه في السن. ولذا لما قال له هارون ما قال، رجع إلى السامري فقال له «فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ» يعني فيما صنعت من عدو لك إلى صورة العجل على الاختصاص، وصنعك هذا الشبح من حلي القوم حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم. فإن عيسى يقول لبني إسرائيل «يا بني إسرائيل قلب كل إنسان حيث ماله، فاجعلوا أموالكم في السماء تكن قلوبكم في السماء».
وما سمي المال مالًا «4» إلا لكونه بالذات تميل القلوب إليه بالعبادة. فهو «5» المقصود الأعظم المعظم في القلوب لما فيها من الافتقار إليه. وليس للصور «6» بقاء، ف لا بد من ذهاب صورة العجل لو لم يستعجل موسى بحرقه. فغلبت عليه الغيرة فحرقه ثم نسف رماد تلك الصورة في اليمِّ نسفاً. وقال له «انْظُرْ «7» إِلى إِلهِكَ» فسماه إلهاً بطريق التنبيه للتعليم، لما علم أنه بعض المجالي الإلهية «2»: «لَنُحَرِّقَنَّهُ» فإن حيوانية الإنسان لها التصرف في حيوانية الحيوان لكون الله سخرها للإنسان،
(1) ساقطة في ب
(2) ب: وكان
(3) ب: تعبدوا. ن: نعبد
(4) ب: مال
(5) ا: وهو
(6) ب: المصور
(7) ن: «و قال انظر».
ب: «و قال له موسى انظر».